أمين محمد حطيط-
قطع البيان العسكري السوري الرافض لأي وجود عسكري تركي على الأرض السورية كل الظنون وما كان البعض يحاول ترويجه من إمكانية ان يكون التدخل التركي في سورية جاء منسقا عبر طرف ثالث مع الحكومة السورية. وتلاقى هذا البيان الواضح المعبر عن الموقف السوري الرسمي مع الموقف العراقي الحاسم برفض وجود الجيش التركي في بعشيقة العراقية ورفض الاشتراك التركي في محركة تحرير الموصل العراقية من داعش الإرهابية لينتج الموقفان واقعا يتمثل برفض سورية والعراق لأي دور عسكري تركي على أراضيهما، نظرا لما يشكل من عدوان ويخفي من أهداف استعمارية خبيثة.
وفي المقابل تصر تركيا على دور عسكري مباشر لها في الشمال السوري والشمال الشرق العراقي تحت عنوان المناطق الآمنة ومواجهة التنظيمات الإرهابية التي هي حسب التصنيف التركي قوات سورية الديمقراطية “قسد” ذات الطبيعة والأرجحية الكردية ثم داعش دون ان ترى في جبهة النصرة التي حافظت على جسمها وغيرت اسمها إلى فتح الشام تنظيما إرهابيا. وهنا يطرح السؤال عن الخلفية الحقيقية للتصرف العسكري التركي على ارض الغير رغم الرفض القاطع الرسمي والشعبي من كل من العراق وسورية لهذا الوجود.
للإجابة على التساؤل نعود بالذاكرة إلى الأيام الأولى لبدء العدوان على سورية في العام 2011 حيث تولت تركيا مهمة القيادة الميدانية للعدوان المخطط والمأمور به أطلسيا بقيادة أميركية، انطلقت تركيا في مهمة فرض سيطرة الإخوان المسلمين على المنطقة بقيادتها ولكن الصمود السوري الأسطوري أفشل العدوان وسقطت خطة الإخوان وفشلت تركيا في سعيها.
بعد الإخفاق تراجعت تركيا عن دور القيادة الميدانية واستمرت بدور الحاضن والمساند للجماعات الإرهابية لا بل تحولت إلى الرئة التي بها يتنفسون والقاعدة التي فيها يتحشدون من أربعة اتجاهات الأرض وعبرها يروجون المسروق من الخيرات والثروات بما يؤمن لهم المدد المالي اللازم. وفي الوقت ذاته كانت تركيا تناور وتحاول ان تضع اليد على الشمال السوري لتتخذه جائزة ترضية خاصة في قسمه الغربي – غربي الفرات – تحت شعار المناطق الأمنة أو مناطق الحظر الجوي أو الممرات الإنسانية، لكنها فشلت في مسعاها على أكثر من صعيد.
و بعد ان أثبتت سورية و حلفاؤها قدرة فائقة على المواجهة الدفاعية في الميدان متناغمة مع قدرة عراقية فاجأت كل من كان يرقب الميدان العراقي اثر اعتماد أميركا على داعش لدمج الساحتين العراقية و السورية تحت سلطة داعش و اتخاذها جسرا لانتشار الحلف الأطلسي بقيادتها على ارض الشام و الرافدين ، بعد هذا النجاح الدفاعي و ثبوت فشل خطة داعش ، وجدت أميركا ان خطط السيطرة الكاملة على سورية و العراق ، ثم خطط التقسيم للبلدين لن تنجح في تحقيق الأهداف المرجوة ، و الأخطر بالنسبة لأميركا هو ما تأكدت منه في العراق و سورية على حد سواء من قرار وطني سيادي يتمثل بالمضي قدما بتحرير الأرض من الإرهاب المدعوم أميركيا .
لقد وصلت مواجهة الإرهاب إلى مرحلة حاسمة و حرجة في كل من سورية و العراق حيث بات معسكر العدوان متأكدا ان إنجاز سورية لمعركة حلب و إنجاز العراق لمعركة الموصل يعني و بكل وضوح سقوط كافة الرهانات الأميركية على النجاح في خطط إعادة صياغة المنطقة و تقسيمها و رسم مناطق نفوذ فيها ، لا بل اكثر من ذلك ان إنجاز هاتين المعركتين و تحرير ثاني اكبر المدن في كل من العراق و سورية و من قبل القوة الشرعية الوطنية في الدولتين مدعومة من محور المقاومة و أصدقاء أقوياء صادقين سيؤدي و بشكل مؤكد إلى البدء في وضع الأسس المتينة لإقامة شرق أوسط لأهله ، شعاره الرئيسي مقاومة التدخل الأجنبي و رفض الاستعمار و الهيمنة و هذا هو الشعار الذي جمع اطراف محور المقاومة و جاءت أميركا إلى المنطقة بعدوانها لإسقاطه .
لقد شكلت معركة الموصل ومعركة حلب المفصل النهائي الذي يحدد مصير ووجهة العدوان الأميركي على المنطقة ولذلك عادت أميركا إلى اطلسيتها بعد ان خاب ظنها من قدرة الأداة الإرهابية على الصمود وتحقيق أهداف العدوان. وباتت المواجهة اليوم وبعناوين وأشكال مختلفة بين حلف العدوان الأطلسي وأدواته الإقليمية المحلية وبين معسكر الدفاع عن المنطقة المشكل من قوى وطنية وإقليمية مدعومة دوليا خاصة من روسيا. أما في الأهداف فان أهداف العدوان باتت اليوم فئتين الأولى تتجه لمنع انهيار الأداة الإرهابية والبحث عن ملجأ ومنفذ لنجاتها، والثاني الحؤول دون تحقيق معسكر الدفاع نصر استراتيجي كامل يستطيع البناء عليه وذلك عبر التسويف و المماطلة أولا ثم الاشتراك في المعركة والسيطرة على جزء من الأرض في العراق وسورية ثانيا ليشكل ذلك الربح البديل أو الترضية.
ان سورية والعراق اليوم أمام خطة أميركية جديدة لا تقل خبثا ووحشية عن سابقتها، خاصة وان أميركا تريد وفي عود على بدء ان توكل ال تركيا دورا رئيسيا فيها مستغلة الغرور والطموح الاردغاني العثماني في وضع اليد على شمال سورية وشمال العراق بما ينقض معاهدة لوزان وينفذ العهد التركي المللي الذي يدعي ملكية تركية لتلك المنطقة.
من اجل ذلك سهلت أميركا ودفعت تركيا للتدخل العسكري المباشر في شمال سورية حيث أدخلت مؤخرا وحدة عسكرية مدرعة لتكون بمثابة المفرزة السباقة لما سياتي من القوى بعد ان أعلنت عن نيتها ” استعادة الباب ومنبج” السوريتين في عبارة عدوانيه وقحة وكـأن المدينتين تركيتين. كما ومن اجل ذلك جاء اشتون كارتر وزير الدفاع الأميركي إلى العراق من اجل الضغط على حكومتها لأشراك تركيا في معركة الموصل وهو الاشتراك المرفوض عراقيا بشكل كلي.
ان خطة العدوان الأميركية الجديدة هي السادسة بعد فشل الخمس السابقة والجديد فيها هو إسناد الدور الأساسي فيها إلى تركيا والاتكاء في التنفيذ على دور مباشر للجيش التركي وشمول الخطة على فكرة إعادة النظر بالحدود الشمالية والشرقية لكل من العراق وسورية وان لم يكن الأمر متصل بالحدود السياسية فعلى الأقل بحدود النفوذ والسيطرة الأمنية المباشرة وهنا مبعث الخطر الشديد على وحدة الأراضي العراقية ووحدة الأراضي السورية فما سيكون الرد والنتائج؟
من الواضح ان الموقف في كل من العراق وسورية حاسم في رفض الخطة الأميركية ورفض الدور التركي فيها، ومن المؤكد ان لكل من البلدين من الطاقات والقدرات ما يمكنهما من أفشال الخطة وأسقاط الأحلام التركية في سورية والعراق مستندين في ذلك إلى مسائل تكاد تكون من المسلمات في الواقع القائم كالتالي:
- لن تستطيع تركيا ان تواجه الجيش العراقي أو الجيش العربي السوري في الميدان ليس لاعتبار الاختلال في موازين القوى العسكرية بل لاعتبارات أخرى اهم، ولن يكون هناك بيدها أي تبرير للمواجهة ان وقعت، لأنها تدعي أنها جاءت لقتال داعش وأنها ليست معنية بقتال الجيشين. ثم ان الحلف الأطلسي ليس بوارد فتح جبهة حرب أطلسية في المنطقة مع نفاذ المفهوم الاستراتيجي للأطلسي الذي يمنع ذلك. وعلى ضوء ذلك ان مفارز صغيرة من كل من الجيشين السوري والعراقي قادرة على قطع الطريق على الجيش التركي للتمدد في أي اتجاه على الأراضي العراقية أو السورية.
- ان معسكر الدفاع يملك من القدرات العسكرية ما يمكنه من أفشال المشروع الأميركي التركي الجديد وقادر على تنفيذ ما هدد به من إعادة الجنود الأتراك إلى بلادهم بالتوابيت، فالمعسكر الذي نجح في دفاعه لمدة ست سنوات قادر وبكل تأكيد على النجاح في المواجهة هذه وبوجهيها فاذا كانت أميركا لم تصمد في مواجهة المقاومة في العراق فهل ستصمد تركيا في وجه تلك المقاومة وتغامر في الدخول في وضع يعقد عليها وضعها الأمني في الداخل وعبر والحدود؟
- ان صرف الإنجاز الميداني التركي الأطلسي سياسيا -هذا إذا تحقق – امر شبه مستحيل بعد ان انهارت المحاولات الأميركية في إقامة نظام عالمي أحادي القطبية وبات العالم اليوم أمام المرحلة النهائية لقيام النظام المتعدد المجموعات الاستراتيجية المتحكمة مجتمعة بالقرار الدولي والقادرة على ممارسة الفيتو على قرار الأخر ولن ينفذ قرارا ان لم يكن محل أجماع و لم تعد الإرادة الأميركية المنفردة قادرة اليوم على صنع الواقع .
وعليه نرى ان المغامرة الأميركية – التركية ستكون محكومة بأكثر من عائق ، و لن تصل الأمور فيها إلى ما ترسمه أحلام اردغان و لن يكون لأميركا فرصة التعويض عن خسائرها الاستراتيجية في المنطقة رغم المناورات الاحتيالية و محاولة إطالة أمد الصراع بحرب الاستنزاف التي تقودها ، فلا منطقة النفوذ التركي المزعوم مشروع قابل للتحقق و الاستقرار و لا حماية داعش مهمة ممكنة الاستمرار ألا ان الأكيد في الموضوع ان تحرير الموصل بيد عراقية سينهي مرحلة هامة من التاريخ العراقي و يؤكد على وحدة العراق و تحرير حلب سيكون له الأثر ذاته و هو تحرير بات في حكم المؤكد .
العميد د. أمين محمد حطيط