أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


من المستفيد الأكبر من حرب روسيا-أوكرانيا؟ (ميشال غنيم)

الحروب وعلى مدى التاريخ، لم تكن في يومٍ من الأيام مفيدة للبشرية أو للمجتمعات، ولكن دائمًا يظهر لنا المستفيد الأول من هذه الحروب ومن يحاول استغلالها لمصلحته الشخصية. إن الدول مصالح ونفوذ، ولا أمر غريب في انتهاك القوانين الدولية والمبادئ العرفية حين نتكلم عن الواقعية السياسية، وهذا ما نراه اليوم.

فبعد الإجتياح الروسي لأوكرانيا أو ما سُمّي بـ”العملية العسكرية الخاصة”، رأينا أن هناك من استفاد من هذه الحرب وهناك من خسر؛ فمن هي هذه الأطراف؟ وهل كانت الحسابات الإستراتيجية خاطئة أم العكس تمامًا؟

أوكرانيا:
من الواضح أن أوكرانيا اتخذت القرار الخاطئ بمحاولة الإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي الدولي “NATO”، وتحديدًا بعد خطابات الرئيس الأوكراني زيلينسكي بعدما كرّر عن شعور بلاده بالخذلان بعد أن تراجعت الولايات المتحدة وحلفائها عن دعم أوكرانيا بوجه الجيش الروسي. فتُركت أوكرانيا وحيدة في نصف المعركة ويبدو أنها الخاسر الأكبر وتحديدًا الشعب الأوكراني الذي وصل عدد اللاجئين فيه ألى ٢.٢ مليون لاجئ بحسب أرقام الأمم المتحدة، حيث اقتصر الدعم لأوكرانيا ببعض الأسلحة الثقيلة والعقوبات المكثفة على روسيا التي لا تبالي إلى حدٍّ ما، الأمر الذي أزعج الأوكران. فبنهاية هذه المعركة، سترى نفسها أوكرانيا مدمّرة، وأراضيها قد سُلبت، وشعبها قد هرب، وربما حكومتها قد تغيرت.

روسيا:
بعد الحرب التي شنها الجيش الروسي على أوكرانيا، أصبحت روسيا في المرتبة الأولى عالميًا من حيث العقوبات الإقتصادية، المالية، التجارية والسياسية بعد إيران وكوريا الشمالية. من الطبيعي أن هذه العقوبات ستخلق أزمة على المدى القريب والمتوسط في روسيا، ولكن من المؤكد أن الكرملين قد جهّز نفسه بوجه هذه العقوبات وتحديدًا بعد الإتفاف مع الصين التي ستفيض الأسواق الروسية بالبضائع الصينية والتي أدخلت عملتها الوطنية إلى روسيا كبديلًا عن الدولار الأميركي. ولكن بالنسبة لروسيا، وبعد أن ضمت جزيرة القرم بالقوة سنة ٢٠١٤، تعتبر أن انضمام منطقة الدونباس إلى روسيا بالإضافة إلى السيطرة على الشواطئ الدافئة وتغيير النظام الحاكم في أوكرانيا، سيصب في مصلحة روسيا على المدى البعيد، ولذلك لم يكن هناك أي مشكلة لدى بوتين في المخاطرة بكل العقوبات والخسائر طالما استراتيجيًا ستحقق روسيا أهدافها. فبالنسبة للدب الروسي، إن كسر أحادية الولايات المتحدة والحد من توسيع حلف الNATO يُعد من أولويات روسيا كون ذلك يهدد أمنها القومي.

الولايات المتحدة الأمريكية:
قامت أميركا بتحريض الرئيس الأوكراني على الروس، ونجحت بذلك. صحيح أن الولايات المتحدة تساهم في دعم أوكرانيا إعلاميًا، ماديًا، وعسكريًا، تحديدًا بعد أن أقرّ الكونغرس الأميركي اليوم دعم أوكرانيا ب١٤ مليار دولار أميركي، فهي لم تشارك حتى الآن مباشرةً، بل تلعب دور المراقب دون أن تعرّض نفسها لأي خسائر بشرية أو اقتصادية. فمن الطبيعي أن تكون أميركا من الرابحين بهذه المعركة لأنها أوقفت خط الغاز الروسي Nord Stream 2، ولأنها تشاهد الدول الأوروبية على خلاف مع روسيا ولأن هذه المعركة ستؤدي إلى خسائر كبيرة لدى الطرفين وتحديدًا في الأسواق المالية والتجاربة، أما الأهم فيبقى الخلاف الكبير الذي خلقته أميركا بين روسيا وألمانيا بعد سنوات من الصداقة والتعاون بين بوتين وأنجيلا ميركل. ولكن السيف الأميركي يُعدّ سيف ذو حدّين طالما أن كل العقوبات المفروضة على روسيا قد تؤدي إلى تقليل نسبة الإعتماد على الدولار الأميركي وخلق بديل عنه.

الصين:
بين كل الدول المشاركة وغير المشاركة، تبدو الصين الرابح الأكبر من هذه العملية العسكرية. فبالنسبة لهم، اعتماد روسيا العملة الصينية “اليوان” كبديل عن الدولار الأميركي من أهم ما استطاعت أن تقوم به الصين، بالإضافة إلى جعل روسيا أكثر اعتمادًا على الصين طالما أن جميع الأبواب قد أُغلقت، وبقيت النافذة الصينية الحل الوحيد للروس من حيث التجارة والإقتصاد. إضافةً إلى ذلك، تلعب اليوم الخارجية الصينية دورًا بارزًا من حيث التفاوض وحل الأزمة الروسية-الأوكرانية عبر الأطر الدبلوماسية والمفاوضات بين الجانبين. أخيرًا، تبدو الصين تجهّز نفسها لعملية عسكرية قريبًا على جزيرة تايوان، وذلك بعد التصريحات الرسمية المتكررة بأن تايوان جزء لا يتجزأ من جمهورية الصين الشعبية، وبأتي هذا تزامنًا مع العمليات العسكرية التي تلوّح بها الصين بطيرانها، كرسالة إلى الغرب بأنها ستقوم عاجلًا أم آجلًا بدخول تايوان عسكريًا. فإذا استطاعت روسيا أن تضم بعض الأراضي الأوكرانية إلى أراضيها، فلم يكن هناك أي عائق أمام الصين من القيام بنفس العملية العسكرية، ولكن هذه المرة في تايوان.

الدول الأوروبية:
إن قياس الربح والخسارة يختلف من دولة إلى أخرى، فبعض الدول الأوروبية خسارتها أكبر من غيرها وذلك لأن مشاركتها بالعقوبات كانت أكبر من غيرها من الدول، وهذا ما استدعى الروس أن تكون ردة فعلهم أقوى وأعنف عليهم. فمثلًا العلاقة الروسية-الألمانية، الروسية-الفرنسية والروسية-البريطانية تعكّرت بشكل غير مسبوق، وسيؤدي هذا الخلاف على المدى البعيد إلى انقطاع الغاز الروسي عن الأسواق الأوروبية في حال استطاعت روسيا على فعل ذلك والتعويض عن خسائرها. من الواضح أن أوروبا وقعت في فخ مدروس، فمستقبلها بخطر من حيث الموارد والنقد والأمن، وتحديدًا بعد تدفّق اللاجئين إليها وازدياد عمليات القرصنة والتهديدات كرد روسي على العقوبات الأوروبية.

أخيرًا، تبدو الصين أنها المستفيدة الأكبر من الحرب الروسية-الأوكرانية على جميع الأصعدة، تليها الولايات المتحدة الأمريكية، ثم روسيا. أما على المقلب الآخر، فكل المؤشرات تدل أن أوكرانيا بالدرجة الأولى والدول الأوروبية هي الخاسر الأكبر في هذه المعركة، لأن الإستنزاف سيطالها وسيكون مستقبلها في حالة خطر جراء ردة فعل روسيا بعد أن تنتهي من عمليتها العسكرية. ولكن السؤال الأبرز والأهم، هل يكون الCIPS نظام مالي بديل عن نظام الSWIFT ويكون بداية شرارة الحرب الباردة الثانية؟