ميشال أبو نجم –
أساساً ارتبطَ هذا الرجل – الظاهرة بتعلّقٍ شديد بالكرامة الوطنية مبتعداً عن سماع نصائح القناصل
كما شكَّل في شخصِه في أواخرِ الثمانينيات عنصراً جامعاً بين رغبةٍ شعبية بالاستقلال الوطني وتجاوزِ تشوهات الحرب من جهة، ومواجهة تداعيات التحولات الدولية والإقليمية على لبنان من جهةٍ ثانية، يجمعُ ميشال عون في اللحظةِ الراهنة بين توسيع مساحة الاستقلال الوطني وتعزيز الاستقرار، ولكن هذه المرة بنجاحٍ في بلوغ الهدف بعكس تجربته الأولى التي سقطت في 13 تشرين الأول 1990.
أساساً ارتبطَ هذا الرجل – الظاهرة بتعلّقٍ شديد بالكرامة الوطنية مبتعداً عن سماع نصائح القناصل الذين يشكلون تاريخياً أعمدة الجانب السيئ من التجربة اللبنانية. بالجرأة نفسها التي واجهَ فيها السيطرة السورية كانت له جرأة الوقوف في وجه موقف الفاتيكان من الطائف، والولايات المتحدة في محطاتٍ عدة، غير مساوم على الثوابت. كان ذلك في مرحلةٍ تتطلبُ مواجهة سلبية في وجه الجميع.
لكن تعزيز الاستقلال الوطني الذي يحمله عون، يأخذ هذه المرة طابع الدينامية الإيجابية. ففي مرحلة ما بعد الانتفاضات وتفجر ساحات عربية عدة، تراجع دور لبنان كأرض تتنفس فيها احتقانات الصراعات، وانصرفتْ إليها اهتمامات سوريا والسعودية وإيران وروسيا والولايات المتحدة والغرب. في حديث سابق للسيد حسن نصرالله عن الدعوة إلى حصرِ الانقسام اللبناني حول الحرب السورية في داخلِ سوريا وعدم نقله إلى لبنان، ما يلاقي هذا الواقع الإستراتيجي الجديد. يضاف إلى ذلك محفزات استراتيجية في طليعتها مواجهة الإرهاب والغاز في شرق المتوسط، عززت من المصلحة الدولية بإيجاد مظلة استقرار للبنان.
وصحيح أن الرئيس القادم متحالف مع قوى داخلية هي اليوم في موقع أكثر قوة على الصعيد الإقليمي، لكنه أيضاً يختزن تجربة من القدرة على نسج التفاهمات وبناء جسور وطنية ومخاطبة الآخر في الوطن، برغم رفعه خطاباً حازماً إزاء الموقع المسيحي في النظام.
من هنا يشكِّل التقاطع بين تحول تركيز اهتمام القوى الإقليمية والدولية إلى الساحات المتفجرّة، وبين خلط الأوراق الداخلية وبناء العلاقات الجيدة مع خصوم الأمس، فرصة لا لتعزيز مساحة الاستقلال فحسب بل لهذا الاستقرار. هي فرصة للبنانيين أنْ يستفيدوا من هذه اللحظة لينصرفوا، برعاية الرئيس المقبل والمؤسسات الدستورية، لتثبيت أسس لحماية الميثاقية ومعالجة الدَّين العام وإدارة الاقتصاد الوطني وإعادة بناء الدولة. هذا التقاطع هو منصة لقيادة سياسة وطنية إيجابية، على عكس السياسات السابقة خاصة تحت شعار «النأي بالنفس»، تحت عناوين حفظ المصالح اللبنانية العليا من تداعيات الصراع في سوريا والمشاركة في بنائها وإدارة ملفات اقتصادية استراتيجية.
في النهاية، يكمن الأساس في قوة الرجل الشخصية في الاحتفاظ برصيد الثقة الشعبية التي أسست لنجاحه ولمساعدته في مهمته الجديدة.
كاتب سياسي
المصدر: السفير