عن إرتباك الحسود..
الرّب يسوع المسيح شهِدَ للحقّ ولمْ يشأ أن يفرضه بالقوة عَ معارضيهِ..
♱ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبِن وَالرُّوح القُدُس الأِلَه الوَاحِد آمين ♱
♱ ﴿ إنجيل القدّيس لوقا البشير ﴾ ١٣:( ١٠ – ١٧ )، شفاء إمرأة حدباء يوم السَبت
♱ شفاء إمرأة حدباء يوم السَبت ♱
١٠ وَكَانَ يُعَلِّمُ فِي أَحَدِ ٱلْمَجَامِعِ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ
١١ وَإِذَا بِٱمْرَأَة بِهَا رُوحُ مَرَضٍ مُنْذُ ثَمَانِي عَشَرَ سَنَةً وَكَانَتْ مُنْحَنِيَةً لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْتَصِبَ ٱلْبَتَّةَ.
١٢ فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ دَعَاهَا وَقَالَ لَهَا يَا ٱمْرَأَةُ إِنَّكِ مُطْلَقَةٌ مِنْ مَرَضِكِ
١٣ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهَا وَفِي ٱلْحَالِ ٱسْتَقَامَتْ وَمَجَّدَتِ ٱللهَ.
١٤ فَأَجَابَ رَئِيسُ ٱلْمَجْمَعِ وَهُوَ مُغْتَاظٌ لِإِبْرَآءِ يَسُوعَ فِي ٱلسَّبْتِ وَقَالَ لِلْجَمْعِ لَكُمْ سِتَّةُ أَيَّامٍ لِلْعَمَلِ فَفِيهَا تَأْتُونَ وَتَسْتَشْفُونَ لَا فِي يَوْمِ ٱلسَّبْتِ.
١٥ فَأَجَابَهُ ٱلرَّبُّ وَقَالَ يَا مُرَآؤُنَ أَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَحُلُّ ثَوْرَهُ أَوْ حِمَارَهُ فِي ٱلسَّبْتِ مِنَ ٱلْمِذْوَدِ وَيَنْطَلِقُ بِهِ فَيَسْقِيهِ.
١٦ وَهٰذِهِ ٱبْنَةُ إِبْرٰهِيمَ ٱلَّتِي رَبَطَهَا ٱلشَّيْطَانُ مُنْذُ ثَمَانِي عَشَرَةَ سَنَةً أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُطْلَقَ مِنْ هٰذَا ٱلرِّبَاطِ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ.
١٧ وَلَمَّا قَالَ هٰذَا خَزِيَ كُلُّ مَنْ كَانَ يُقَاوِمُهُ وَفَرِحَ كُلُّ ٱلْجَمْعِ بِجَمِيعِ ٱلْأُمُورِ ٱلْمَجِيدَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ تَصْدُرُ مِنْهُ.
تفسير مُعمَّق من الآباء والقديسين لإنجيل اليوم المُقَدَّس
الله يحل رباطات الضعف
إن كانت التوبة هي طريق الدخول إلى ملكوته، بدونها لن ننعم بالعضويَّة الحقيقية في قطيعه الصغير، هذه التوبة تُعلن خلال ثمر الروح، فلا نكون كشجرة التين العقيمة التي أبطلت الأرض ثلاث سنوات، فكيف يمكننا أن نمارس التوبة؟ من هو هذا الذي يشفي جراحات نفوسنا ويحل رباطات ضعفنا؟ يقدَّم لنا الإنجيلي قصة إبراء المرأة التي كان بها روح ضعف ثماني عشرة سنة، التي انحنى ظهرها، ولم تستطع أن تنتصب البتة حتى دعاها السيِّد وهي في المجمع في السبت ووضع عليها يديه وأبرأها، كمثل حيٍّ للطبيب الحقيقي الذي يشفي النفس من جراحاتها… هو واهب التوبة وهو معطي الشفاء!
“وكان يعلم في أحد المجامع في السبت،
وإذا امرأة كان بها روح ضعف ثماني عشرة سنة،
وكانت منحنية، ولم تقدر أن تنتصب البتة” [10-11].
يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم أنه كان يعلم في المجامع بهدوء ليعلن أنه لم يأتِ ليقاوم الناموس وإنما ليكمله، أما تعليمه في السبت فلأن اليهود كانوا ينشغلون فيه بسماع الناموس.
إن كانت هذه المرأة التي كان بها روح ضعف كما يقول القدِّيس أغسطينوس هي بعينها شجرة التين العقيمة التي بقيت ثلاث سنوات لا تثمر إشارة إلي الأمة اليهوديَّة التي لم تثمر خلال المراحل الثلاث، فإن الثماني عشرة سنة تشير إلي الثلاث مراحل أيضًا كل مرحلة تضم ست سنوات إشارة إلي عمل الله في الخلق حتى اليوم السادس… وكأن هذه الأمة قد رفضت في كل مرحلة أعمال الله معها. الله يريد أن يجدد خليقته، لكن الإنسان هو الرافض للعمل الإلهي. هكذا انقضت المراحل الثلاث ليأتي رب المجد نفسه كما في اليوم السابع، يوم راحته، ليعلن تمام راحته بتجديد خلقتنا واستقامة ظهرنا الذي أحنته الخطيَّة عبر التاريخ كله.
مرة أخرى نقول مع القدِّيس أغسطينوس: ]هذه المرأة تُفهم كرمزٍ للكنيسة التي صارت مستقيمة وسليمة بواسطة الرب بعد أن انحنت بالضعف خلال رباطات الشيطان لها. ها هي كلمات المزمور ترقى الأعداء الخفين: “أحنوا نفسي” (مز 57: 6) .]
أما بالنسبة للرقم 18 فقد سبق فرأينا في حديثنا عن الثمانية عشر شخصًا الذين سقط عليهم البرج في سلوام [4] أن هذا الرقم يكتب في اليونانية بالحرفين الأولين لاسم “يسوع” IH. وكأن اسم يسوع هو سّر شفاء كل نفس منحنية بالخطيَّة، أن قبلته بالإيمان ودفنت معه في مياه المعموديَّة لتقوم أيضًا معه وتمارس كل يوم قوَّة قيامته عاملة فيها. ويرى القدِّيس أمبروسيوس أن رقم 18 هو محصلة جمع رقمي 10و 8، فان كان رقم 10 يشير إلي الناموس الموسوي ورقم 8 يشير إلى القيامة حيث قام السيِّد المسيح في اليوم الأول من الأسبوع الجديد أو اليوم الثامن بالنسبة للأسبوع السابق، فإن هذه المرأة تشير للكنيسة التي اتَّحدت بالسيِّد المسيح متمم الناموس وواهب القيامة، لتعيش الكنيسة بعريسها غير كاسرة للناموس، بل مكملة إيَّاه بقوَّة القيامة التي لعريسها.
تظهر في هذه المرأة المنحنية صورة الكنيسة التي بدأت تظهر بعدما أكملت مقياس الناموس وتمت بالقيامة، إذ نالت نعمة عظيمة بالراحة الأبديَّة فلا يمكن أن تُجرب بانحناءة ضعفنا. لم يكن لهذه المرأة شفاء إلا بالناموس والنعمة، بإتمام وصايا الناموس (لا أعماله الحرفيَّة) وفي معموديَّة النعمة تموت عن العالم وتحيا للمسيح. في الوصايا العشرة يتم الناموس وفي رقم 8 ملء القيامة. ( القدِّيس أمبروسيوس )
يمكن أن يقال بأن هذه المنحنية كانت تعاني من هذا بسبب قسوة الشيطان… وإذ كان هذا هو حال كل البشر فإن الله الصالح بطبعه لم يتركنا هكذا نعاني من عقوبة المرض الطويل المدى والمستحيل شفائه، بل حرَّرنا من قيودنا معلنًا حضوره، وإعلان ذاته في العالم، علاجًا مجيدًا لأتعاب البشريَّة. فقد جاء ليعيد تجديد حالنا ورده إلي أصله، وكما كتب: “الله لم يخلق الموت، وهو لا يُسر بهلاك الأحياء، لأنه خلق الجميع ليدوموا، وان مواليد العالم سالمون وليس فيهم سم مميت” (حك 1: 13-14)، وأيضا “دخل الموت إلي العالم بحسد إبليس” (حك 2: 24).
الآن تجسد الكلمة وأخذ الطبع البشرى ليحطم الموت والدمار، وينزع الحسد الذي بثته الحيَّة القديمة ضدنا، هذه التي كانت العلة الأولى للشر. هذا واضح لنا من الحقائق ذاتها، إذ حرَّر ابنة إبراهيم [16] من مرضها الطويل المدى، قائلاً: “يا امرأة إنك محلولة من ضعفك” [12]. حديث لائق جدّا بالله يحمل قوَّة فائقة للطبيعة، وبإرادته الملوكيَّة نزع المرض. أيضًا وضع يديه عليها وفي الحال قيل إنها استقامت. هنا أيضًا يمكننا أن نرى بسهولة جسده المقدَّس يحمل السلطان الإلهي والقوَّة الإلهيَّة. ( القدِّيس كيرلس الكبير )
إذ كان لها ضعف بسبب روح كانت عاجزة عن رفع رأسها (لو 13: 10-11)… هكذا تحنى الخطايا رقابنا، وفي نفس الوقت تقيد أقدامنا.
أي إنسان مريض بسبب روح ينحني ناظرًا إلى أسفل، متطلعًا إلي الأرض، لا يقدر أن يتطلع إلي السماء.
الله نفسه بسلطان يهب راحة للمربوطين بالخطيَّة بواسطة الشيطان، كما حلّ المرأة التي في الإنجيل هذه التي ربطها شيطان ثماني عشرة سنة… الله حلّو بطبيعته، أما الذين يلزمونه بالمرارة فهم الخطاة، يجعلون الله بالنسبة لهم مرًا. الله لا يغير طبيعته لكن الخطاة هم الذين يجدون فيه مرارتهم. ( القدِّيس جيروم )
[يرى القدِّيس باسيليوس أن عمل الحيَّة أي الشيطان هو إفساد طبيعتنا فلا ننظر إلي فوق بل ننحني كالحيوانات نحو التراب نطلب الأرضيات، لذا ينصحنا، قائلاً:]لأن رأس البهائم تتطلع نحو الأرض، أما رأس الإنسان فقد خُلقت لتنظر نحو السماء، وعيناه تتجهان إلي فوق، لهذا يليق بنا أن نطلب ما هو فوق، وببصيرتنا نخترق الأرضيات. ( القدِّيس باسيليوس الكبير )
إذ أشارت هذه المرأة إلى الكنيسة التي برأت من انحناءة ظهرها، فاستقامت بالرب متطلعة إلي فوق نحو السماء عوض نظرتها الطويلة نحو التراب يقول الإنجيلي:” استقامت ومجدت الله” [13]. أما رئيس المجمع اليهودي، فبقي بعينيه الشرِّيرتين ينتقد عمل الرب عوض فرحه وبهجته بخلاص العالم، إذ قيل:
“فأجاب رئيس المجمع وهو مغتاظ،
لأن يسوع أبرأ في السبت،
وقال للجمع: هي ستة أيام فيها العمل،
ففي هذه ائتوا واستشفوا وليس في يوم سبت.
فأجابه الرب وقال:
يا مرائي ألا يحل كل واحدٍ منكم في السبت ثوره أو حماره من المذود
ويمضى به ويسقيه؟
وهذه هي ابنة إبراهيم قد ربطها الشيطان ثماني عشرة سنة،
أما كان ينبغي أن تُحل من هذا الرباط في يوم السبت؟
وإذ قال هذا أخجل جميع الذين كانوا يعاندونه،
وفرح كل الجمع بجميع الأعمال المجيدة الكائنة منه” [14-17].
أجرى الرب هذا العمل في السبت ليشير إلي ما سيتم، وهو أن الإنسان يكمل الناموس متمتعًا بالنعمة (10+8)، فيستطيع برحمة المسيح التحرَّر من متاعب هذا الجسد الضعيف (ليدخل في السبت أي في الراحة).
أعطى التقدِّيس في صورة موسى (خلال سبت الراحة)، لأن التقدِّيس القادم والعمل بالروح أساسه ترك الأعمال الزمنيَّة، لذا استراح الرب (في اليوم السابع) من أعمال الدهر وليس من كل أعماله، لأن عمله مستمر بغير انقطاع كقول الابن: “أبى يعمل حتى الآن وأنا أيضًا أعمل” (يو 5: 17). ونحن أيضًا علي مثال الله نتوقف عن أعمال العالم لا عن أعمال الله.
لم يفهم رئيس المجمع هذه الحقيقة لذا لم يقبل إتمام الشفاء في السبت، مع أن السبت يشير إلي الراحة القادمة، فلا نبطل الأعمال الصالحة بل الشرِّيرة. أنه يوصينا ألا نحمل نير الخطيَّة، لكن لا نتوقف عن العمل الصالح حتى نحظى بالسبت القادم بعد رقادنا. لهذا أجابه الرب مشيرًا إلي المعنى الروحي: “يا مرائي، ألا يحل كل واحدٍ منكم في السبت ثوره أو حماره من المذود، ويمضى به ويسقيه” [15]. لماذا لم يذكر الرب حيوانًا آخر؟ أليس لكي يشير إلي أن الشعب اليهودي كما الأممي بالرغم من وجود رؤساء المجمع لكنهما في حالة عطش ومرارة إلي هذا العالم بالرغم من وفرة ينبوع الرب؟… كأن الرب يدعو الشعبين، فتخلص الكنيسة خلال إتمام الناموس والتمتع بقيامة الرب. ( القدِّيس أمبروسيوس )
أسألك أن تلاحظ هنا أن المسيح مخلِّص الكل لم يقدَّم صلاة (عند إبراء المرأة) وإنما تمم الشفاء بسلطانه، شافيًا إيَّاها بكلمة وبلمسة يده. بكونه الرب الإله أعلن عن جسده أنه يحمل ذات قوَّته لخلاص البشر من أمراضهم. لقد قصد أن يفهم البشر مغزى سرّه. لو كان رئيس المجمع شخصًا فهيمًا كان يليق به أن يدرك من هو المخلِّص وكم هي عظمته خلال معجزة عجيبة كهذه، لا أن يتفوه بجهل كالعامة، ولا أن يتهم من نالوا الشفاء بكسر الناموس حسب التقليد الذي يمنع العمل في السبت.
واضح أن الشفاء هو عمل، فهل يكسر الله السبت بإظهار محبَّته في السبت؟ لمن صدر الأمر بالكف عن العمل؟ هل لله نفسه أم لك أنت؟ فلو كان الله يتوقف عن العمل لتوقفت عنايته الإلهيَّة بنا في السبت، وتوقفت الشمس عن عملها وامتنعت الأمطار عن السقوط وجفت ينابيع المياه وتوقفت مجاري الأنهار، وصمتت الرياح، لكن إن كان قد أمرك بالراحة، فِلمَ تلم الله أن أظهر سلطان رحمته في السبت؟
لماذا أمر الله الناس أن يكفوا عن العمل في السبت؟ لكي يستريح عبيدك وثورك وحصانك وكل قطيعك… فإن أعطى هو راحة للبشر بتحرَّرهم من أمراضهم وأنت تمنع ذلك، فأنت الذي تكسر شريعة السبت، إذ لا تسمح بالراحة للمتألَّمين من الأمراض والأوجاع، هؤلاء الذين ربطهم الشيطان.
إذ رأى رئيس المجمع الجاحد المرأة وقد أصاب أعضاؤها الشلل وانحنى جسمها حتى الأرض تتقبل رحمة من المسيح فصارت مستقيمة تمامًا بمجرد لمسة يده، تسير مع ذاك الذي صار إنسانًا بخطوات مستقيمة، تمجد الله علي خلاصها، اغتاظ والتهب غضبًا مقاومًا مجد الرب، وارتبك بالحسد، فأخذ يفتري مشوهًا المعجزة…
اخبرني يا من أنت هو عبد للحسد، أي نوع من العمل تمنعه الشريعة، عندما تحرم كل عمل يدوي في السبت؟ هل تمنع عمل الفم والكلام؟ إذن فلتمتنع أنت عن الأكل والشرب وعن الحوار والترنم بالمزامير في السبت. فإن كنت تمتنع عن هذه الأمور ولا تقرأ حتى الشريعة، فأي نفع للسبت؟ لكن أن حددت الامتناع بالعمل اليدوي، فهل تحسب شفاء المرأة بكلمة عملاً يدويًا؟ فإن حسبته عملاً لأن المرأة بالفعل قد شفيت، فإنك أنت أيضًا تمارس عملاً بتوبيخك علي الشفاء (لأنك تكلمت كما تكلم السيِّد المسيح).
لقد قال: “إنكِ محلوله من ضعفك” [12]، وقد صارت محلوله. حسنًا! أما تحل حذاءك وتهيئ سريرك وتغسل يديك عندما تتسخان قبلما تأكل؟ فلماذا إذن أنت غاضب على كلمة واحدة نطق بها: “محلولة”؟
أي عمل مارسته المرأة بعد نطق هذه الكلمة؟ هل هيأت عملاً لنحّاس أو نجار أو بناء؟! هل بدأت في نفس اليوم تنسخ أو تعمل بنولٍ؟ مجرد الشفاء يُحسب عملاً، ولكن بلى، فإنك لست بغاضبٍ حقًا بسبب السبت، وإنما لأنك رأيت المسيح مكرمًا، يُعبد بكونه الله، فاغتظت وضُربت بالحسد. لقد خبأت في قلبك شيئًا، وأظهرت أمرًا آخر…
“يا مرائي، ألا يحل كل واحد منكم في السبت ثوره أو حماره من المزود ويمضي به ويسقيه؟” [15]
يقول إنك تعجب لأني حللت ابنة إبراهيم، بينما أنت تعطي راحة لثورك أو حمارك وتحلها من أتعابها وتقودهما ليشربا، بينما عندما تعاني إنسانة من المرض وتُشفى بطريقة معجزية، ويظهر الله رحمته عليها، تلومهما كعاصيين، الواحد لأنه شفى والآخر لأنها خلصت من مرضها.
إنني أسأل رئيس المجمع: هل الإنسان أقل من الحيوان في عينيه، إن كان ثوره أو حماره يستحق الرعاية في السبت بينما في حسده لم يرد أن يخلص المسيح المرأة من ضعفها إذ كانت منحنية، ولا رغب لها أن تعود إلى شكلها الطبيعي؟
لقد فضل رئيس المجمع للمرأة التي استقامت لو أنها بقيت منحنية على مثال الحيوان ذي الأربعة أرجل عن أن تُشفى وتعود إلى ما يليق بها كإنسان، عن أن يتمجَّد المسيح ويعلن عنه أنه الله خلال أعماله…
“وإذ قال هذا أخجل جميع الذين كانوا يعاندونه” [17].
حلّ الخجل بالذين نطقوا بهذه الآراء الفاسدة، الذين تعثروا في حجر الزاويَّة الرئيسي فتحطموا؛ هؤلاء الذين قاوموا الطبيب، واصطدموا مع الخزّاف الحكيم الذي كان منهمكًا في إصلاح الأواني المهشمة، فلم يجدوا ما يجيبون به. لقد اقتنعوا ولم يجدوا ما يجيبون به وما ينطقون به… أما الجموع التي تمتعت بمنافع المعجزات فقد ابتهجت. ( القدِّيس كيرلس الكبير )
حسنًا دُعي رئيس المجمع مرائيًا، لأنه حمل مظهر حافظ الناموس، وأما قلبه فكان مخادعًا وحاسدًا. فما أربكه ليس كسر السبت بل مجد المسيح. ( القدِّيس يوحنا الذهبي الفم )
بطريقة سرائريَّة شجرة التين العقيمة تعني المرأة المنحنية، لأن الطبيعة البشريَّة بإرادتها اندفعت نحو الخطيَّة فلم تحمل ثمر الطاعة بل فقدت استقامتها. أيضًا شجرة التين تعني المرأة التي صارت مستقيمة. ( البابا غريغوريوس (الكبير) )
♰ تعليق على الإنجيل المُقَدَّس من المجمع الفاتيكانيّ الثاني عيد قطع رأس مار يوحنّا المعمدان ♰
كرامة الإنسان (Dignitatis Humanæ): بيان في “الحرية الدينية”، العدد 11 ( شهودٌ للحقّ )
إنّ الرّب يسوع المسيح… قد شهِدَ للحقّ ولمْ يشأ أن يفرضه بالقوة على معارضيهِ.
فهو لا يُدافع عن مملكته بقوّة السيف (راجع مت 26: 51 وما يليها) هذه المملكة التي تتوطَّد بالخضوع للحق وبالشهادة لهُ وتنمو بفضل قوَّةِ محبّة الرّب يسوع المسيح الذي اجتَذَبَ إليهِ، وهو فوقَ الصليب، كلَّ الخليقة (راجع يو 12: 32) وتَعَلَّمَ الرسلُ من كلام الرّب يسوع المسيح واقتدوا بهِ، فتَرَسَّموا خُطاهُ فلم يلجأوا… إلى طرقِ العنفِ…
وإنَّما لجأوا قبلَ كلّ شيء إلى قوّة كلمة الله، وأعلَنوا بشجاعةٍ تدابير الله المخلِّصة: “إِنَّه يُريدُ أَن يَخْلُصَ جَميعُ النَّاسِ ويَبلُغوا إِلى مَعرِفَةِ الحَقّ” (1 تم 2: 4)، وفي الوقت نفسه كان موقفهم تجاه الضعفاء يتَّسِمُ بالاحترام حتى مَن كانَ منهم يعيشُ في ضلالٍ وأعلنوا أن “كُلَّ واحِدٍ مِنَّا سيُؤدِّي إِذًا عن نَفْسِه حِسابًا لله” (رو 14: 12)، وأنّه مُلزَمٌ بطاعةِ ضميره الذاتي… وقد كانوا يؤمنون الإيمان الراسخ بأن الإنجيلَ نفسه هو في الحقيقة قوّة الله لخلاصِ كل من يؤمن بهِ (راجع رو 1: 16).
ولمّا رفضوا كلّ “أسلحة الجسد” (2كور 10: 4) اقتداءً بوداعةِ الرّب يسوع المسيح وتواضعهِ، بشَّروا بكلمة الله وهم على ثقة من أنّها قوّة إلهية قادرة على تحطيم القوى المعادية لله… واعترفَ الرسلَ بشرعية السلطات المدنيّة كما فعلَ المعلم…
ولكنهم في الوقت ذاته لم يَخشوا معارضةَ السُلُطاتِ العامة عندما كانت تناقضُ مشيئة الله المقدسة إذ “إنَّ الله أحقُّ من الناس بأن يُطاع” (أع 5: 29) وسلك هذا الطريق عددٌ لا يُحصى من الشهداء والمؤمنين في كل زمانٍ ومكان.
♱ الۤمَجْدُ للآبِ وَالِإبنِ وَالرُّوحِ القُدُس كَمَا كَان فِي البَدْءِ
وَالۤآن وَعَلى الۤدَّوام وَإلى دَهْرِ الۤدَّاهِرِين آمين ♱
+++ ♰ +++
ملاحظة: (ان المرجع الذي نأخذ منه نصوص الانجيل المُقَدَّس هو النسخة المعتمدة في الكنيسة الكاثوليكية جمعاء وهي المعصومة من الخطأ والمدقق في تعابيرها كلمة كلمة: الكتاب المُقَدَّس الفولغاتا BIBLIA SACRA VULGATA).
“يا ربّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك” (يوحنا 6: 68)