أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


ذكرى 2 نيسان: أيّ زحلة نريد؟ (حقائق الجغرافيا – تحولات الديمغرافيا – النزوح والخصوبة – الجمعيات)

إنه السؤال المسيحي الزحلي اللبناني المشرقي المفتوح على أجوبة لم نصنعها بعد… (ميشال أبو نجم)
– مرسوم التجنيس الذي وقَّعه إبن زحلة الهراوي عام 1994 الخنجر الأكبر لزحلة وقضائها

هواجس وتحديات وتحولات، تقف أمامها مدينة زحلة اللبنانية ذات الغالبية المسيحية في الذكرى السادسة والثلاثين لحرب القوات السورية عليها آنذاك.
جوهر معنى زحلة أنَّها امتدادٌ للجبل اللبناني المسيحي في قلبِ البقاع اللبناني. في الجغرافيا والجيوبوليتيك، هي صلةُ الوصل بين الجبل المنتفح على البحر، على العالم الغربي، على امتداد الحرية والتجارة والثقافة، وبين السهل الواصل بالعمق المشرقي والعربي، هي صلةُ الوصل بين الوجدان المنشدِّ إلى الجبل، والسهل المفتوح على المصالح. وفي الإجتماع تمثّلُ صورةً عن تنوع لبنان الجامع بين طوائف ومذاهب مختلفة، مختزنةً إرثاً طويلاً في الجمع والصراع بين مظاهر التقليد وبين مؤشراتِ العصرنة، أضِف إلى ذلك أنَّها صورة عن مسيحيي لبنان الذين يحاولون إعادة استنهاض دورهم التاريخي والريادي، وسط حروب المنطقة والتوترات اللبنانية الكامنة.
وهي في حالها هذه، يراقب مجتمعها بصمت مجموعة من التحولات الجارية والهادرة كما نهرَها البردوني الشهير.

حقائق الجغرافيا
جغرافيتها هي أصل الحكاية. فنظراً لوجودها في وادٍ بين جبلين، والمواجهات التي خاضتها منذ تشكلها، انطبعَ المجتمع الزحلي بعقدةِ الحصار والإنكفاء إلى قلب المدينة، في انتظار وصول الدعم من الجبل…
ولم تشذّ حربُ زحلة التي قادها الرئيس بشير الجميل آنذاك عن هذا المنطق. فبعيداً عن نوع تطور الحرب إلى مواجهة إقليمية وإثارتها رد الفعل العالمي، فإن شرارة مواجهات زحلة ارتبط بمد الجميّل طريقاً يصل الجبل ومنطقة سيطرته إلى زحلة، فكان رد فعل العمق العربي بقيادة سورية معبراً عن مغزى المواجهة ومحاولة رسم خطوط الحمر الإستراتيجية للمصالح السورية. وكانت النتيجة لاحقاً سيطرة جغرافية للنظام السوري، أما الوجدان فبقي هو هو، في مكانٍ آخر، وفي موقعه الأصلي.

تحولات الديموغرافيا
هذا في زمن، كانت الديموغرافيا راجحةً لكفتها، فكيف في زمن اليوم، حيث تتقاطع التطورات الديموغرافية مع امتدادات الصراعات والحروب الإقليمية، التي ارتدت لباس الإنقسام السُني – الشيعي، وفي زمن يقبع إسم “زحلة” في عقل كل مخطط سياسي؟
لقد أفصحَ تصريحُ رئيس بلديتها الحالي أسعد زغيب بالمطالبة بدائرةٍ انتخابيةٍ متجانسة “ثقافياً” تضم مدينة زحلة إلى بعض القرى المسيحية المجاورة في غرب زحلة، عن جانبٍ من الهواجس المصيرية والأسئلة الكبرى التي يناقشها الزحليون في يومياتهم وفي صالوناتهم السياسية، بغض النظر عن مدى القبول أو الرفض لهذه الفكرة.

لم تكن كل التحولات خارجية، بل كان بعضها بأيدٍ زحلية مسيحية.
ففي حين كان مرسوم التجنيس الذي وقَّعه إبن زحلة الرئيس المرحوم الياس الهراوي عام 1994 الخنجر الأكبر لزحلة وقضائها، تتسارع التطورات الديموغرافية لتعطي المسلمين وزناً متضاعفاً في المشهد السياسي الزحلي، في الجانبين الشيعي، والسنيّ بدرجة أكبر، وفي مناطق يقال إنها ضُمت أصلاً إلى زحلة لاعتبارات انتخابية. كل ذلك جعل انتخابَ نواب القضاء في زحلة رهن الصوت الإنتخابي السُني المتنامي كما حصل في انتخابات 2009 حين اكتسح تجمع الرابع عشر من آذار مقاعدها السبعة، على عكس انتخابات العام 2005 عندما أتت الموجة المسيحية الهادرة آنذاك ب 6 نواب من أصل 7.

النزوح والخصوبة
الهواجس ليس في تلك التحولات فقط. فمن هضاب المدينة، وعلى رمية حجر يشاهد الزحليون تمدد تجمعات النازحين السوريين في السهل، الذين ترعى الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها عملية توطينهم وإبقائهم في لبنان لإبعاد شبح النزوح عن أوروبا والغرب. توطين ولا أقلّ من ذلك، طالما أنَّ كل ما يحتاجه إنسان مؤمن بالمساعدات المالية والطبية الوفيرة التي تجعل حتى اللبناني ينظر إليها بحسد، بالتوازي مع خطاب إعلامي تجريمي تعتمده الأمم المتحدة تجاه كل من يتجرأ على الإضاءة على الإنهيار الوشيك تحت وطأة وجود نزوح مليوني نازح، الأهم أنهم ذات معدلات خصوبة كبيرة.

الأحزاب والجمعيات: برامج أم منصة للوصول والصورة؟
وفي استجابة المجتمع الزحلي لهذه التحديات، يقع بيت القصيد.
لقد شكّلت المدينة وقضاؤها تاريخياً، مشهداً مفارقاً في تنوعه الإجتماعي والسياسي، يمتد إلى اليوم. فيه الجانب التقليدي بمظاهره المختلفة، وفيه اتجاه التقدم والعصر والحداثة. أحزاب وحركة نقابية واجتماعية، وعائلات وخدمات وشبكة مصالح، رجال دين تقدميون مبادرون، ورجال دين يغطّون السلطات على أنواعها.

وبعد عقودٍ على مقولة “زحلة مقبرة الأحزاب”، فرضتْ الأحزاب السياسية في المدينة وقضائها نفسها رقماً صعباً في المعادلة خاصة عند الشباب، في حين تحاول القوى العائلية والشخصيات المنفردة الدفاع عن مواقعها.

في عموم سؤال النخبة الزحلية عموماً، طبيعة العمل في الشأن العام ومدى ارتباطه بمصالح المجتمع.

يتكررُ منذُ فترة سؤال سواء علناً أو في الهمس عن غياب المرجعية السياسية في زحلة، وبالتحديد الكاثوليكية منها. وفي المقلب الآخر، شقَّت الأحزاب طريقاً للديناميكية والعمل والنضال الوطني، وتوسيع دائرة الفرص والترقي الإجتماعي والتغيير. لكنَّ مؤيدي الأحزاب والرأي العام يطرحون أسئلةً كبرى عما إذا كانت قد تحولت فقط إلى منصات للوصول النيابي والوزاري والتصدر في الصفوف الأمامية والتقاط الصور. إنَّ القيادات الحزبية في زحلة غيرُ معفيةٍ من مدى تمتُعها بالمبادرة أولاً، والبرنامج الهادف، وتنظيم أنشطة تتجاوز عشاوات “الحمص والتبولة” أو تلك التي تفرضها قياداتها المركزية عليها.

وسؤال الأحزاب نفسه يُطرَح على الجمعيات وما أكثَرها. ففي حين يغلب على الكثير منها الطابعُ الرعوي والإجتماعي الخيري، تتطلب زحلة منظمات تتعاطى الشأن المدني بكل أوجهه.

في نقاط القوة، تمتلك زحلة ومجتمعها الكثير. شخصيات ناجحة في مختلف الميادين في لبنان والعالم، وطاقات شبابية ونخب لامعة. كما أن الإقتصاد الزحلي لا يزال يزخر بالقدرات والمؤسسات التي تجعل المجال الإقتصادي والعملي الزحلي في توسع مستمر على الرغم من  كل الصعوبات، إضافةً إلى التمدد العمراني والسكاني.

أسئلة زحلة، أسئلة لبنان والمشرق
إن أسئلة مواطني زحلة، بمسيحييها ومسلميها، هي نفسها أسئلة مسيحيي لبنان عموماً. إنها أسئلة مسيحيي المشرق. كيف نحلّ مسألة المواطنة والديموغرافيا؟ كيف نحافظ على الأرض؟ بمنطق الحكم الذاتي، أم بالدولة العلمانية والمدنية؟ وهذه الدولة المفترضة، من سيحميها في شرق يحركه الدين؟؟

إنه السؤال المسيحي الزحلي اللبناني المشرقي المفتوح على أجوبة لم نصنعها بعد…
*ميشال نجيب أبو نجم، صحافي وباحث سياسي. رئيس تحرير موقع “اليوم الثالث”.
موقع “اليوم الثالث”
لقراءة الخبر من المصدر (إضغط هنا)