- الضغوط الدولية على الرئيس عون لن تدفعه للتراجع عن مشروع بناء وطن قوي وتأسيس دولة خالية من الفساد**
مضحك مبكي ما نشهده في الفترة الاخيرة من تدخل سافر للدول الخارجية بالشؤون الداخلية وبخاصة في ما خص تشكيل الحكومة العتيدة، وأوقح مشهد رأيناه وأعادنا سنوات الى الوراء، الى زمن الوصاية السورية، حيث كان قرارنا مكبل وسيادتنا منقوصة، كان طلب السفيرتين الاميركية والفرنسية من السعودية خلال زيارة خاصة قاما بها الى المملكة، دعم الحريري في تشكيل حكومته العتيدة، من دون ان نسمع موقف الحريري في هذا الاطار، فيما ابلغ تعبير عن قبوله هذا التدخل، صمته المريب.
ولكن الى ماذا تؤشر كل هذه الضغوط الدولية على لبنان، في وقت كان المجتمع الدولي صامتا لا بل مشاركة طوال ثلاثين عاما على نهب منظومة الفساد للدولة، لا بل يعتبر الغرب راعياً لهذه الطبقة الفاسدة، وقد أمدّها بكل مقومات البقاء خلال تلك السنوات العجاف، من قروض ميسرة وغير ميسرة وهبات وكل اشكال الدعم المالي، لتتغير الصورة اليوم حين خسرت هذه الطبقة المدعومة خارجياً الاكثرية فعادت الى حجمها التمثيلي الحقيقي وباتت عاجزة عن استباحة أمن اللبنانيين ومعيشتهم وفقدت القدرة على تقرير مصيرهم، فانقلبت على نفسها وأنهت بنفسها نظام ريعي ظالم أفقر اللبنانيين واذلهم.
غير ان لا الضغوط على الرئيس ميشال عون تحت اي عنوان، معيشي كان او اقتصادي او أمني، ستدفعه الى التراجع عن مشروعه في بناء وطن قوي وتأسيس دولة خالية من الفساد، فبالتخلص من الفاسدين بواسطة التدقيق الجنائي، تفقد الدول المتآمرة على لبنان لمصلحة اسرائيل، المبادرة، لان العمالة والفساد وجهان لعملة واحدة، ومأ اقوى هذه العملة اليوم بعد الانهيار المصطنع لعملتنا الوطنية، مقابل عملة خضراء تستعبد الشعوب وتنهب مواردهم بأبخس الأثمان.
ويبقى السؤال الاهم: ما الذي يمنع لبنان من الاتجاه شرقا؟ والتعاون مع روسيا والصين، في ظل تكرار سيناريو حصار لبنان وضرب مقومات صموده الاقتصادي واستمرارية وجوده؟ فكل العالم فتح قنوات مع الصين عبر طريق الحرير، وبخاصة بعد تخلي الغرب عن المسيحيين في لبنان، واستمرار مشروعهم للبنان القائم على نظريتي كيسنجر ودين براون ، لجهة الوطن البديل؟
فالاميركي لم يغير نظرته الينا ، بينما الروسي والصيني على استعداد لملء الفراغ الغربي وعماده الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، الذي يسعى اليوم بكل قواه الى القضاء على المؤسسات ونشر الفوضى الامنية، وقد تجلى هذا المخطط التدميري للبنان بتفجير مرفأ بيروت، وبثورة 17 تشرين، تمهيدا لافلاسنا فتركيعنا، لنتخلى مكرهين عن استخراج النفط والغاز في بحرنان والتنازل عن حقوقنا بارضنا المحتلة ومياهنا المغتصبة، وابقاء النازحين عندنا وتوطين الفلسطينيين بأرضنا، لضرب التوازن الديموغرافي بالتجنيس وسحق المقاومة وداعميها وبيئتها بمعونة سياسيين عملاء، ينفذون تعليمات السفارات منذ العام 1990، بالاضافة الى حملات التشويه وبث الشائعات والفرقة والتهجم على المقامات، والدفع لعرقلة تشكيل الحكومة بهدف إطالة أمد الفراغ القاتل في المؤسسات، فضلا عن السعي لتدمير النظام المصرفي كليا والتفرج على انهياره والسكوت على كل الارتكابات واصحابها وأخيرا وليس آخرا استخدام سلاح التهديد بالعقوبات.
بالخلاصة، توجه لبنان شرقا بات قدرا محتومآ على الحكومة المقبلة، وبخاصة اننا جربنا الاميركي واليوم نجرب الفرنسي، ففي أعقاب انفجار المرفأ طغت العناوين الأخلاقية على التوجه الفرنسي، فأنتجت المبادرة الفرنسية التي سرعان ما انقلب عليها بن سلمان، بتشجيع اميركي، فخنقت هذه المبادرة في مهدها، التي كان للسفير إريك شوفالييه دورًا مهمًا في وضع أسسها،(للتذكير ان شوفالييه وهو السفير الفرنسي السابق في لبنان واليوم مديرًا لمركز “الأزمات والمساندة التابع لوزارة أوروبا والشؤون الخارجية”، هو من فريق الرئيس الراحل جاك شيراك ومؤيّدًا لآل الحريري)، ولذلك استندت المبادرة الهجينة هذه على ترأس سعد الحريري حكومة اختصاصيين، واستبعاد كل الافرقاء السياسيين الآخرين، وبخاصة حزب الله والتيار الوطني، وقد تبيّن بعد فشل المبادرة الفرنسية فشلا ذريعاً، أنّ الإدارة الفرنسية قد عادت وانقسمت بين الخارجية التي تؤيّد دعم سعد الحريري وتعتبره الأفضل للمصالح الفرنسية، وبين فريق الأمن والدفاع والمخابرات التي تعتبر ان الخطأ الجسيم يكمن في عدم دعم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أو على الأقل توازن بينه وبين الحريري، مع الاشارة الى ان الرئيس عون يمثّل الشريحة التي تقف إلى جانب فرنسا تاريخيًا”.