أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


الأسئلة الصعبة “طبق رئيسي” دائم على مائدة باسيل

في بعبدا قائد استثنائي لا يجوز أن نقارب مسائل مثيرة تحرق العهد ولا تطعمنا خبزاً

***

على ارتفاع يتجاوز الـ 1850 م عن سطح البحر يجلس رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في منزله الخشبي الخاص في اللقلوق، محاولاً وبهدوء سبر أغوار مسائل معقدة في شتى أنواع القضايا الحياتية والسياسية والاقتصادية والرياضية والشبابية والروحية وكيفية التواصل وفتح آفاق جديدة في كل القطاعات. وأمام زائريه من المهتمين بالقضايا العامة من أهل الصحافة و”نشطاء” الحقل العام، تفيض القريحة وتتوسع الحوارات.
تدني درجات الحرارة خارج المنزل لا تعكس ارتفاعها في الداخل، اذ أن هذا الرجل الذي عملت ماكينات ضخمة على شيطنته وتشويه صورته ومحاصرته، وعلى ذاك المرتفع الشاهق في الأفق المتمادي نحو المدى الأوسع، يرتاح “السوبر وزير”، وهو نظرياً يأخذ قسطاً من الراحة في طبيعة خلابة وبعيداً من “حر الساحل” وزحمة الملفات.
“الأطباق البترونية” المتنوعة والمتجددة على طاولة المضيف، صورة طبق الأصل عن ثقافة “التنوع في الوحدة” والتي تشكل عمادة التجربة والصيغة اللبنانية، وهنا يتنوع الضيوف وتتعدد مشاربهم الفكرية والسياسية، وهنا لا رسميات ولا بروتوكولات: عفوية، لباقة وكرم اهل الريف والصراحة في النقاشات.
ايجابيات اللقاءات الباسيلية هذه الايام يخيم عليها التحول المفاجئ في العلاقة مع آل جنبلاط، وباصرار الواثق يدافع قادة التيار عن الصفحة الجديدة والمشرقة في هذه العلاقة، التي تراوحت صعوداً وهبوطاً وصولاً الى حافة الانفجار، فهل يكون تيمور نقيض والده في العلاقة مع التيار ورئيس الجمهورية؟. وما يعني ذلك من روحية جديدة ستغيّر من علاقة الحزبين السابقة وما ستتركه من ايجابية على البلد وتفتح آفاق أخرى تنهي مفاعيل السابق.
لا يخفي المحيطين برئيس التيار تحولاته الجديدة في مقاربة عدد من القضايا، وعلى رأسها إعادة قراءة هواجس عدد من الأطراف بشرط اعتبار زمن العقود الماضية قد انتهى، وبدأت مع عهد الرئيس ميشال عون مرحلة جديدة من التأسيس لنمط جديد من التعاطي في الشأن العام، وما كان سابقاً من حجم هائل من الفساد والتبعية قد انتهى وبدأ زمن “وضع حد ادنى من المعايير والضوابط كي نحافظ على ما تبقى من وطن”. فكيف السبيل الى ذلك وقد بُنيت الحياة العامة على حجم هائل من الفساد والهدر؟. والسؤال اصبح مشروعاً عن جدوى بقاء حجم القطاع العام على هذا التضخم والتفلت دون ترشيق وتقليص.
حول الطاولة الحوار يحضر “لبنان الرسالة” المتنوع ضمن الوحدة، وأن يلعب هذا البلد الصغير دوراً أكبر من حجمه، وما حدث على الحدود مع فلسطين المحتلة أخيراً أكبر دليل “كيف لوطن صغير ان يزجر شرطي المنطقة ويضعه عند حدوده لا بل يجبره على الوقوف على “اجر ونص” لأيام وتبقى وحدته الوطنية بأبهى صورها وأجمل مشهديتها بكل أركان سلطته”.
هاجس باسيل وفريقه “الفاعل” واضح بالخوف من الأزمة السياسية البنيوية في البلد ما ينعكس على الاقتصاد حتماً، والأزمة الأكبر هو كسل وفشل “الطبقة السياسية” التي تعودت الاتكال على اي خارج كي يحل ازماتنا ولو بعلاجات سطحية تترك الألغام كي تنفجر لاحقاً وتدمر كل ما بُني أو أُنجز.
وهنا السؤال “كيف لنا أن نحفّز طبقة جديدة من أهل الخبرة وندفع بالكفاءات كي تلعب دورها الفعلي في قيادة الحياة العامة والخروج من الأزمات المتلاحقة بأفضل ما يمكن؟”. وتحضر بعض النماذج المشجعة من سياسيين شباب وأحزاب عملت في الشأن العام بروحية مختلفة عن سابقاتها، ولو كانت قادمة من عائلات تقليدية او هي على ارتباط بعلاقات مع قوى محلية وخارجية.
لا تخلو جلسة من قفشات وأخبار خارجة عن سياقها الرسمي، والمضيف “حرّيف” في تمرير الرسائل المبطنة بأساليب دمثة لكنها هادفة، ولا “يزمط” من اهدافه الا القليل. يحسم علاقاته الملتبسة مع الحلفاء قبل الخصوم، ولا يوفر أخصامه السياسيين من الأسهم الحادة، وهذه الايام طبعاً يزعجه التذبذب في سياسات قائد القوات اللبنانية سمير جعجع وعدم تنفيذه الوعود السابقة المتفق عليها بين الحزبين.
لا يستسيغ وزير الخارجية او فريق عمله الحديث عن الرئاسة المقبلة “في بعبدا قائد استثنائي لا يجوز أن نقارب مسائل مثيرة تحرق العهد ولا تطعمنا خبزاً وان كانت الطموحات مشروعة ولكن اليوم نحن بحاجة لإنقاذ البلد حتى يبقى لنا رئاسات ووزارات وكي لا يسقط هيكل الدولة على رؤوسنا جميعاً”، وتضيف الأجواء كلاماً خطيراً “فليكن معلوماً أن هذه الطبقة السياسية لم تعد تملك ترف إضاعة الفرص الممكنة للخروج من الازمة الاقتصادية – المالية المُستفحلة، والفرصة الأخيرة للانقاذ لا تتجاوز حدود الأشهر القليلة المقبلة والتفريط سيؤدي الى نتائج كارثية، المطلوب قرار سياسي كبير وشجاع بتنفيذ مجموعة من الاجراءات العلاجية الضرورية والفورية، وان تتخلى القوى السياسية طوعاً عن بعض امتيازاتها في مرافق الدولة وقطاعاتها، والّا فإنها ستخسرها مُكرهة بعد حين”.
يُلزم باسيل نفسه بممارسة الرياضة على انواعها ولكنه هذه الايام يتعمد المشاركة في عدد من مباريات كرة القدم إذ “هي فرصة للياقة البدنية والتعرف على شباب التيار عن قرب وعلى الصحافيين والناشطين” فكيف يمكن تعميم هذه التجربة بالمزج بين الشخصية السياسية العامة والكاريزماتية وبين الاستقطاب الشبابي الفعال؟

أما اشاعات العقوبات التي يُقال أن الاميركي سيفرضها على شخصيات لبنانية عديدة ومنها باسيل فتردها الأوساط الى “خبريات لبنانية أكثر منها اميركية حقيقية وكلها بتحريض من اسرائيل وآخرين وبدعم “لوجستي” من فئات لبنانية تتطوع وتتبرع بتقديم اسماء ومعلومات للأميركيين من اجل فرض العقوبات عليها”.
يبدي باسيل وفريقه ثقة مشرقة بمستقبل الحياة السياسية العامة في لبنان، وفي امكانية تطورها نحو الافضل ولكن ذلك مرهون بمدى قدرة اللبنانيين على رفع مستوى الأداء والأسلوب، ويسارع بعض المتحمسين من داخل التيار الى طرح فكرة المناظرات الاعلامية الدورية المفتوحة بدعوة نواب التيار وحلفاءه اليها كي يتعرف الرأي العام على انجازاتهم ومشاريعهم و”كي نضع أنفسنا بخدمة من انتخبنا وأعطانا ثقته ولو كان ذلك سيكلفنا بعض الاحراجات من تقصير هنا او هناك ولكنها فلتكن سابقة في الحياة السياسية اللبنانية ومقدمة لتوسيع الأفق في مقاربة الشأن العام من السياسيين والناخبين”.
بالخلاصة لا يمكن المرور على الظاهرة الباسيلية مرور الكرام، هو شكل علامة فارقة في الحياة السياسية في العقد الأخير من تاريخ لبنان، وهي تحمل معانٍ عديدة وفي اكثر من اتجاه ولا تشبه اي من سابقاتها من الشخصيات السياسية في التاريخ الحديث للبلد، وبالطبع فإن صورة “الشيطنة” التي سوقتها ماكينات ضخمة تتساقط عند حركية هذا الرجل، وهذا معيار ضخم حين تقدم وزير وشاب نشيط وحيوي بعملٍ دؤوب ما فضح كسل وعنجهية معظم هذه الطبقة السياسية وخاصةً عند من يتقن فقط فنون “خطابات الردود والتغني بالماضي القريب والبعيد ولا يقدم لجمهوره الا بعض الورود وتركيب البراغي والجلوس في القصور بانتظار تقديم الرعية ولاءات الطاعة وانتظار الاخبار السارة من القناصل وما وراء البحار، وبرامجهم الرئاسية لا تقوم الا على شيطنة الظاهرة الباسيلية”. وفي حقيقة الأمر هي اليوم ملزمة ومضطرة باللحاق بحركته مكرهةً، فهل تكون تجربته مختلفة عما سبقها؟ وهل ينجح دوماً في تحويل كل أزمة الى فرصة والخروج بنتائج أفضل؟؟؟

الأيام كفيلة بالاجابة ولكن الظاهرة “الباسيلية” جديرة بالدرس والمتابعة.

رشيد حاطوم
عامر ملاعب