-هتاف دهام
ليس هناك من قرية أو بلدة لم تطأها قَدَما العميد شامل روكز منذ كان قائداً لفوج المغاوير حتى اليوم. لا يترك «مشوار مع مغوار» إلا ويشارك فيه، رغم نشاطه السياسي والاجتماعي المكثف الذي بدأه بعد تقاعده، في مكتبيه بالنقاش صباحاً وجونيه بعد الظهر.
أهمّ ميزة يتمتع بها روكز أنه استكمال لإرث رئيس الجمهورية العماد ميشال عون العسكري. فهو الوحيد القادر أن يشكّل عسكرياً الاستمرار الطبيعي للحالة العونية وليس أيّ أحد آخر.
كان روكز في الجيش كالرئيس عون ضابطاً وطنياً. صحيح أنه «مسيحي» الانتماء، لكنه وطني الهوى. راكم الضابط المغوار هذه الروح من خلال المهمات التي تنقل بها على الأراضي اللبنانية كافة. تعزّزت عنده روح الانتماء للوطن.
منذ أن بدأ العميد «الشامل» حياته السياسية، يحافظ على نمطية معينة في الخطاب. نمطية تركّز على البعد الوطني. لم يقع أسير المصطلحات الطائفية. مصطلحات انزلق إليها رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل في الآونة الأخيرة.
لم يتقوقع روكز داخل الأطر الحزبية الضيّقة. تعاطى مع التيار الوطني الحر كحالة وليس كحزب، ما أعطاه مرونة أكبر وقدرة على التفاعل أكثر وفق معايير المواطنة التي لا تفارق كلامه في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة.
لا يتحدّث مرشح كسروان للانتخابات النيابية إلا عن قانون على أساس النظام النسبي. كرّر في إطلالاته كلها سواء في الأرز، الصفرا، شبعا، الشوف، دار الإفتاء… التزامه الواضح والثابت بالمعايير نفسها عند الكلام حول قانون الانتخاب. دعا مراراً إلى أن يكون هذا القانون دافعاً لتغيير على مستوى الوطن. لم يدغدغ خطابه «مسيحياً» أو «مسلماً» إنما ساوى بين اللبنانيين. لم يميّز بين مذهب وآخر.
يمثل روكز فرداً أساسياً من الأسرة العونية بالمعايير المعتمدة، لكنه قدّم نفسه أنه ليس مقيّداً بهذه الاعتبارات. رغم ذلك، هناك من ظلمه بعدم تعيينه قائداً للجيش ( لم يؤخذ بتجربته في عبرا وعرسال وغيرهما ) ، بتنسيبه – في مرحلة المناكفات السياسية – إلى «العائلة الصغيرة» وليس إلى «العائلة الكبرى» الوطن.
لدى المغوار السياسي اليوم، فرصة أن يشكل الملاذ في المرحلة المقبلة إزاء الأزمة. أزمة إذا استمرت بالاندفاع نحو الحائط، من شأنها أن تطيح كلّ المنجزات التاريخية وأن تضع «ورقة التفاهم» في عين الخطر. لذلك يبقى روكز، وفق قطب سياسي بارز لـ»البناء» أملاً متّقداً ليشكل حالة استيعاب حقيقي ويؤدي دوراً أكثر حيوية بإعادة التجسير المطلوب على ضوء الندوب والسقطات التي أوجدتها مشكلة قانون الانتخاب بين المقاومة ووزير الخارجية.
أخذت قناة «المنار» في مقدّمة نشرتها الإخبارية المسائية يوم الأحد الماضي الخطاب السياسي الانتخابي لـ»الجنرال» من الشوف كبيان وبيّنة حول أزمة البلد السياسية وقانون الانتخاب. شكل ذلك إشارة لافتة لكثيرين من الفرقاء السياسيين، علماً أنّ «العميد» على المستوى الشخصي لا يترك فرصة للتواصل مع كلّ المعنيين من الكبار في الشأن السياسي والانتخابي.
لم يغرق القائد المغوار بمستنقع الانقسامات السياسية السلبية. تربطه علاقات جيدة مع القوى كافة، يقول روكز لـ»البناء». فخلفيته العسكرية تساعده. طموحه ببلد المواطنة ومستقبل شباب واعد، يجعله أكثر انفتاحاً على الجميع. يقول عن العلاقة بحزب الله إنها جيدة. الزيارات دائمة ومتبادلة. لا أتحفّظ على سلاح الحزب ولم أتحفّظ يوماً ولا أتحفّظ على أيّ لبناني. سلاح المقاومة بقدر ما هو مهمّ في محاربة «إسرائيل» إذ خلق توازن رعب بدلاً من التوازن الاستراتيجي، فلعب دوراً بارزاً في محاربة الإرهاب على الحدود الشرقية. أما مشاركة حزب الله في سورية، فتبقى شأناً إقليمياً استراتيجياً من ضمن الحلول الإقليمية.
لم تتأثر علاقته الجيدة برئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، بخلاف بنشعي بعبدا الرابية. العلاقة شخصية، يقول روكز. الأمور ليست جارحة الى هذا الحدّ لتسبّب لي إرباكاً مع رئيس الجمهورية.
أما على مقلب معراب، فإعلان النيّات لا يعنيه رغم ترحيبه بالمصالحات كلها. العلاقة عادية مع رئيس حزب القوات سمير جعجع. لا زيارات. يؤكد روكز، برغم أنني «بعد التقاعد فتحت صفحة جديدة، فأنا لست ميليشيا لأثأر. أنا ابن المؤسسة العسكرية».
يتناغم وينسجم، مَن يحمل شعلة كسروان البرتقالية، مع طروحات وأفكار رئيس الجمهورية. يشدّد على أن الأخير سيقول كلمته الفصل بقانون الانتخاب قريباً، ومن الممكن أن يتحدّث عن حلّ. الرئيس رجل مبدئي. لن يتخلى عن المواطنة التي وعد بتكريسها. سيعمل على إقرار قانون انتخابي جديد والانتخابات ستجري في شهر أيلول المقبل وفق النسبية. ومن المفترض أن يُقرَّ القانون في الفترة الممتدة من اليوم حتى 20 حزيران.
باتت غالبية المكونات السياسية مقتنعة بضرورة إقرار قانون انتخابي على أساس النسبية، يجزم روكز. من المرجّح أن يكون القانون من وحي مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مع العمل على تقسيمات دوائر تريح الجميع. الفراغ لن يقع. أصلاً ليس هناك شيء اسمه فراغ في لبنان. الانتخابات لن تجري وفق «الستين» الذي سيمدّد للطبقة السياسية نفسها. فهناك قيادات مسؤولة. ورئيس الجمهورية متمسك بـ الـ لاءات الثلاثة ( لا للستين، لا للتمديد، لا للفراغ ) .
ينفي «مرشح كسروان إلى كلّ لبنان» إشاعات تبادل المقاعد مع الوزير جبران باسيل في البترون. رئيس التيار الوطني الحر سيفوز في الانتخابات إذا اعتمدت النسبية، وأيضاً استطلاعات الرأي أكدت أنه يحوز على المرتبة الأولى بين المرشحين في البترون التي تخوّله الفوز إذا حصلت الانتخابات وفق الأكثري».
يرفض روكز الاقتراحات والصيغ الطائفية، وفي الوقت نفسه لا يحمّل التيار البرتقالي مسؤولية هذه الاقتراحات. فمقاربات غالبية الفرقاء كانت طائفية ومفصلة على قياسهم. قد تكون رؤية «الوطني الحر» محقة لناحية الضمانات من وجهة نظر التيار، لكنني أصبو إلى قانون انتخابي يتجاوز المصالح الشخصية ويتطلع إلى الأجيال المستقبلية ويحاكي طموحات الشعب.
بحسب قراءته لمسار النقاشات، يرى روكز أنّ صيغة التأهيلي والأفكار الأخرى ليست سوى «محطات» للوصول للنسبية الكاملة بغضّ النظر عن تقسيمات الدوائر التي يحبّذ أن تكون متوسطة مع الصوت التفضيلي المحرّر.
وبانتظار أن تنجلي الصورة، سيبقى مرشح كسروان ملتزماً الصمت حيال التحالفات، بقوله إنها تنتظر القانون.
يبقى أنّ العسكري المغوار الذي يؤكد أن القانون الانتخابي سيشكل استقراراً للبلد وسيفعّل الحركة الاقتصادية الراكدة، يبدي تفاؤلاً بدور الجيش والقوى الأمنية في ضبط الأوضاع الأمنية، متحدثاً عن ثقته العميقة بقائد الجيش جوزف عون. يرفض روكز العفو العام عن المحكومين بأحداث عبرا وغيرها، بتأكيده أنّ المطالبات يجب أن تصوّب لحفظ الكرامات فأرواح الشهداء من مدنيين وعسكريين مقدّسة. ولا أحد يستطيع التطاول على الجيش ساعة ما يشاء ويطلب العفو ساعة يريد.
-البناء-