تسليم رؤية “الجمهورية الخامسة” إلى الكاردينال بارولين رئيس الدبلوماسية الفاتيكانية
ينقسم العالم إلى نوعين من الأصدقاء: أصدقاء المصلحة، والأصدقاء المتجردين المريدين الخير غير المشروط للصديق. وحكما ليست الدول العظمى المتاجرة بالأسلحة واللاهثة خلف المواد الأولية للطاقة والصناعة المتطورة وأسواق إنتاجها الحربي والطبي (شفى أم لم يشفِ)، هي من يعوَّل عليه بالصداقة الثانية. لذلك كان هناك دولتان يُلجأ إليهما للتوسط الآمن في حلّ المعضلات: سويسرا (مدنيا) والفاتيكان (مدنيا وروحيا).
من هذا المنطلق، وبفضل الجماعة الأنطونية في روما واحتفال النذور الذي تكرّم نيافته بترأُسه، سلمه الأب روحانا رؤيته المعنونة “الجمهورية الخامسة، الحلّ للمعضلة اللبنانية”، تلك المعضلة المستمرّة منذ العصر العثماني ألا وهي الطائفية السياسية الضيّقة، الخصبة لافتعال التقاتل كي يسود المستعمر (وقد يكون الجهل) وذلك تحت شعار “فرق تسد”.
وضع الأب روحانا رؤيته هذه منذ العام 1984 ونشرها عام 1987 تحت عنوان “الجمهورية الثانية”. نواتها الأساسية:
- المساواة في حكم البلاد بين الطوائف الست الكبرى (ريثما يكون الشعب قد توصل للتخلي الكلي عن ضمانات الطائفة بوجه تقاعس الدولة واهمالها لمواطنيها)، بشكل يكون لكل مولود لبناني من هذه الأكثرية الساحقة الحق بتبوّء أي رئاسة من الرئاسات الست الأساسية في البلاد: (الجمهورية، البرلمان، مجلس الشيوخ، مجلس الوزراء، المجلس الاقتصادي الاجتماعي، قيادة الجيش أو حاكمية مصرف لبنان (الأفضلية للأخيرة) شرط ألّا يتولّى شخصان من المكوّن نفسه مركزين رئاسيين في الدورة ذاتها. يتمّ ذلك على أساس صلاحيات متوازنة تثبت استقلالية الحكم في لبنان وسيادته وكرامته الدولية. تكفل هذه الصلاحيات مواد دستورية واضحة ومحددة زمنيّا، وقوانين تطبيقية يسهر المجلس الدستوري مستقلا على دستوريتها، ورئيس الجمهورية على تطبيقها.
- قانون انتخاب نسبي مع دوائر واسعة (آنذاك، في طبعة 1987، كانت المحافظات الخمس الجغرافية وقد اعتمدها اتفاق الطائف، أما اليوم فنقول بدائرة واحدة مع الانتشار، أساس “مكوناتها” أفقية افتراضية Layers)) بحكم أنه بات من المستحيل وضع أي حدود عمودية بين اللبنانيين. ويتمّ الاقتراع في ضوء هذا القانون بواسطة الأنترنت، وقد بات هذا الأمر جد ممكن، إذ إن أهم “ميغاسنتر” مطالب به يكفيه “قرص ممغنط” بمساحة اليد، وبرنامج مقفل ومحميّ من خلال شركات عالمية متخصصة.
- قانون أحزاب يعيد هيكلة الأحزاب بما أنها، وبالمفهوم الدولي، حاوية الرأسمال البشري ومثقِّفته وموجِّهته. لا أكثر من ثلاثة أحزاب تنضوي تحتها طوائف الشعب دون تمييز، أنما فقط استنادا إلى خط الحزب السياسي الاقتصادي وبرامجه الواضحة في خدمة الصالح العام. يتم الاقتراع على أساس برامج لأحزاب وليس انطلاقا من العلاقة العاطفية والطائفية بالأشخاص. والملفت اليوم هو أن الأحزاب تتوافق وتتحالف بالانتخابات خارج أي حساسية طائفية وسياسية، حتى بين المتناقضين عقائديا. وقد يشكل تنظيما 8 آذار و14 آذار نواة أول حزبين، ثم يفرز المجتمع الحزب الثالث المناسب (17 تشرين مثلا). وسيحتاج كل حزب أن بتمتّع بتعدّد مذاهب أعضائه لأنه سيكون هو المؤتمن على ترشيح أشخاص من بينهم للرئاسات الست ويحصد منها قدر تمثيله في مجلسَي الشعب والشيوخ.
ملاحظة: ما ورد هو مختصر مفيد ولا بد من قراءة الكتاب بكامله لتكوين الفكرة الكاملة عن تركيبة الدولة المرجوة لجهة الاقتصاد والنظام المصرفي والقضاء. سوف يلاحظ نيافة الكاردينال كيف أن الرؤية تشمل سلّة متكاملة من الحلول الانقاذية لعصرنة الجمهورية خدمة الإنسان.
وعلى الرغم من تقاطع دستور جمهورية الطائف آنذاك مع أسس “الجمهورية الثانية” بثمانين بالمئة من المواد إلا أن العشرين بالمئة التي تمّ استبعادها واستبدالها ببنود، وبقطب مخفيّة، كانت كافية لجعل “رأس الدولة” الواجب وجوده في داخلها، خارجها، منعا لأن يحكم لبنان ذاته. ولكن حتى ذاك “الرأس الخارجي” وقع الاختلاف الدولي عليه فبرزت حينها قاعدة التوافق الشهيرة (سين، سين) إلى أن رحل رأس “السين” الأولى، ثم رحل مهندس “السين” الثانية فبقي لبنان يترنح بين ثلاثة رؤوس تتخبط بحكم انتماءاتها الخارجية، والباطنية، عاجزة عن مسك زمام البلاد، مع ديمقراطية جلّ ما في توافقيتها هو إما الاتفاق على محاصصة مقومات البلاد كاملة وإما التعطيل، وذلك على حساب الاستدانة وتراكم الفوائد على كاهل الشعب.
ولكي نفي الأمر حقه لا بد من ذكر القاعدة الأساس في اتفاق الطائف والتي سمحت باستمرار ما هو غير قادر أساسا على الاستمرار. إنه “هاجس السلم الأهلي” الذي استُعمل كهراوة فوق رأس كل تحرُّك شعبي مطالب بالحقوق أو برفع غبن الفساد والفاسدين. وعلى هذا الأساس شاهدنا اتفاقات وتحالفات عدة بين من كانوا أعداء يوم ما، على كرامة الشعب ومستقبل أجياله. ولحماية هذا الهاجس وصل الأمر إلى وضع ميثاق خاص للإعلام “ميثاق الشرف العالمي لتعزيز السلم الأهلي في لبنان”،[1] كفله برنامج التنمية الأممي (UNDP) وموَّل إصداره الاتحاد الأوروبي، وبدا واضحا فيما بعد، مع انطلاق الصحافة الاستقصائية، أن المقصود به كان كمّ أفواه الإعلام غير الخاضع للمنظومة والمطالب بالحقوق والفاضح لعمليات الفساد الهائلة التي تمّ عرض مشاهدها على وسائل إعلامية تعرضت إثرها إلى أخطر العقوبات. وباسم هذا “السلم الأهلي” كتَمَ اللبنانيون أفواههم حتى انفجروا في 17 تشرين الأول 2019 إثر أسوأ إهانة لعقولهم وهي ضريبة إضافية على “الواتسآب”. ألا يُوجب ما وصل إليه كيانُ وطننا اليوم المطالبةَ بتعديل الدستور كي نوجد للوطن رأسا يحكم جسمه المتكامل بما يليق بوطن ذي سيادة؟
المطلوب ليس بكثير، ولن أتطرق إلى الموضوع دينيا وأخلاقيا كي لا أتهم بالوعظ. المطلوب تعديل الدستور والعمل على تطبيقه كاملا وبالتزامن وضمن مهل محدّدة. ولكل تعديل دستوري وسائله المضمونة دوليا. وها تونس اليوم تسعى لتعديل دستورها من أجل تونس أكثر حداثة. نطالب مجلس النواب الجديد، حامل بذور الانتفاضة “التاريخية”، بإنشاء لجنة أخصائيين مستقلة، ذات سيادة، تستعين بمن تراه مناسبا، لاستكمال الدستور الحالي وتنقيه ثغراته. وعند إتمام المشروع يعرض على الشعب للاستفتاء، وليقرر الشعب اللبناني لأول مرة دستوره وطريقة حكمه. ونقترح على رأس هذه اللجنة الوزير السابق الأستاذ زياد بارود حامل إرث لجنة المغفور له الأستاذ فؤاد بطرس.
رؤيتنا مستندة إلى المراجع العلمية ونقاطها متعارف عليها دوليا ولا ندّعي فرضها. نضعها وذواتنا، كما كتبنا لنيافة الكاردينال، على طاولة اللجنة المرجوّة للبحث والتدقيق لإنقاذ الوطن وجمهوريته وكيانه دون تمنين ودون تنمير. ولكن لا شك أن هذه الرؤيا صادمة وتتحدى فكريا ووجدانيا وإراديا: أنريد استعادة الكرامة المسلوبة وبناء وطن الإنسان وإثبات أننا أهلٌ لحكم ذاتنا؟ بعدها كل ما تبقى يهون: مشاكل المال والاقتصاد والثروات الطبيعية والسياسة الخارجية والحرب والسلم والسياحة إلخ. الأهم هو ثقة المواطنين ببيتهم المشترك القائم على الحق والمساواة والعدالة وعلى رأسها كلها مخافة الله. فهلموا أيها الحكماء، لبنان يناديكم للتضامن والتكاتف لإنقاذ كرامة إنساننا والوطن.
[1] file:///C:/Users/bouna/Downloads/Final%20Journalist%20Pact%20for%20Strengthening%
20Civil%20Peace%20(1).pdf
الأب ميخائيل روحانا واضع رؤية “الجمهورية الخامسة”
Handing over the Vision of the “Fifth Republic” to Cardinal Parolin, head of Vatican diplomacy.
The world is divided into two kinds of friends: friends of interest, and impartial friends who want the unconditional goodness of their friend. Certainly, it is not the great powers that trade in arms and are running behind raw materials for energy, advanced industry, and the markets for their military and medical production (heal or not, no matter), who can be relied upon for the second kind of friendship. Therefore, there were two countries that were resorted to for safe mediation in resolving political dilemmas: Switzerland (civil) and the Vatican (civil and spiritual).
From this point of view, and thanks to the Antonine community in Rome and the celebration of vows that His Eminence honored with his presidency, Father Rouhana handed to Cardinal Parolin his vision entitled “The Fifth Republic, The Solution to the Lebanese Dilemma,” that dilemma that has persisted since the Ottoman era, namely, the narrow political sectarianism, fertile to fabricate conflicts and fratricides in order for the colonizer (who even be the ignorance) to prevail under the Machiavellian ideal “divide to rule”.
Father Rouhana developed this vision since 1984 and published it in 1987 under the title “The Second Republic”. Its basic kernels are:
(Until the people reached a total abandonment of sects’ power as guarantor of their human rights and citizens’ vs the state’s inaction, discriminative action or even total neglect of its citizens),
1 – Equality in ruling the country between the six major sects in a way that every Lebanese-born from this overwhelming majority has the right to assume any of the six basic presidencies in the country: (The Republic presidency, Parliament’s, Senate’s, Council of Ministers, Economic and Social Council’s, the Army Command or the Governorship of the Central Banque (preference is given to the latter), provided that no two persons from the same sect occupy two presidential positions in the same mandate. These presidential powers are guaranteed by clear and time-limited constitutional articles, and implemented laws whose constitutionality is independently monitored by the Constitutional Council and the President of the Republic to implement them.
2 – A Proportional Representation election law (PR) with wide constituencies (at the time, in the 1987 edition, the five geographical governorates were adopted by the Taif Agreement, but today we say, with one constituency all over the Globe with its “components” spread horizontally as virtual layers because it has become impossible to set any vertical separation among the Lebanese. In the light of this law, voting will be done via the Internet, and this has become very possible, as the most important “megacenter” requires not more than a “disk” of the size of a hand, and a closed and protected software through specialized international companies.
3- A law of parties that restructures parties since they are, in the international sense, the container, educator and guide of human capital. There are no more than three parties under which the people’s sects fall without discrimination, but only on the basis of the party’s political and economic line and its clear programs in the service of the public interest. Voting takes place on the basis of party programs and not on the basis of the emotional and sectarian relationship with individuals. What is interesting today is that the parties agree and ally themselves in the elections without any sectarian and political sensitivities, even among the ideologically contradictory. The organization of March 8 and March 14 may form the nucleus of the first two parties, and then the society creates the appropriate third party (October 17, for example). Each party will need to enjoy the plurality of its members’ denominations, because it will be entrusted with nominating people from among them for the six presidencies and will reap from them the amount of his representation in the People’s Assembly and the Senate.