الشمخاني: طهران تساعد في عدم سقوط النظام السعودي (د. نسيب حطيط)
حمل الأسبوع الماضي رسائل إيرانية بالجملة باتجاه السعودية، حيث توزّعت الرسائل من مسؤولين أمنيين وسياسيين؛ من الرئيس روحاني إلى وزير الخارجية إلى رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، وكلها رسائل إيجابية باتجاه السعودية، مع تذكير مبطَّن يختبئ بين الكلمات بأن هذا الحوار من منطلق القوة وسعياً للوحدة الإسلامية، وليس من منطلق الضعف والهزيمة أو استدعاء للفتنة المذهبية، وقد ظهر ذلك في كلام علي شمخاني عندما أعلن أن “إيران تساعد في منع سقوط النظام السعودي”، ما يعني أنها قادرة على إسقاطه، أو تمتلك بعض وسائل المساهِمة في إسقاطه، وكذلك عندما قال إن “إسقاط النظام السعودي سيجعل الإرهاب المتطرف يفلت من عقاله”، وكأنه يحمّل السعودية مسؤولية قيادة هذا الإرهاب.
الرسائل الإيرانية كانت رداً على مبادرة سعودية بعنوان عام دون التأكُّد من تفاصيلها أو خواتيمها الإيجابية؛ تتعلق برغبة سعودية لعودة الحجاج الإيرانيين هذا العام، بعد مقاطعة إيران للحج على أثر مجزرة مكة المكرّمة، والتي ذهب ضحيتها مئات الحجاج الإيرانيين وغيرهم، وتسهيلاً للوساطة الكويتية بين السعودية وإيران، خصوصاً أن مجلس التعاون الخليجي لا يعادي إيران بالمعطى الحقيقي، حيث إن سلطنة عمان والكويت وقطر يقيمون علاقات طيبة مع إيران، والإمارات تحكمها المصالح التجارية المشتركة مع إيران، وتتفق معها على حالة “المساكنة” السياسية والإعلامية، ولا يبقى من مجلس التعاون الخليجي سوى السعودية وابنتها بالتبني البحرين…
الشمخاني
إن إسناد رئاسة وفد المعارضة السورية في الأستانة لمحمد علوش؛ ممثل “جيش الإسلام” التابع للسعودية، يمثل رسالة إيجابية من روسيا وإيران، حيث بدا تقاسم المعارضة السورية المشاركة في المفاوضات بين تركيا السعودية، فالرعاية أُعطيت لتركيا، والمفاوضات المباشرة أُعطيت للسعودية، لتأسيس شراكة سعودية – تركية في سورية، تُستبعد منها قطر، التي تحاول تثبيت حضورها عبر دعم “الإخوان المسلمين” في سورية، بالإضافة إلى بعض المنظمات التكفيرية المتطرّفة.
الحوار الإيراني – السعودي حاجة مُلحّة لكلا الطرفين في مرحلة التسويات السياسية في المنطقة، والنزاع بينهما سيكون لصالح تركيا إقليمياً، ولصالح أميركا وروسيا دولياً، وهذا ما يدفعهما للتنازلات المتبادَلة، لحفظ مصالحهما ومصالح حلفائهما في المنطقة، يضاف إلى ذلك أن إيران والسعودية تتحملان وزر الكلفة المالية للحروب في المنطقة؛ بدعم الحلفاء، وقد أصيبتا بخسائر مادية فادحة بدأت تظهر في الساحات الداخلية لهما، ويتأثر بها الشعبان السعودي والإيراني، مما يُرهق الأنظمة الحاكمة في البلدين.
الحوار السعودي – الإيراني يطفئ أو يخفف من الفتنة المذهبية الكبرى بين السُّنة والشيعة، ويحاصر تمددها وعولمتها، وينقذ الإسلام من حالة التفجير الداخلي والتشوّه الفكري والفقهي الذي يُظهره في الخارج على أنه دين الإرهاب والعنف والتوحش الذي صنعته الجماعات التكفيرية، خصوصاً “داعش”، التي لم تمارس “القاعدة” هذا المستوى من التوحّش الهمجي.
إن العمل السياسي والفكري لإيران والسعودية ومن يتحالف معهما من المنظمات والأحزاب يجب أن يوقف الشعارات والخطابات السياسية والعقائدية المتشنجة، لنصرة الإسلام ونشره وحمايته، فإذا كانت تجربة الدعوة للإسلام وحمايته وفق منهجية “القاعدة” و”داعش” وأخواتهما، والتي أرهقت الإسلام والمسلمين وأوطانهم، خصوصاً بعد فشل التجربة منذ حرب أفغانستان ثم العراق ثم ما سمي “الربيع العربي”، فإن من الواجب على كل الأطراف التي توصف نفسها بالإسلامية، مع كل الألقاب المتنوعة، البدء بإعادة قراءة نقدية لتصحيح المسار، لحفظ ما تبقّى من الإسلام وأهله، خصوصاً أن الأعداء كثيرون، والاختراق الفكري المشوَّه للإسلام ينمو ويكبر، حتى يكاد يصبح بديلاً للإسلام القرآني الأصيل الذي بشّر به رسول الله خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
إن الحوار الإسلامي – الإسلامي يوفّر على المسلمين والآخرين سيولاً من الدماء، والكثير من الخراب، ويمكن أن يرمّم الجراح ويبني ما تهدّم، وندعو الله سبحانه أن يوفّق من يسعى للحوار، لحقن الدماء.
المصدر: الثبات