حسن سلامة – لا يمكن لأي متابع لمسار الأزمة السورية، إلا أن ينظر بإيجابية لانعقاد مؤتمر “أستانة” مطلع الأسبوع بين وفد الحكومة السورية وآخر يمثل عددًا من المجموعات المسلحة برعاية روسية ـ ايرانية ـ تركية سعياً لتثبيت وقف النار كخطوة على طريق اعادة المفاوضات السياسية.
من هنا، يبدو واضحاً أن سؤالين أساسين طرحا بعد ما انتهى إليه الاجتماع المذكور، الأول حول إيجابيات ما أدى إليه، والثاني ماهي الخيارات المطروحة لما بعد هذا اللقاء؟
في معطيات مصادر سياسية زارت العاصمة السورية في اليومين الماضين ان هناك اكثر من اتجاه ايجابي لحصول الاجتماع وما أسفر عنه، وتلاحظ هذه المصادر أن من أهم هذه النتائج الإيجابية الأمور التالية:
1 ـ خلق مقاربة جديدة مضمونها ان حل الازمة السورية عنوانها مؤسسات الدولة، وتحديدا اعتراف تركيا ومعها المجموعات المسلحة بهذه المقاربة .
2 ـ ضمان وحدة وسلامة الأراضي السورية وهو الأمر الذي أقرت به الحكومة التركية.
3 ـ العمل للفصل بين ما يسمى الفصائل المسلحة “المعتدلة” وبين التنظيمات الإرهابية، وبالتالي إن انطلاق الحلّ السياسي يواكبه محاربة الارهاب.
ويؤكد زوار العاصمة السورية أن هذه الامور ما كانت لتتحقق من حيث موافقة الاتراك والمجموعات المسلحة عليها، لولا الانتصارات الميدانية التي حققها الجيش السوري وحلفائه في الشهرين الماضيين، خاصة في حلب.
انطلاقا من ذلك، فالسؤال الآخر ماهي الخيارات المطروحة لما بعد الاجتماع، وبالتالي هل يمكن ان يشكل الاتفاق الذي جرى التوصل اليه خطوة على طريق الحل السياسي من جهة، وتعزيز جبهة محاربة الإرهاب من جهة ثانية؟
في تقدير الزوار أن “هناك الكثير من التساؤلات التي لا تزال قائمة قبل الحديث عن اعتبار الاجتماع قد شكل انطلاقة للحل السياسي ودخول تركيا وآخرين جبهة محاربة الإرهاب”. ويأتي على رأس هذه التساؤلات ما يتعلق بطبيعة الموقف التركي، وما اذا كان نظام أردوغان سيسير فعلياً بما جرى الاتفاق عليه، إن من حيث إقفال الحدود أمام الجماعات الإرهابية أو من حيث الالتزام فعلياً بالفصل بين “جبهة النصرة” وأخواتها من مجموعات إرهابية وبين الفصائل التي يفترض فصلها عن الإرهابيين.
ويقول الزوار في هذا المجال أن “النظام التركي اضطر بالأساس للقبول بما خرج به اجتماع “أستانة” بين الدول الثلاث الراعية له تحت وطأة الخسائر الكبيرة التي تعرض لها منذ دخوله طرفاً الى جانب المجموعات الإرهابية”. ويضيف هؤلاء الزوار ان “أنقرة التي كانت من أكثر الدول الراعية للإرهاب لم تثبت حتى الآن رغبتها الجدّية للسير بمستلزمات الحل السياسي من جهة ومحاربة الإرهاب من جهة ثانية حتى ولو اضطرت مؤخرا لإطلاق حملة عسكرية ضد “داعش” في مدينة الباب السورية، فهذا النظام لم يسقط رهاناته على جبهة النصرة مثلا بالتوازي مع احتضانه للكثير من الفصائل المسلحة بينها “أحرار الشام”. كما أن المؤشرات تؤكد أنه لا يزال يراهن على حصول تغيير في الإدارة الاميركية الجديدة ينهي التوتر الذي حصل مع الإدارة السابقة وبالتالي فهو قد يعود الى سياساته السابقة إذا ما وجد تغييراً اميركياً لمصلحة توجهاته خاصة في الموضوع الكردي.
وثاني هذه التساؤلات يتعلق بدور المجموعات المسلحة التي شاركت في الاجتماع الأخير، فهذه التنظيمات رغم كونها لا تمثل سوى ما يقارب الـ20 بالمئة من أعداد كل التنظيمات الإرهابية المسلحة بما فيهم “داعش” و”النصرة” لم تظهر أية رغبة جدية في تحديد مناطق سيطرة التنظيمات الإرهابية، ولا حتى لمحاربة الإرهابيين على الرغم من عمليات التصفية التي تقوم بها النصرة بحق مسلحي هذه التنظيمات.
وثالث هذه التساؤلات يتعلق بموقف الإدارة الاميركية الجديدة التي “لم تظهر حتى اليوم أية رغبة جدية في المساهمة بالحل السياسي او محاربة الإرهاب بكل تلاوينه، في حين أن الموقف الذي صدر عن الرئيس الاميركي دونالد ترامب في اليومين الماضيين من حيث الاستعداد لاقامة مناطق آمنة في سوريا انما يعبّر عن مؤشر سلبي جداً لما ستكون عليه سياسة هذه الادارة من الأزمة السورية“.
من كل ذلك، يؤكد الزوار انه “بغض النظر عن المسار اللاحق للمفاوضات الا أن اجتماع “أستانة” رغم كونه خطوة إيجابية إلا أنه لا يشكل مؤشراً لحصول تغييرات جدية سواء “من حيث إطلاق الحل السياسي أو من حيث توسيع جبهة محاربة الإرهاب فالامور تبقى رهن إيفاء تركيا والمسلحين ومعهم واشنطن بمقتضيات الحل ومحاربة الارهاب”.
المصدر: االعهد