أمين أبوراشد –
نحمل خشب أرزنا صلباناً، إلى حيث صليبك الخشبي، صائمين في زمن آلامك إلا عن كلام الحق، يا معلماً لنا في مواجهة الباطل حتى الصلب، واعذرنا سيدي لعدم اكتمال عددنا، لأننا ما زلنا منقسمين، فريقٌ منا تحمله رياح الطقوس الغربية، والفريق الآخر ينتظر الرياح الشرقية، ولا حيلة لنا ولا قدرة على الوحدة، لأنها حصراً بين أيدي مَن صلبانهم من ذهب، وكيف لهم أن يوحِّدوا الشعب المسيحي لأجل مجدك، وهم جزء من كل معركة “تناهش” و”تناتش” لمجدٍ دنيويٍ زائل، عاجزين حتى عن جمع قادة القطعان على كلمة حق، لإختيار رئيسٍ لوطن بالكاد حجمه نقطة في بحر هذا العالم.
مشكلتنا مع ولاة أمرنا من أهل الدين والدنيا يا سيدي ليست طبقية، ولا يعنينا ترف حياتهم، لا في الأراضي الشاسعة، ولا الأملاك الواسعة، ولا رفاهية عيش الإكليروس والمدنيين من جماعة “الدم الملوكي الأزرق”، الذين ورثوا ألقاب البيك والشيخ والأفندي عن السلطنة العثمانية المُنقرضة، بل يعنينا ضيق عيش شعبنا الذي بلغ حدود الكفر بالوطن، فيما يجول “الرُعاة” من أهل الدين والدنيا في المغتربات، لمحاولة إعادة مَن رحل من ملايين المسيحيين، الى دولةٍ أشبه بهيكل اللصوص، فيما الإغتراب يقهقه عليهم وعلينا، وكأننا نحن أبناء أرض مهدك باقون في هذا الشرق عن طريق الخطأ، أو أننا نقف على موانىء الرحيل بانتظار قرار الترحيل..
نحتاج الإعتراف عند قدميك يا أنقى النقاء، لنرتاح من عناء جلجلتنا في هذا الشرق على خطى بولس الرسول، أننا لا نتعب من حمل صليبك، لكننا نعاني في كبواتنا من غياب أي “سمعان” يسمع الأنين، ويعيننا على النهوض من تحت صليبنا في لحظة تعب، ولا نجد مَن يزيح الحجر عن ظلمة قهرنا، ولا مَن يقرأ معنا الوصايا العشر لتكون الحَكَم بيننا وبينهم، بعد أن ظلمتنا أحكام الغير وظلمنا حُكَّام الغير ليس لأننا قُصَّار، بل لأن من يتولون أمرنا هم كذلك.
نعم سيدي، نحن نلتجىء إليك بكل جرأة عند أقدام صليبك، وندعوهم للمحاكمة بحضرتك وفق الوصايا العشر، لأننا نعتبر أن السياسة منهجية عمل وتطبيق مبادىء، وهي حسن إدارة شؤون الناس والمجتمع بنزاهة ووضوح وكفاءة وأخلاق، ونسألهم أمام ناظريك عن بعض الوصايا العشر، وما هي الوصية التي هم يتبعون لو كانوا مسيحيين؟
- أنا هو الرب إلهك، لا يكُن لك إله غيري؟ وهُم أرباب مواقعهم ومراكزهم وكراسي سلطانهم.
- لا تقتل…، لا تسرق…، لا تشهد بالزور؟ وهُم بمعظمهم قتلة ولصوص وشهود على كل زور وعلى كل سرقة من أفواه شعبٍ جائع.
- لا تشتهِ مقتنى غيرك؟ وهُم اشتهوا وطناً عن بكرة أبيه والتهموا خزينة دولة، ويتراصفون في المقاعد الأمامية ويتناولون القربان المقدس وينضحون زيت قداسة!
ولأننا لا نملك سوى الإيمان بك وبالوصايا العشر يا سيدي، نلتمس منك رفع الجلسة بيننا وبينهم على هذا الأساس، ولا تُسامحهم سيدي ولن نسامحهم، لأنهم يدرون ماذا يفعلون، أولائك الذين خَلَت قلوبهم منك ومن تعاليم كنيستك، ومن كل ما يمتُّ للقيَم الإنسانية بِصِلَة، وباتت صروحهم وقصورهم أوكاراً للتآمر علينا، وعلى مستقبل أولادنا بل على وجودنا في هذا الشرق، ويعرضوننا كما الرقيق في أسواق النخاسة، ولا شأن لنا بهم لو لم تكن الوصايا هي الحَكَم بيننا وبينهم.
ومع ذلك، إيماننا يبقى سلاحنا، ونُقسِم عند أقدام صليبك أيها القائم من بين الأموات، أننا لن نحيا ونموت إلّا بك، ومن أجل مجدك وتعاليمك ورسالة السلام التي أورثتنا، وسنبقى مشاعل حضارة أينما كنَّا، وووقود النهضة في شرق التخلُّف هذا، سواء بقي القيِّمون علينا من أتباع وصاياك أم باتوا من أتباع يهوذا يبيعوننا ببعضٍ من الفضة، وسنبيع كل من يخرج عن طاعتك، ونتوسَّل رحمتك ورضاك، ونشتري بقاءنا في هذا الشرق بمزيدٍ من دماء الشهادة ونعيش الرجاء، ونسير خلفك على هذه الأرض المشرقية التي أردتها مباركة وأرادها بنو البشر جهنَّم الموت ومرتعاً للشياطين، ولا بدَّ لنا من القيامة الحقيقية يوماً، لأنك وحدك الحياة يا نبض حياتنا كما في السماء كذلك على الارض…