عَ مدار الساعة


تأمل رائع حول زيارة العذراء مريم لأليصابات وتسبيح القديسين.. (لوقا 1: 39-49، 56)..


والدة الإله.. صار عليها أن تصعد الجبال وتبقى في المرتفعات.. فمن يحل فيه المسيح ينطلق للسماويات.. ويشتهي خدمة الجميع..


” في تلك الأيام قامت مريم وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا، ودخلت بيت زكريا وسلمت على أليصابات. فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت أليصابات من الروح القدس، وصرخت بصوت عظيم وقالت: مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك. فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي؟. فهوذا حين صار صوت سلامك في أذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني. فطوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب. فقالت مريم: تعظم نفسي الرب، وتبتهج روحي بالله مخلصي، لأنه نظر إلى اتضاع أمته. فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني، لأن القدير صنع بي عظائم، واسمه قدوس”
“فمكثت مريم عندها نحو ثلاثة أشهر، ثم رجعت إلى بيتها.”

إن كانت القديسة مريم قد صارت.. ممثلة للبشرية المؤمنة أو ممثلة للكنيسة بكونها.. قبلت الإيمان بوعد الله وانحنت ليحل كلمة الله فيها.. فإنها عندما تمتعت بالكلمة داخلها انطلقت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا.. تلتقي بأليصابات.. فهي صورة حية للكنيسة الحاملة للعريس فيها.. والتي لن تستريح بل تنطلق عبر الأجيال كما على الجبال..لكي تقدم عريسها لكل نفس في العالم..

وطبعاً حسب المنطق البشري كان يلزمها أن تتوارى.. وتبحث الأمر في نفسها كما مع خطيبها.. لتدبير أمر الحبل والميلاد لكنها وقد حملت ذلك الذي يحمل هموم العالم.. ويدبر كل الأمور، لم تفكر فيما هو لنفسها.. بل بروح الخدمة انطلقت إلى الجبال إلى مدينة يهوذا تخدم أليصابات..
فإن حملنا مسيحنا في داخلنا.. ننطلق بقلب منفتح ونخرج عن الأنا وتتسع قلوبنا بالحب للجميع ونشتهي خدمة الجميع..

ونلاحظ في هذا اللقاء المبارك الآتي..


(1)- حسب المنطق البشري.. يبحث الفقير عن الغني والمحتاج عمن يسدّ له احتياجه..
أما حسب المنطق الإلهي.. فالكبير يطلب الصغير ويبحث عنه لكي يضمه بالحب ويحمله على منكبيه..
فهكذا الله أحبنا أولآ.. لقد بادر بالحب ونزل إلينا إذ لا نقدر نحن أن نرتفع إليه.. هو ينحني ليحملنا وينتشلنا من الأعماق ليدخل بنا إلى أحضان الآب ويرفعنا إلى سماواته.. وهكذا عندما يحل فينا نجرى نحو الضعفاء ونبحث عن الكل لخدمتهم..
فبمجرد أن سمعت القديسة مريم رسالة الملاك.. أنها ستحبل بالمخلص وأن أليصابات حبلى.. “قامت وذهبت بسرعة إلى الجبال ودخلت بيت أليصابات”..

(2)- استحقت مريم أن تكون والدة الإله.. فصار عليها أن تصعد الجبال وتبقى في المرتفعات.. فمن يحل فيه المسيح ينطلق للسماويات.. فالجبال بعلوها ترمز للسماويات..

(3)- عندما حملت القديسة مريم كلمة الله محب البشر.. جاء لقاؤها مع أليصابات يحمل روح الخدمة في تواضع..
لذلك يطالب منا أن نتعلم من القديسة مريم.. رقتها وتواضعها وتكريمها للكبار..

(4)- دخلت مريم بيت أليصابات.. تحمل عريسها في أحشائها لذلك عندما سلمت عليها يقول الإنجيل.. “فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت أليصابات من الروح القدس“..
فزيارة مريم لأليصابات تعطي نموذجآ.. لما يجب أن تكون عليه زياراتنا.. فليتنا في زياراتنا ولقاءاتنا مع الآخرين نحمل إليهم مسيحنا القدوس لنقدمه لكل انسان.. الذي يبهج أحشاءهم الداخلية ويلهب روحه القدوس فيهم.. عوض أن نحمل معنا أفكارًا شريرة.. فنملأهم غمً ونطفئ الروح القدس في داخلهم..

لقد ظهرت بركات زيارة مريم ووجود الرب.. أنه عندما سمعت أليصابات صوت سلام مريم.. ارتكض الجنين بابتهاج في بطنها وامتلأت من الروح القدس.. فقد كانت أليصابات أول من سمع صوت مريم لكن يوحنا كان أول من تأثر بالنعمة..
عرفت أليصابات قدوم مريم.. وشعر يوحنا بوجود المسيح..

(5)- وإن كان ابتهاج الجنين في الأحشاء.. يشير إلى الثمر الروحي الداخلي في النفس.. فإن الجسد أيضآ يشترك مع النفس في هذا الثمر.. لذلك انطلق لسان القديسة أليصابات يعلن عمآ في داخلها منسجمآ ومتناغمآ معه فقالت.. “مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك. فمن أين لي هذا أن تأتي أُم ربي إليّ؟.”
فبينما كان العالم كله يجهل عن البشارة للقديسة مريم.. فإذ بالقديسة أليصابات تنطق بالروح وتعلن أمومة مريم لربها..
وطوبت أليصابات مريم لأنها صارت أمآ لله.. خلال تجسد الكلمة وقد بقيت الكنيسة عبر الأجيال تطوّبها..

وعندما انطلق لسان أليصابات يطوب العذراء.. لأنها آمنت بالمواعيد وحملت كلمة الله في أحشائها.. انطلق أيضآ لسان العذراء بالتسبيح لله.. وهكذا تحول اللقاء الى تمجيد وتسبيح الله ويعلن أسراره الفائقة بفرح.. فقالت القديسة مريم.. “تعظم نفس الرب، وتبتهج روحي بالله مخلصي“..
لقد أساءت حواء إلى خالقها.. حين شوهت روحها بالعصيان وأفسدت خليقة الله الصالحة.. فلم تعد حياتها تمجد الخالق ولا أعماقها تعلن عن بهائه.. فجاءت القديسة مريم تحمل كلمة الله في أحشائها يرد لنفسها جمالها الأول.. وتصير روحها مبتهجة بكونها صورة الله ومثاله..

أما قول السيدة العذراء.. تبتهج روحي بالله مخلصي..
فيحمل مفهومآ لاهوتيآ.. بإن القديسة مريم مع سموها العظيم تحتاج إلى الخلاص كسائر البشر وتبتهج به..
وقد أدركت القديسة سر تمتعها بالنعمة الإلهية إذ قالت.. “نظر إلى تواضع أمته“.. عرفت الطريق الذي به تنطلق إلى مراحم الله.. وهو التواضع..

فإن كان عدو الخير قد فقد مركزه خلال الكبرياء.. فقد جعل الكبرياء فخًا يقتنص به كل بشر إلى ملكوت ظلمته.. حارمًا إياه من خالقه مصدر حياته وعلة بهجته..

لقد أدركت القديسة مريم عظمة العطية التي نالتها.. إذ تمتعت بواهب العطايا نفسه تحمله في أحشائها.. لذلك جميع الأجيال أي جميع المؤمنين عبر العصور.. يطوبونها من أجل عمل الله معها وها هي الكنيسة قد امتلأت ليتورجياتها بتطويبها.. معلنة عمل الله فيها ومعها بتجسّد الكلمة مخلص العالم..

وإننا نطوّبها لا كعذراء عاشت ثم ماتت.. وإنما كعذراء تجلى في حياتها عمل الله الخلاصي الفائق.. فكل مؤمن يتطلع إليها يرى فيها نعمة الله الفائقة التي وهبت للبشرية..

وإن كانت العذراء قد تمتعت بأمومة المسيح.. إذ حملته متجسدًا في أحشائها كما حملته بالإيمان في قلبها.. فإن النفس التي تتمتع بالشركة مع الله.. تنعم أيضآ بنوع من الأمومة..

فاحرص أن تتمم مشيئة الآب..لكي تكون أمآ للمسيح..

فبشفاعات والدة الاله يا مخلص ارحمنا وخلصنا..

أمين..

المصدر: Khadim Alkalima