امين محمد حطيط –
قد استغلّ معسكر الدفاع عن سورية لحظة دولية مؤاتية وسارع في غضون شهر واحد الى صرف الإنجاز العسكري الميداني
الكبير في السياسة مباشرة. اذ بعد الإعلان السوري الرسمي عن اكتمال تحرير حلب في 22/12/2016 ـ سارعت روسيا – بحكم كونها مكوّنا رئيسيا من معسكر الدفاع عن سورية ومؤهلاً لتحويل الإنجاز العسكري الى مكسب سياسي ـ سارعت الى طرح مبادرة سياسية تبدأ بالمحطة الاجبارية التي لا بدّ منها وهي وقف العمليات القتالية وتثبيت الواقع الميداني لحفظ الإنجازات أولاً ومتابعة الحرب على الإرهاب ثانياً.
وفي مسيرة استثمار النصر وحفظه كان اتفاق وقف العمليات القتالية الذي تبنّته ثلاثية دولية بمبادرة روسية ودعم إيراني تركي، في محطة أولى ثم كان التأكيد على الاتفاق في قرار لمجلس الأمن في محطة ثانية – القرار 2336 – الذي وضعت روسيا مشروعه بالتنسيق مع كلّ من تركيا وإيران، وطبعاً مع الحكومة السورية، الى ان كانت المحطة الثالثة في أستانة التي دعي اليها تحت عنوان مباحثات سورية سورية برعاية الثلاثية الدولية التي عملت مع روسيا في هذا المسعى الذي انطلق بعد تحرير حلب. وكان الاجتماع الذي شكك الكثيرون في انعقاده أولاً، ثم شكك الكثيرون في خروجه بأيّ نتيجة عملية إذا انعقد واليوم يعود التشكيك في تنفيذ ما اتفق عليه في أستانة بعد انعقاده والخروج منه ببيان من الثلاثية الدولية وافقت عليه الحكومة السورية عبر وفدها الى أستانة وتحفظ عليه بعض من المعارضة السورية الي حضرت لقاء استانة لكن عاد والتزم به. والسؤال الآن ما الذي أنتجته مباحثات أستانة والى أين ستتجه الأمور بعده؟
في قراءة موضوعية لما جرى في أستانة ولما تمخض عنها يستطيع الباحث ان يسجل ملاحظات ومواقف على صعيد الحضور والغياب او التغييب ثم على صعيد القرارات والمواقف التي تمخض عنها الاجتماع.
فمن حيث الحضور والمشاركة سجل تقدّم وحضور هامّ لروسيا في مسألة الدعوة والإعداد والرعاية بوصفها قطباً دولياً محورياً قادراً على رعاية حلّ معضلة دولية بهذا الحجم، وبالتالي وفي ظلّ تراجع الدور الأميركي الذي كان تردّد في دعوتها وحضورها أولاً ثم هامشية في فعالية الدور بعد ان حضرت، وبالتالي يمكن للمعنيّين ان يتخذوا من مؤتمر أستانة محطة من محطات تبلور نظام عالمي جديد لا تستأثر أميركا في قيادته، خاصة أنّ الأمر جاء مع الأيام الأولى لتولي ترامب السلطة وتحفزه لممارسة سياسة الانكفاء الأميركي الى الداخل. ومن جهة تركيا يسجل هنا التزامها بالخروج من منطقة دعم الإرهاب والاستثمار فيه الى منطقة التعهّد بمحاربة الإرهاب ورعاية الحلّ السوري الذي لا يعتمد العنف والقوة، وفي هذا مكسب هامّ لمعسكر الدفاع عن سورية خاصة أنّ تركيا تملك وتحرك وتؤثر في 70 من الأوراق الإرهابية التي تستعمل ضدّ سورية.
أما الدور الإيراني فقد كان مرناً وثابتاً في الآن نفسه في دعم المطالب الوطنية السورية التي تتمسك بها الحكومة السورية وفرض نفسه كجهة محورية في عملية سياسية دولية مستقبلية للدفاع عن سورية والإقليم سياسياً كما دافع عسكرياً.
اما من حيث التغييب والحجب، فقد سجل تغييب الدور العربي كلياً حيث لم تدع الجامعة العربية كما دعيت الأمم المتحدة ولم تدع أيّ دولة عربية لا كبيرة ولا صغيرة، وهذا أمر لا بدّ من أن يشكل إنذاراً للعرب الذي كان بشرهم وحجرهم ميداناً ووقوداً لهذا الحريق الذي أنضج النظام العالمي الجديد، ثم يتكوّن النظام الدولي وليس للعرب موقع أو دور فيه، وهنا تكمن الخطورة فمن لا يحضر في قاعة التفاوض لا يمكن ان يحمي مصالحه. وإقليمياً نجد تركيا وإيران حاضرتين وبقوة في مشروع النظام الجديد ونجد غياباً قاتلاً للعرب. وببساطة نقول هذه هي نتيجة مباشرة للرعونة في التعامل مع الشأن العربي في الجامعة العربية من اليوم الذي تولت فيه دول الخليج قيادتها وأبعدت سورية ومصر والعراق والجزائر عن دفة توجيهها.
ونأتي الى النتائج الفعلية هنا نسجل إيجابيات هامة لمصلحة الدولة السورية على الصعيد العام وبشكل أدق على صعيد الميدان، حيث يمكن التوقف عند الإيجابيات التالية التي جعلت من النتائج المنصوص عليها في البيان الختامي جعلت منه محاكاة لما أرادته الحكومة السورية. ويمكن ذكر ما يلي:
1 ـ تأكيد والتزام بوقف الأعمال القتالية على الأرض السورية بين جميع من يقبل نبذ العنف والاتجاه الى العمل السياسي والانخراط في الحلّ السياسي للأزمة وفي هذا مكسب للحكومة السورية طالما عملت من أجله وطالبت باعتماده حتى توفر إراقة دماء السوريين وتحفظ أموالهم.
2 ـ التأكيد على الفصل بين مسلح ارتضى الحلّ السياسي وإرهابي مستمرّ في إجرامه وإطلاق عملية مكافحة الإرهاب من قبل جميع من يرتضي العمل للحلّ السياسي في الداخل ومن قبل جميع الدول الملتزمة ببيان أستانة. وهنا تجد الحكومة السورية نفسها قد نجحت أخيراً في حشد الطاقات لمكافحة الإرهاب المستشري على أرضها والمدعوم من دول إقليمية ودولية. ويكون بيان أستانة قد أقام جسر عبور يستعمله داعمو الإرهاب للانتقال الى منطقة محاربة الإرهاب وفي طليعتهم تركيا التي سيكون عليها ان أوفت بتعهّداتها وصدقت في تنفيذ ما التزمت به، يكون عليها ان تغلق حدودها بوجه الجماعات الإرهابية وتقطع طرق إمدادهم وتنخرط في معسكر الحرب الجدية على الإرهاب.
3 ـ إنشاء فريق عمل دولي ثلاثي مشترك يجسّد آلية ميدانية لمراقبة وقف إطلاق النار ومعالجة الخروقات، وهذا الأمر يشكل علامة فارقة في البيان تجعله يختلف كلياً عن قرارات ومواقف سابقة ذات صلة بالموضوع. ونذكر هنا انّ الجماعات المسلحة كانت دائماً تتخذ من الهدنة فرصة لإعادة التسليح والتنظيم وتستمرّ في خرقها دون ان تخشى رداً. أما الآن ومع إنشاء هذه الآلية ومشاركة روسيا وإيران فيها فالأمر سيكون مختلفاً.
4 ـ رغم التأكيد المتكرّر على قرارات مجلس الأمن والتفاهمات السابقة، فإنّ أستانة أرسى مفهوماً جديداً لإطلاق العملية السياسة في سورية، سواء من حيث الجهات الراعية دخلت إيران وبقوة وتراجع الدور الأميركي او من حيث المفاهيم والأهداف، ومن يدقق في البيان الثلاثي يجد معظم مفرداته ومصطلحاته تحاكي الموقف الثابتة للحكومة السورية، وهذا ما كنا نعنيه دائماً بوجوب تصحيح مفاهيم العملية السياسية؟
هذه النتائج التي تصبّ كلها تقريباً في صالح الحكومة السورية جعلت رئيس وفدها يقول بنجاح المؤتمر، وجعلت الفريق الآخر يتحفّظ ثم يضطر الى الالتزام لأنه ليس لديه البديل، ولكن وبعد هذا الحصاد الإيجابي يطرح سؤال آخر عن ردود الفعل والتداعيات بعد المؤتمر وهنا يمكن توقع حدوث:
أ ـ شرخ بين الجماعات المسلحة واقتتال بينها يقود الى تصفية البعض ورسم حدود فصل بين قوى البعض الآخر لأن من شروط الاتفاق عملية الفصل بين الإرهابيين ومن ترك الإرهاب الى السياسة؟
ب ـ طي ملفات وأهداف العدوان على سورية بدءاً من السيطرة عليها الى مشروع التقسيم الى مشاريع الدولة الواهنة الفاشلة وتأهيل الأرضية لإطلاق العمل في جنيف لحلّ سياسي يحفظ سورية في وحدتها وسيادتها وموقعها الاستراتيجي.
ج ـ استفادة سورية من مهلة عام كامل تنحسر فيها المواجهات العسكرية وتركز المعارك ضدّ داعش والنصرة من قبل مزيد من القوى، وهذا سيكون في صالح المواطن السوري خاصة لجهة تحسين بعض ظروف عيشه.
د ـ اضطرار الخاسرين من القوى والدول من معسكر العدوان على سورية الى مراجعة مواقفهم من الأزمة السورية التي ثبت فيها انّ سورية تستعصي على الانكسار.
هـ ـ سقوط كلّ الإشاعات والتلفيقات حول مقايضة هنا او فرض هناك لعزل سورية عن حلفائها في الميدان وفي السياسة، حيث أثبت محور المقاومة انه مستمرّ في المواجهة حتى يرسو المركب السوري نهائياً على شاطئ الأمان.
المصدر: البناء