أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


تبليغ السيد بمرض لعازر.. (تفسير معمّق 1/2)


🙏 تمجيد الله لا يضيف شيئًا إلى كرامته إنما لنفعنا.. 🙏
📌 هو النهار واختار 12 تلميذ ليقول: أنا هو النهار وأنتم الساعات، فهل تعطي الساعات نصيحة للنهار؟
📌 جميع الأموات أشبه بالنيام بعضهم يتمتع بأحلام سعيدة وآخرون مرعبة.
📌 السماء أفضل من الأرض بكثير، فكيف نندب الذين رحلوا..


تفسير مُعمَّق من الآباء والقديسين♱ ﴿ إِنْجِيل الۤقِدِّيس يوحنا الۤبَشِير ﴾ ١١: (١-١٦)

١ وَكَانَ إِنْسانٌ مَريِضًا وَهُوَ لَعَازَرُ مِنْ بيتَ عَنيَا، مِنْ قَرْيَةِ مَرْيَمَ وَمَرْتا أُخْتِها.
٢ وَكانَتْ مَرْيَمُ هِيَ تِلْكَ التي دَهَنَتِ الرَّبَّ بِالطِّيبِ، وَمَسَحَتْ قَدَمَيْهِ بِشَعْرِها، وَكانَ لَعازَرُ المَريضُ أَخاها.
٣ فَأَرْسَلَتْ أُخْتاهُ إِلَيْهِ تَقولانِ: يا رَبُّ هَا إِنَّ الّذي تُحِبُّهُ مَريضٌ.
٤ فَلَمّا سَمِعَ يسوع قالَ: “لَيْسَ هَذا المَرَضُ لِلمَوْتِ بَلْ لأجْلِ مَجْدِ اللهِ، لِكَي يُمَجِّدُ ابْنُ اللهِ بِهِ”.
٥ وَكانَ يَسوع يُحِبُّ مَرْتا وَأُخْتَها مَرْيَمَ وَلِعازَرَ.
٦ فَلَمّا سَمِعَ أَنَّهُ مَريضٌ لَبِثَ في المَوْضِعِ الّذي كانَ فيهِ يَوْمَيْنِ.
٧ وَبَعْدَ ذَلِكَ قالَ ِلتَلاميذِهِ: “لِنَذْهَبْ إلى اليَهودِيَّةِ أيضاً”.
٨ فقالَ لَهُ التَّلاميذُ: يا مُعَلِّمُ، الآنَ كانَ اليَهودُ يَطْلُبونَ رَجْمَكَ، وَأنتَ تَمْضي أَيْضًا إِلَى هُناكَ.
٩ أَجابَ يَسوع: “أَلَيْسَ النَّهارُ إثْنَتيْ عَشَرَةَ ساعَةً، فَإِنْ مَشَى أَحَدٌ في النَّهار لَمْ يَعْثُرْ، لِأَنَّهُ يُبْصِرُ نورَ هَذا العالمِ.
١٠ وَإنْ مَشَى فِي اللّيلِ عَثَرَ لِأَنَّ النُّورَ لَيْسَ فِيهِ”.
١١ قَالَ هَذا ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: “إنَّ لَعازَرَ حَبيبَنا قَدْ رَقَدَ، لَكِنِّي أَنْطَلِقُ لِأُوقِظَهُ”.
١٢ قَالَ لَهُ تَلاميذُهُ: يا رَبُّ، إنْ كانَ راقِداً فَإِنَّهُ سيَقوم
١٣ وَإنَّما قالَ يَسوع عَنْ مَوْتِهِ، فَظَنّوا أَنَّهُ يَقولُ عَنْ رُقادِ النَّومِ.
١٤ حينَئِذٍ قَالَ لَهُمْ يَسوع صَريحاً: “لَعازَرُ قَدْ ماتَ،
١٥ وَأَنا مِنْ أَجْلِكُمْ أَفْرَحُ، أَنِّي لَمْ أكُنْ هُناكَ لِتُؤْمِنوا. لِنَذْهَبْ إِلَيْهِ.
١٦ فَقالَ توما الّذي يُسَمَّى التَّوأَمَ لِلتَّلاميذِ أصحابِهِ: لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضاً لِنَموتَ مَعَه

“وكان إنسان مريضًا،
وهو لعازر من بيت عنيا،
من قرية مريم ومرثا أختها”. (1)

لعازر: الاسم العبري غالبًا “اليعازر”، معناه يعينه يهوه.
بيت عنيا: اسم أرامي معناه “بيت البؤس أو العناء”، وهي قرية في الجنوب الشرقي من جبل الزيتون على بعد ميلين تقريبًا من أورشليم، وتدعى اليوم العازرية، نسبة إلى إقامة لعازر من الموت. نقرأ عن مريم ومرثا في لوقا ١٠: ٣٨ الخ أنهما تعيشان في الجليل. فإن كان الأمر هكذا، فغالبًا ما قامتا بتغيير إقامتهما في ذلك الحين في الجليل. واضح أن ربة البيت هي مرثا، الأخت الكبرى، وهي التي استضافت أختها الصغرى. ذكر القديس يوحنا مريم أولاً مع أنها الأصغر، ربما لأن مريم كانت أكثر شهرة في الكنيسة الأولى، وهي التي سكبت الطيب على قدمي السيد المسيح (١٢: ٣)، كما اختارت النصيب الصالح الذي لا يُنزع منها (لو ١٠: ٤٢).
مريم: اسم عبرى معناه “عصيان”. ومرثا: مؤنث كلمة آرامية معناها “ربة”.

“وكانت مريم التي كان لعازر أخوها مريضًا،
هي التي دهنت الرب بطيبٍ،
ومسحت رجليه بشعرها”. (2)

مريم هذه ليست التي كانت زانية المذكورة في بشارة لوقا (لو 7: 37-50)، لأن هذه مريم أخرى، لأن تلك المرأة المذكورة في بشارة لوقا مملوءة أعمالاً رديئة كثيرة، أما هذه فكانت شريفة ثابتة في الفضيلة، اجتهدت في ضيافة السيد المسيح.
القديس يوحنا الذهبي الفم

“فأرسلت الاختان إليه قائلتين:
يا سيد هوذا الذي تحبه مريض”. (3)

ليست من صلاة أبسط من هذه الصلاة القصيرة المملوءة تواضعًا مع ثقة وتسليم للأمر بين يديه. اكتفتا بعرض الحالة دون تقديم أي طلبٍ أو مجيء السيد إليهما لعلاج الموقف ومساندتهما. كان العرض في بساطة هو أن الذي يحبه مريض، فلن يتخلى عنه أو عنهما. وربما لم تطلب الأختان مجيئه إليهما، لأنهما تعلمان ما ورد قبلاً (في الاصحاح السابق) كيف أراد يهود أورشليم رجمه، فانطلق إلى ما وراء الأردن حتى لا يتمموا ما في نيتهم. هكذا لم ترد الأختان أن تضعاه في في وضعٍ فيه خطورة على حياته. وفي نفس الوقت كان لعازر صديقًا له، فاكتفتا بإبلاغه بأمر مرضه، وكانتا متأكدتين أنه حتمًا سيفعل شيئًا.

لم تذكر الأختان اسم المريض ولا قرابته لهما، أي أنه أخوهما، بل دعوه “الذي تحبه”. نحن نعلم أنه محب كل البشر، والكل كانوا يتلمسون رقته ولطفه وحبه، لكن الصيغة التي كتبت بها الأختان توحي بأن السيد المسيح يخص المريض بعلاقة محبة خاصة. لم تشيرا في الرسالة أن المرض كان خطيرًا، ربما لكي لا يزعجا السيد.

لماذا لم تفعلا مثل قائد المائة الشريف الذي ترك أخاه المريض وجاء إلى المسيح بدلاً من بعثهما رسالة إليه؟ كانت لهما ثقة كبيرة في المسيح، ولهما مشاعر قوية أسرية. بجانب هذا فإنهما امرأتان ضعيفتان حاصرهما الحزن.
القديس يوحنا الذهبي الفم

يكفي أنك تعرف، فإنكَ لست بالذي يحب وينسى… لو لم يحب الله الخطاة لما نزل من السماء إلى الأرض.
القديس أغسطينوس

“فلما سمع يسوع قال:
هذا المرض ليس للموت،
بل لأجل مجد الله،
ليتمجد ابن الله به”. (4)

أعلن لهم السيد بأن هذا المرض ليس للموت النهائي عن هذه الحياة، وإنما لموتٍ مؤقتٍ سُمح به لأجل مجد الله خلال إقامته من الأموات.
يرى البعض أن كلمة “يتمجد” هنا كما في كثير من الأحيان في هذا السفر لا تعني نوال كرامة أو إبراز سمو الشخص، وإنما تعني قيام الشخص بإرادته بعمل يبدو أقل من مستواه من أجل محبته وخدمته للغير، دون إلزام من آخر، خاصة حينما يتحدث عن الصلب كمجد للابن والآب، حيث يبذل الابن ذاته من أجل خلاص الخطاة ومجدهم الأبدي. مسيحنا الذي لا يصنع العجائب إلاَّ من خلال دافع الحب غالبًا ما يربط موضوع إقامة لعازر بمجد صليبه، إذ جاء هذا العمل تمهيدًا لصلبه.

يليق بنا أن ندهش من أختي لعازر، فبعدما سمعتا أن المرض ليس للموت ورأتاه ميتًا لم تتعثرا، مع أن ما حدث كان على خلاف ما قيل. مع كل هذا جاءتا إلى الرب ولم تفكرا أنه تنطقا بشيءٍ باطلاً.
انظروا كيف ذكر أن له ولأبيه أيضًا المجد الواحد، لأنه إذ قال: “لأجل مجد الله”، قال بعد ذلك “ليتمجد ابن الله به”.
القديس يوحنا الذهبي الفم

تمجيد الله لا يضيف شيئًا إلى كرامته، إنما لنفعنا. لهذا يقول: “ليس للموت” (٤)، لأنه حتى هذا الموت ذاته ليس هو موتًا، بل بالأحرى صنع معجزة بها يُقتاد الناس إلى الإيمان بالمسيح، فيهربون من الموت الحقيقي.
القديس أغسطينوس

“وكان يسوع يحب مرثا وأختها ولعازر”. (5)

يشير هنا إلى محبة السيد المسيح لمرثا بكونها الأخت الأكبر ثم مريم ولعازر. إنه كان يستريح للأسرة ككل، وكان كل عضو من الأسرة يشعر بدالة خاصة ومحبة المسيح له شخصيًا.

فإن قلت: لِمَ ذكر البشير موضحًا في هذا الخبر أن السيد المسيح أحب لعازر؟ أجبتك: “ليعلمنا ألا نستاء أو نترك الرب عند حدوث مرض للرجال الثابتين في فضيلتهم المحبوبين عند الله”.
القديس يوحنا الذهبي الفم

واحد مريض واثنتان في حزن، الكل محبوبون. لكن ذاك الذي أحبهم هو منقذ المرضى، بل بالأكثر هو مقيم الموتى، وهو معزي الحزانى.
القديس أغسطينوس

“فلما سمع أنه مريض
مكث حينئذ في الموضع الذي كان فيه يومين”. (6)

لكل شيء عند السيد المسيح وقته المناسب حسب فكره الإلهي وليس حسب فكرنا نحن البشري. ففي عرس قانا الجليل إذ قالت له أمه “ليس لهم خمر” (يو ٢: ٣) قال لها: “لم تأتِ ساعتي بعد” (يو ٢: ٤). وعندما طلب منه اخوته أن يذهب إلى اليهودية لاقتراب عيد المظال أجابهم: “إن وقتي لم يحضر بعد” (يو ٧: ٥). وهنا كنا نتوقع سرعة ذهابه لبيت عنيا لمساندة أحبائه، لكننا نجده يمكث في الموضع يومين. إنه يعرف اللحظة المناسبة لكل عملٍ.
في المعجزات السابقة جميعها ما يشغل قلب السيد المسيح إبراز حبه للمتألمين، هنا تأخر لأنه في محبته للأسرة كلها كان يود تأكيد حقيقة، وهي أنه هو “القيامة”، إذ حان وقت موته وقيامته. لهذا لم يسرع بالذهاب ليشفيه في مرضه، ولا بعد موته مباشرة، بل تركه يبقى في القبر إلى اليوم الرابع حتى ينتن الجسد، فيتأكد الكل بأنه واهب الحياة والقيامة حتى بعد أن يفسد الجسد.

لماذا مكث؟ حتى يخرج النفس الأخير ويُدفن، فلا يقول أحد أنه لم يكن ميتًا بل كان غارقًا في نومٍ عميق، أو أنه كان قد غشى عليه ولم يكن موتًا. لهذا السبب مكث يومين حتى يحدث الفساد، وتقولا: “قد أنتن”.
القديس يوحنا الذهبي الفم

“ثم بعد ذلك قال لتلاميذه:
لنذهب إلى اليهودية أيضًا”. (7)

بقوله لتلاميذه: “لنذهب إلى اليهودية أيضًا” (7) يوضح السيد رحمته حتى نحو غير المستحقين. فمع عدم استعداد اليهودية لقبوله يطلب الذهاب مرة أخرى لرافضيه. إنه لا يكف عن أن يقدم الفرص لكل نفسٍ لعلها تتمتع به حتى وإن رفضته قبلاً.

لماذا أخبرهم هنا مقدمًا إلى أين هو ذاهب مع أنه لم يفعل ذلك في أي موضع آخر؟ كانوا في رعبٍ شديد… لذلك حذرهم مقدمًا حتى لا يضطربوا أمام عنصر المفاجأة.
القديس يوحنا الذهبي الفم

“قال له التلاميذ:
يا معلم الآن كان اليهود يطلبون أن يرجموك وتذهب أيضًا إلى هناك”. (8)

منذ أسابيع قليلة كان اليهود يريدون رجمه في الهيكل في عيد التجديد (يو ١٠: ٣١).

أرادوا بنصيحتهم أن يحفظوا الرب من الموت، ذاك الذي جاء ليموت ليخلصهم من الموت.
القديس أغسطينوس

خافوا عليه أيضًا، لكنهم بالأكثر خافوا على أنفسهم، لأنهم لم يكونوا بعد كاملين. لهذا فإن القديس توما وقد هزه الخوف، قال: “لنذهب نحن أيضًا، لكي نمـوت معه” (١٦)، لأن توما كان أكثر ضعفًا وعدم إيمان عن البقية. لكن انظروا كيف شجعهم يسوع بما قاله: “أليست ساعات النهار اثنتي عشرة؟” (٩).
القديس يوحنا الذهبي الفم

“أجاب يسوع:
أليست ساعات النهار اثنتي عشرة؟
إن كان أحد يمشي في النهار لا يعثر،
لأنه ينظر نور هذا العالم”. (9)

طريقنا مملوء بالعثرات، من يسلك في النور لن يعثر، أما من يبقى في الظلمة فيعثر. من يشرق عليه شمس البرّ يستنير، وينطلق كما من مجدٍ إلى مجدٍ، وتصير العثرات بالنسبة له كلا شيء، بل علة نصرته وإكليله. أما من يسلك حسب شهوات جسده وفكر العالم الشرير وكبرياء قلبه فيبقى متعثرًا، ويعطي لنفسه أعذارًا لا حصر لها.
لم يخفْ السيد المسيح من الموت، لأنه هو النور الذي لن تصمد أمامه قوات الظلمة. وهكذا من يلتحف به يسير كل أيام غربته بلا خوف ولا اضطراب ولا قلق.
كان اليهود مثل كثير من الأمم يقسمون النهار من شروق الشمس إلى غروبها إلى ١٢ قسمًا أو ساعة تطول أو تقصر حسب مواسم السنة المختلفة.
رحلة العبور إلى السماء لا تبدأ بالليل حين ينتقل الإنسان من العالم، إنما تبدأ في النهار وهو يجاهد في حياته، واثقًا في نعمة الله التي تسير به نحو الأبدية. أعطانا الله ساعات النهار كفرصٍ ثمينةٍ للعمل، تصير لها قيمتها حين نستغلها كما يليق وإلا صارت كلا شيء.

إنه يشير إلى نفسه أنه هو النهار، وقد اختار اثني عشر تلميذًا. يقول: إن كنت أنا هو النهار وأنتم الساعات، فهل تعطي الساعات نصيحة للنهار؟ الساعات تتبع النهار، لا النهار يتبع الساعات… إنه يشير إلى نفسه أنه النهار الروحي. لتنصت الساعات إلى النهار، ولتكرز بالنهار، إذ تُعرف وتستنير بالنهار، وبكرازة الساعات يؤمن العالم بالنهار. وباختصار بحق قال: “اتبعوني إن كنتم لا تريدون إن تتعثروا”.
القديس أغسطينوس

“ولكن إن كان أحد يمشي في الليل يعثر، لأن النور ليس فيه”. (10)

قال هذا لكي يظهر أن من يشعر أنه ليس فيه شر فلن يلحق به أمر مخيف؛ إنما من يفعل الشر يلحق به هذا. لهذا يلزمنا ألا نخاف لأننا لا نفعل ما يستحق الموت. أو لعله يقول هذا أن من ينظر نور هذا العالم هو في أمان، فإن كان من يرى نور هذا العالم هو هكذا في أمان، كم بالأكثر من يكون معي، ما دام لا يعزل نفسه عني؟! إذ شجعهم بهذه الكلمات أضاف هدف ذهابهم إلى هناك الذي يلزمهم، وإذ أبرز ذلك يذهبون لا إلى أورشليم بل إلى بيت عنيا (١١، ١٢).
القديس يوحنا الذهبي الفم

قال هذا، وبعد ذلك قال لهم:
لعازر حبيبنا قد نام،
لكني أذهب لأوقظه”. (11)

يدعو السيد المسيح المؤمن “حبيبنا”، ولم يقل “حبيبي”، فإن دخولنا في عهد مع الله يجعلنا أحباء ليس فقط له، بل ولكل الكنيسة، بكونه عضوًا فيها. موت لعازر لا يقطع الصداقة بينه وبين السيد المسيح وكنيسته، بل يبقى صديقًا له ولكل الكنيسة عبر كل الأجيال.

كأنه يقول: “إنني لست أذهب بذات الهدف الذي كان قبلاً، أن أجادل وأصارع مع اليهود، وإنما لكي أوقظ صديقنا.
القديس يوحنا الذهبي الفم

يدعو السيد المسيح الموت “نومًا”. النوم فيه راحة جسدية حيث يستعيد الجسم طاقته، ليبدأ بيقظته يومًا جديدًا في حيويةٍ ونشاطٍ. هذا حق بالنسبة لنوم الموت، فالمؤمن إذ ينام يقوم في حياة جديدة بإمكانيات جديدة في عالم جديد.

بالحقيقة لا يُقال عن القديسين أنهم أموات بل يقال عنهم أنهم راقدون.
القديس جيروم

بالنسبة لأختيه هو ميت، أما بالنسبة للرب فهو نائم. هو ميت بالنسبة للبشر غير القادرين أن يقيموه، أما الرب فأقامه من القبر بسهولة جدًا كمن ييقظ نائمًا على سريره. فإنه بالنسبة لسلطانه تكلم معه كنائمٍ، وأيضًا بالنسبة للآخرين وهم موتى غالبًا ما يتحدث الكتاب المقدس عنهم كنائمين. وكما يقول الرسول: “ثم لا أريد أن تجهلوا أيهـا الأخوة من جهة الراقدين، لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم” (١ تس ٤: ١٣). لذلك تحدث عنهم أيضًا كراقدين، إذ سبق فأخبرهم عن قيامتهم. وهكذا كل الأموات هم راقدون،
سواء كانوا صالحين أم أشرارًا.
القديس أغسطينوس

يرى القديس أغسطينوس أن جميع الأموات أشبه بالنيام، لكن بعضهم يتمتع بأحلام سعيدة، والآخرون مرعبة. أو هم أشبه بمن هم في مكان حفظ مؤقت، لكن بعضهم مثل لعازر المسكين الذي يتنعم في حضن أبيه إبراهيم، بينما الغني الغبي في عطشٍ شديدٍ لا يجد من يهبه نقطة ماء (لو ١٦: ٣٢-٢٤). الكل سيخرج لينال كل واحدٍ حسب أعماله.

إن كان ليس اسم “أرملة” هو الذي يضايقك، إنما فقدانك لمثل هذا الزوج، فإنني أوافقك أن قليلين هم أمثال ذلك الرجل في عالم الرجال، في حبه ونبله وتواضعه وإخلاصه وحكمته وورعه.

حقًا، لو أنه هلك كلية أو انتهي أمره تمامًا، لكان ذلك كارثة عظمى وكان الأمر محزنًا. لكن إن كان كل ما في الأمر أنه أبحر إلي ميناء هادئ، وقام برحلة إلي اللَّه الذي هو حقًا ملكه، لهذا يلزمنا ألا نحزن بل نفرح.
فإن هذا الموت ليس بموتٍ، إنما هو نوع من الهجرة والانتقال من سيئ إلي أحسن، من الأرض إلي السماء، من وسط البشر إلي الملائكة ورؤساء الملائكة ، بل ومع اللَّه الذي هو رب الملائكة ورؤساء الملائكة.
لأنه عندما كان يخدم الإمبراطور هنا على الأرض كانت تحف به مخاطر الأشرار ومكائدهم. وبقدر ما كان صيته يتزايد، كانت خطط الأعداء (الحاسدين) تلتف حوله، والآن قد انتقل إلي العالم الآخر حيث لا يمكن أن ننتظر شيئًا من هذا.
فبقدر ما تحزنين لأن اللَّه أخذ إنسانًا هكذا كان صالحًا ومكرمًا كان يجب أن تفرحي أنه رحل إلي مكان أكثر أمانًا وكرامة، متخلصًا من مضايقات الحياة الحاضرة الخطيرة، إذ هو الآن في أمان وهدوء عظيم.
إن كان لا حاجة لنا أن نعرف أن السماء أفضل من الأرض بكثير، فكيف نندب الذين رحلوا من هذا العالم إلي العالم الآخر؟!.
لو كان زوجك سالكًا مثل أولئك الذين يعيشون في حياة مخجلة لا ترضى اللَّه، كان بالأولي لكِ أن تنوحي وتبكي، ليس فقط عند انتقاله، بل حتى أثناء وجوده حيًا هنا. لكن بقدر ما هو من أصدقاء اللَّه، يلزمنا أن نُسر به، ليس وهو حيّ هنا، بل وعندما يرقد مستريحًا أيضًا.
وإذ يلزمنا أن نفعل هذا، استمعي ما يقوله الرسول الطوباوي: “لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا” (في 23:1).
القديس يوحنا الذهبي الفم

“فقال تلاميذه: يا سيد إن كان قد نام فهو يُشفى”. (12)

كثيرًا ما يكون النوم خاصة بعمقٍ بالنسبة للمريض إحدى علامات شفائه. لذلك إذ قال السيد أن لعازر قد نام رأى التلاميذ أنه لا ضرورة لذهاب السيد إلى اليهودية لشفائه، لأنه قد بدأ شفاؤه بنومه العميق. ولم يتصور التلاميذ كيف يسيروا مع يسوع المسيح رحلة تمتد إلى يومين أو ثلاثة أيام وإلى بلد مقاومٍ لهم لكي يوقظوا صديقًا من نومه.

“وكان يسوع يقول عن موته،
وهم ظنوا أنه يقول عن رقاد النوم”. (13)
“فقال لهم يسوع حينئذ علانية:
لعازر مات”. (14)

نطق بالكلمة الأولى “نام” راغبًا في تأكيد أنه لا يحب الافتخار، وإذ لم يفهموا أضاف “مات”.
القديس يوحنا الذهبي الفم

“وأنا أفرح لأجلكم إني لم أكن هناك لتؤمنوا،
ولكن لنذهب إليه”. (15)

إذ مات لعازر وفقد الكل الرجاء في عودته للحياة تحرك الرب نحوهم ليعلن أنه رجاء من ليس له رجاء، ومعين من ليس له معين. حينما يقول البشر: “يبست عظامنا، وهلك رجاؤنا، قد انقطعنا” (حز ٣٧: ١١) يقول السيد الرب: “هأنذا أفتح قبوركم، وأصعدكم من قبوركم يا شعبي… فتعلمون أني أنا الرب عند فتحي قبوركم، واصعادي إياكم من قبوركم يا شعبي”.

لماذا يقول: “لأجلكم”؟ لأني سبق فأخبرتكم مقدمًا عن موته، وإذ نحن هناك عندئذ إذ أقيمه لا يوجد شك من جهة الخداع. ألا ترون كيف كان التلاميذ غير كاملين في وضعهم وغير مدركين لقوتهم كما ينبغي؟ هذا كان بسبب الرعب الذي حل بهم والمتاعب والاضطرابات التي لنفوسهم. عندما قال: “انه نائم” أضاف “أذهب لأوقظه”، لأنه لم يرد أن يخبرهم مسبقًا بالكلام ما يحققه فعلاً بالأعمال. فإنه دومًا يعلمنا ألا نطلب المجد الباطل، ولا أن نقدم وعودًا بلا سبب. إن كان قد فعل هذا في حالة قائد المائة عندما قال “أنا أذهب وأشفيه” (مت ٨: ٧)، كان ذلك من أجل إيمان قائد المائة الذي قال هذا. وإن قال أحد: “كيف ظن التلاميذ انه نائم؟ كيف لم يفهموا أنه يعني بذلك الموت بقوله: “أنا أذهب لأوقظه” فإنه من الغباوة أن يفهموا أنه يذهب خمس عشرة غلوة stadia ليوقظه. نجيب على ذلك يبدو أنهم ظنوا بأن كلماته غامضة كما اعتاد أن يتحدث معهم.
القديس يوحنا الذهبي الفم

لم يقل “لنذهب إلى أختيه لتعزيتهما” بل “إليه”، فالموت لا يقدر أن يفصل السيد المسيح وكنيسته عن المنتقل، فيذهب الكل إليه بالحب ويلتقوا معه كعضوٍ حي في جسد المسيح. لم يقل “اذهب”، بل “لنذهب” فيضم الكنيسة كلها معه للالتقاء مع الراقدين.

“فقال توما الذي يقال له التوام للتلاميذ رفقائه:
لنذهب نحن أيضًا، لكي نموت معه”. (16)

“توما” تعني توأم، يُقال له باليونانية ديديموس Didymus وتعني “توأم”. أثار اخوته التلاميذ بقوله هذا. يصعب إدراك نيته، هل كان يتحدث بشجاعة، فلا يبالي بالموت، مفضلاً أن يذهبوا جميعًا ليتعرضوا مع يسوع المسيح للموت الذي ينتظره، وكأنه يقول مع راعوث: “حيثما مت أموت وهناك أدفن” (را ١: ١٨). مفضلاً أن يكون في رفقة المسيح وإن كانت تكلفة ذلك هو “الموت”، عن أن يحيا وليس في رفقة السيد المسيح. أم تحدث هكذا عن خوفٍ كما بنوع من الدعابة أو عن تبرمٍ.

لقد ارتاع التلاميذ من ملاقاة اليهود، أما توما الرسول فكان أكثرهم رعبًا، لذلك قال: “لنذهب نحن أيضًا لكي نموت معه”، ولأنه كان أضعف عزمًا من التلاميذ الآخرين وأقلهم إيمانًا.

يقول البعض أنه رغب في أن يموت (مع يسوع) لكن الأمر ليس كذلك، فإن التعبير هنا يصدر عن شخص في جبنٍ. إلاَّ أن المسيح لم يوبخه بل سند ضعفه، وبعد ذلك صار أكثر قوة من الجميع، لا يُقهر. فالعجب في هذا أننا نرى شخصًا كان ضعيفًا هكذا قبل الصلب، صار بعد الصلب وبعد إيمانه بالقيامة أكثر غيرة من أي شخصٍ. عظيمة هي قوة المسيح! ذات الشخص الذي لم يجسر أن يذهب مع المسيح إلى بيت عنيا هو بعينه وهو لا يرى المسيح يجري وحده في العالم المسكون، ويقطن بين الأمم المملوءة بالقتل والذين يطلبون قتله.
القديس يوحنا الذهبي الفم

وَالمَجْد لِيَسُوعَ الۤمَسِيح ♱ دَائِماً لِيَسُوعَ المَسِيح

تحرك السيد نحو عائلة لعازر.. (2/2) (تفسير معمّق)