أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


ويلات أوروبا من الإسلام السياسي.. والجهل السياسي

– «فرنسا (أوروبا) حاذري فقدان روحك»… (ميرنا داوود – اليوم الثالث)

شهدت أوروبا صنوفًا من الإرهاب المنظّم في السنوات الاخيرة، من ألمانيا، مرورا بفرنسا وأخيراً تفجير مانشستر.

من المعلوم أن ألمانيا غامرت بإيواء قدرٍ كبيرٍ من اللاجئين، مما منح أصوات اليمين مشروعيةً بالطرح، بوصفها حاميةً للهويّة الأصلية، ومدافعة عن ألمانيا قومًا وجذرًا، وهو تحوّل بالثقافة الألمانية الباردة تجاه الأجنبي وذلك ضمن اعتياد ثقافي ورسم قانوني.

الصوت المناوئ للاجئين والمهاجرين أخذ تصاعده بعد حادث الدهس بسوق عيد الميلاد ببرلين، الذي أودى بحياة اثني عشر شخصًا، وأكثر من أربعين جريحًا. ردة الفعل الأكثر دويًا كانت من حزب البديل لأجل ألمانيا «A F D» المعارض للاتحاد الأوروبي والمعادي للاجئين، حيث دعا صراحةً إلى: «تطبيق حظر فوري على دخول أي أشخاص غير معروفي الهوية إلى ألمانيا».

إن كل هذه التعليقات تعيدنا إلى مشكلة الهويّة الإسلامية، وعلاقتها مع الهويّات الأوروبية الأخرى.

صراع الهويتين الإسلامية والأوروبية

لقد شكّلت عواصم أوروبية في الثلث الأخير من القرن العشرين جنةً باردةً لرموز الإسلام السياسي، مستغلين الحريات، ومتسللين من «روح القوانين» على حد تعبير مونتسكيو. استغلوا الحقوق، واستفادوا من القيم الأوروبية، المتيحة للغريب فرص العودة إلى هذه الديار حين ينهار السقف من فوقهم، أو تضيق بهم ديارهم، أو تطاردهم حكوماتهم، أو تزلزل الأرض من تحتهم.

غير أن المرحلة لن تطول، وابني ذلك على أن البركان النقدي ضد المهاجرين والغرباء والمتطرفين قد تفجّر بفرنسا منذ أحداث «شارلي إيبدو». وفِي هذا السياق اذكر كتاب “الاسلام، الجمهورية، العالم”، الذي نشر بعد احداث ( شارلي ايبدو) لكاتبه آلان غريش رئيس التحرير السابق لـ«Le Monde Diplomatique»  والمؤلف مشهور بانتمائه اليساري. يستهل حديثه مباشرة وبعد أن افتتح الكتاب بقراءةٍ لحادثة «شارلي إيبدو»، خصص أبوابًا عن «حرب وصدام الحضارات» تضمّن بالطبع أمنيات ومواعظ حسنة للساسة والحكومات الغربية بأن يكونوا جيدين تجاه المسلمين، لأنهم غير مضرّين، ومن يمارس الأعمال الإرهابية لا يمثلهم.

ويتابع قائلا : «إن الحقد يذهب إلى ما هو أبعد من حالةِ العداوة إزاء بعض المصالح أو الأعمال الخاصة، أو حتى إزاء بلدانٍ معيّنة، ليصبح رفضًا للحضارة الغربية كما هي، وهو كره ليس لما تفعله فقط، وإنما لما هي عليه وللمبادئ والقيم التي تطبقها، أو تجاهر بها”.

لكن ما فات غريش أنه لم يتطرّق في كتابه إلى أدوار عودة الهوية ومشاكل الاندماج في المجتمعات الغربية. وهنا اتابع من بعض مشاهداتي في بلاد الاغتراب، أن البعض الآتي إلى إلغرب يدلف المدينة وبجعبته مشروع لإصلاح أوروبا او اي دولة غربية، وتفصيلها على مقاسه هو ولو بالسلاح. والنتيجة كانت ان هناك مداراة أخلاقية للمهاجرين، وبخاصة ما يتعلق بالطعام، والحجاب، وأماكن العبادة، والدعوة للإسلام، وبناء المراكز الإسلامية، وفسح المجال للجمعيات الخيرية… وتبيّن فيما بعد أن كارثة كبرى قد نسيت طوال أكثر من ثلاثة عقود في فرنسا وبريطانيا تحديدًا، وفي هذا درس لألمانيا تجاه فاعليتها مع أعمال الإسلام السياسي.

الكارثة التي حلّت أن الصراع كان خفيًّا بين الآيديولوجيا الزائرة، والحضارة القائمة. صراع يبدو في العناوين والعلامات، بالرموز والإشارات، بالألبسة واليافطات، كانت الصورة النمطية عن الخطب والتحركات والآراء والألبسة والأزياء أنها «آراء أخرى» ولأن الحضارة الأوروبية بصمتها الأساسية التي صارعت لأجلها طوال خمسة قرون هي «الفردية» واحترام «الآخر» منذ هيغل وحتى ليفناس.

كان لدى داريوش شايغان كتاب صغير طبع بباريس عام 1992 وترجم للعربية عام 1993 بعنوان «أوهام الهويّة» وأشار إلى هذا الصراع كاتبًا: «إن الحضارات غير الغربية لم تشهد هذه التغييرات بل تلّقتها بالوكالة، لم يكن من سبيلٍ إلى أصل الفكر الغربي وفصله، ولا إلى حركته الديالكتيكية، بحيث غدت الآيديولوجيا بمعنى ما الشكل الوحيد المتيسّر للحضارات غير الغربية، وبه تمكنت من الاضطلاع بدورٍ ما بالتاريخ». من قول شايغان هذا تستبين حالة التعويض عن الفقر الحضاري بتشجيع الآيديولوجيا المعتادة على الصراع وأساس بنائها معتمد دائمًا على نتائج ومبادئ مفعمة بـ«النزق الفكري».

الجهل الأوروبي

مارست آيديولوجيا الإسلام السياسي بأوروبا حماقات الإصلاح بدلاً من حضاريّة التكيّف، من خلال نفوذ في برلمان الدولة، وتغيير القوانين. كانت هناك غيبوبة حكومية رسمية منذ السبعينات عن مؤسسات الإسلام السياسي التي وصلت إلى فيينا، وسويسرا، وكان ذلك غلطة فظيعة جرّت ويلاتٍ على الأوروبيين، وأي ويلات؟!

لن اتحدث عن نماذج متشددة مشهود لها بالجهل مثل أبو حمزة المصري، بل عن كاتب يقدّم بوصفه مفكرًا وله أطروحة عن نيتشه ويتحدّث عن الهويّة الفرنسية مثل حفيد حسن البنا طارق رمضان، الذي كتب عن فرنسا قائلاً: «إن الأمر بنهاية المطاف يتعلق بتصوّرنا لمفهوم الهوية، فإذا كنا نعتقد أن التاريخ يغير المجتمعات والبشر، فيجب أن نقبل بتطوّر هويتنا الجماعية، من المشكلات التي تطرحها بعض التيارات الفكرية والسياسية في فرنسا هي المطالبة بهويّة فرنسية، والمطالبة حتى بفرنسا التي لم تعد توجد، بفرنسا التي لم تتطوّر».

الأفق الأوروبي الملبّد

إذا بقيت أوروبا ملاذًا ومنطلقًا لعمل الإسلام السياسي ورموزه فإن التطرّف سيزداد، لكن بحال تم لجم هذا التغول قانونيًا وسياسيًا فإن الخطر سيتضاءل. صرخ مرةً أستاذ فرنسي بكتابٍ لم يعجب آلان غريش حمل عنوان: «فرنسا حاذري فقدان روحك»… قد يصحّ هذا النداء القاسي على بقية الدول الأوروبية وعواصمها قاطبة. مشكلة الاندماج في المجتمعات الغربية معضلة كبيرة والعامل الثقافي لا يستهان به والأمور على ما يبدو تسير للأسوأ !

*أستاذة جامعية سورية مقيمة في الولايات المتحدة

لقراءة الخبر من المصدر (إضغط هنا)