د. ليلى نقولا –
تتسارع الاستعدادات لتنظيم الدعوات وإعلان النيّات حول مؤتمر آستانة المنوي عقده في كازاخستان، برعاية روسية – إيرانية – تركية، ويتّجه كل طرف إلى تحديد أولوياته من ذلك الاجتماع، وإلى وضع تصوّراته حول الهدف المرتقَب من ذلك الاجتماع.
وفي وقت أعلنت جميع الأطراف تقريباً أن الاجتماع سيثبّت الهدنة في كل أطراف سورية، تباينت المواقف حول العديد من الأمور، منها قدرة المؤتمر على إنضاج الحل السياسي، وحضور الأطراف المعنية، ففي وقت أعربت كل من روسيا وتركيا عن أملها في أن تقوم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإرسال خبراء إلى المؤتمر، ورحّبت بدعوة واشنطن إليه، أعلنت إيران على لسان وزير خارجيتها رفضها مشاركة الولايات المتحدة الأميركية الانضمام إلى هذا المؤتمر.
ويوماً بعد يوم، تبدو الاتجاهات الإقليمية حول مؤتمر الآستانة أوضح من ذي قبل، على الشكل الآتي:
1- تركيا: تحاول تركيا الاستفادة من المؤتمر على خطوط عدّة، أولاً كسب الوقت لتحسين أوراق التفاوض، وإعادة تسليح المجموعات المسلحة، تمهيداً لمعركة مقبلة في الشمال السوري، ستكون – لو حصلت – المعركة الأخيرة التي ستحدد مصير سورية، ومصير الشرق الأوسط برمّته، ولا نبالغ إذا قلنا إن نتائجها ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل أردوغان السياسي، وقدرة تركيا على تخطي الصعوبات والتحديات التي تعانيها في الداخل. لذا، يمكن القول إن الهدنة المزمع تثبيتها تحتاجها تركيا لإعادة هيكلة ودعم المجموعات المسلحة، إما أن تستخدمها في فرض شروط على الحل السياسي، أو القتال من جديد.
2- إيران: استطاع الإيرانيون فرض أنفسهم طرفاً أساسياً في الرعاية للحل، بعدما حاول الروس والأتراك استثناءهم، وها هم اليوم يحاولون تثبيت ما تمّ تحقيقه من انتصارات ميدانية، لذا يريد الإيرانيون من تثبيت الهدنة المرتقب أن يخفف الأعباء الحربية عنهم وعن حليفهم حزب الله. في المقابل، يقوم الإيرانيون بدعم صمود الدولة السورية مادياً واقتصادياً، ويساهمون في إعادة الإعمار، ولعل الطرف الإيراني كان الأسبق للتحضير لمرحلة ما بعد الحرب، إذ قام خلال الأيام الماضية بتوقيع اتفاقيات اقتصادية هامة، منها تشغيل الخلوي السوري، وميناء نفطي إيراني على الساحل السوري، وغيرها.
3- “إسرائيل”: تبدو الأكثر تبرُّماً من المؤتمر، لذا تحاول الدفع إلى التصعيد في سورية عبر طيرانها، وعبر المجموعات المسلّحة، لتجرّ السوريين إلى رد تُسقط معه الهدنة ويسقط المؤتمر.
4- السعودية، تجد نفسها غير قادرة على تعطيل المؤتمر، ولو كانت راغبة بذلك، كما انزعجت بعدما أصبحت خارج رعاية الحل كما كانت خلال السنوات الماضية، بعدما احتكرت المعارضة التابعة للسعودية تمثيل المعارضة السورية. وبالرغم من أن الأتراك سمحوا لمحمد علوش (الموالي للسعودية) بترؤس الوفد المعارض إلى آستانة، للتخلُّص من الضغوط السعودية الميدانية في الداخل السوري بإسقاط الهدنة، إلا أن السعوديين يريدون على الأقل الحدّ من خسائر المؤتمر، وذلك من خلال حصر أجندته بتثبيت الهدنة وتأجيل البحث بالحل السياسي لمرحلة مقبلة قد يكونون فيها أفضل حالاً على الصعيد الميداني.
5- الولايات المتحدة: في هذه الفترة الانتقالية الموسومة بالتحدي بين إدارتين متعاقبتين، وهو أمر لافت في السياسة الأميركية التي لطالما عُرفت بانتظام المؤسسات واحترام تداول السلطة السلس، يبدو أن الأميركيين غير قادرين أو راغبين بتعطيل مؤتمر آستانة، لعلمهم الأكيد أن الحل لن يكون سوى بإرادتهم في نهاية المطاف، وأنهم قادرون – من خلال الأوراق التي يمتلكونها – على فرضه أو تعطيله حين يشاؤون.
6- روسيا: يبدو الروس المنتصر الأكبر في كل هذه “المعمعة” الإقليمية الشرق أوسطية، فلقد استطاعوا دعم الجيش السوري لتحرير حلب، وأثبتوا بما لا يقبل الشكّ أنهم لاعب أساسي لا يمكن تخطّيه في الشرق الأوسط، وأفشلوا خطة أوباما باستنزافهم في المستنقع السوري، وها هم اليوم يرعون حلاً سورياً، سيبذلون الكثير من أجل تحقيقه، خصوصاً في ظل وجود إدارة صديقة في البيت الأبيض.
إذًا، سيكون اجتماع آستانة محطة من محطات النزاع في سورية، لا يعوَّل عليها لحلّ الأزمة بشكل كلي، لكنها قد تكون مقدمة لتخفيف حدّة النزاع العسكري المتفلت من كل ضوابط، فإن استطاع تثبيت الهدنة كما يعبّر أطرافه، فهو يكون قد ساهم في تخفيف معاناة السوريين، أما التفاؤل بأنه سيكون مقدمة لحل سوري نهائي، فهو تفاؤل مفرط لم يحن أوانه بعد.
المصدر: الثبات