أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


معركة عون.. الثالثة ثابتة

غسان سعود*** ذهبوا عشر سنوات وعادوا ليحاولوا إقناع الناس أنّهم ابطال الثورة على نظام الفساد الذي كانوا وما زالوا أبرز أزلامه وأبرز المستفيدين منه…

بُعيد إنشاء لقاء قرنة شهوان عام 2001، حاول اللقاء المدعوم من كلّ من البطريرك نصرالله صفير والرئيس رفيق الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط والقوات والكتائب، إنتزاع قيادة المعركة السيادية من العونيين، لتحسين شروط الحريري وجنبلاط في “مبارزتهما” مع القيادة السورية من جهة والأميركيين من جهة أخرى.
بالرغم من كلّ القدرات الإعلامية والمالية والسلطوية للفريق المدعوم من صفير والحريري وجنبلاط والقوات والكتائب من جهة، وتواضع قدرات العونيين من جهة أخرى، بقيت قيادة المعركة السيادية في يد العونيين. فالمحك أو الفاصل كان الشارع، لا التسريبات الصحافية ولا الشائعات ولا المقابلات التلفزيونية ولا ضحكات مقدمي البرامج التلفزيونية وساعات الرولكس.
في الشارع لم يكن هناك حين يتعلّق الأمر بالحرية والسيادة والاستقلال غير العونيين. وهكذا كان اللقاء الكنسيّ – الجنبلاطيّ – الحريريّ يراكم البيانات والمقابلات حتى يعتقد أنّه “قطفها”، وإذ ببضعة عشرات من العونيين يتظاهرون عند أبواب كلية العلوم في الفنار أو عند المتحف أو على مقربة من حاجز للاستخبارات السورية، ليظهروا أمام الناس بمظهر الفريق الوحيد الجديّ بمعارضته. كان لدى خصومهم كل المال، الحريري، والعلاقات، والإعلام، والأجهزة، والمنابر الدينية وغيرها الكثير. لكن الناس لم تقبض معارضة الصالونات الكنسية وفلسفات المنظرين المنضوين في اللقاء المدعوم معنوياً وأكثر من الحريري وجنبلاط.
هذه كانت المرة الأولى؛ لاحقاً بعيد 14 آذار نشطت واحدة من أضخم الماكينات السياسية – الإعلامية في العالم لتقول للبنانيين: إنّ فارس سعيد وهادي حبيش وأصحابهما هم “أبطال التحرير” وروّاد الاستقلال الثاني، لا ميشال عون. لا نتحدث هنا عن بضعة مواقع إلكترونية و”فاشينيستا” وبضعة تلفزيونيات محلية، إنّما عن CNN و BBC ومئات الفضائيات التي تستلهمها الأفكار التقدمية النيّرة من علي ومروان حمادة، مع مليارات أميركية رسمية وغير رسمية، ومليارات الريالات المرسلة لدعم “أبطال التحرير الثاني”، وسفراء فوق العادة وجاك شيراك ومجلس الأمن.

كان الاتفاق الرباعي قد رتّب الأوضاع في الدوائر السنيّة والشيعية، وكل الهدف من كل هذه التعبئة الخيالية هو انتزاع صوت الناخب المسيحي. بضعة أقضية يقطنها بضعة مئات من الآلاف استوجبت استنفاراً إعلامياً وسياسياً أممياً ليس له مثيل، حتى تكاد تظن أنّ قضاء بعبدا هو شانغهاي، والمتن موسكو، وجونية كوبا؛ محور طويل عريض مدجّج بكل وسائل الاعلام اصطف خلف البطل فارس سعيد.

ثورة وفولارات ومكبّرات صوت وتجهيزات مسرحية وإعلام، والأهم هو مئات ملايين الدولارات والريالات. إلا أنّ هذه الضوضاء الكونية كلّها لم تنجح في تحقيق غايتها: أدار المجتمع الذي لا يمكن الضحك عليه ظهره لكل هذا الكذب، واقترع لمن رأى فيه البطل الحقيقيّ للحرية والسيادة والاستقلال، رغم افتقاد الأخير للحدّ الأدنى من أدوات الدفاع عن النفس بوجه كل ما سبق ذكره. كان ذلك استثنائياً طبعاً ويستحيل تصديقه
هذه كانت الانتكاسة الثانية؛ مرّت السنوات فتفرّق العشاق في العلن، ليجتمعوا في السر ويعودوا ليجرّبوا حظهم بقناع الثورة على الفساد؛ فشلوا في إقناع الناس أنّهم هم أبطال الحرية والسيادة والاستقلال، فيما ميشال عون مجرد تابع مستتبع. فعادوا ليحاولوا إقناعهم أنّهم هم أبطال الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد، فيما ميشال عون مجرد فاسد مستفيد. أبرز أزلام الوصاية التي جعلتهم نواباً ووزراء ورؤوساء أتوا ليقنعوا الناس أنّهم ابطال الثورة على هذه الوصاية، ففشلوا.
ذهبوا عشر سنوات وعادوا ليحاولوا إقناع الناس أنّهم ابطال الثورة على نظام الفساد الذي كانوا وما زالوا أبرز أزلامه وأبرز المستفيدين منه. وها هي ثورتهم تُبيّن أن ما من مشكلة مع ممثلي الطوائف الشيعية والسنية والدرزية، فيما المشكلة – كل مشكلة الفساد – هي في ميشال عون. ولا بد بالتالي من إبقاء القديم على قدمه عند السنة والشيعة والدروز، وإعادة المسيحيين بكل بساطة إلى قديمهم: إلى فارس بويز في كسروان، وفارس سعيد في جبيل، وحزب الكتائب في المتن، وبطرس حرب (أو حفيده) في البترون، وفريد مكاري في الكورة.
ثورة ما بعدها ثورة، تطبّل وتزمّر سنة كاملة للفساد في ملف الكهرباء، ثم “يختفي حسها” حين تفتح غادة عون ملف الفيول المغشوش، فيسارع أرباب الثورة إلى حماية المتهمين بالفساد. ثورة ما بعدها ثورة، تتهافت للاجتماع مع ممثلي الإدارة الأميركية الحامية لكل رموز الفساد وتحويلاتهم.
ثورة ما بعدها ثورة تهتف باسم الرئيس الفرنسي الذي تمثل شركات بلده الشريك الرئيسي لكل شركات النظام اللبناني من كهرباء فرنسا شريكة كهرباء لبنان، إلى شركات الطيران الفرنسية شريكة طيران الحوت، مروراً بكل شركات المراقبة والتدقيق بأعمال المقاولات في لبنان.
ثورة تتجاهل مليارات السنيورة المنسيين لدى ديوان المحاسبة، ومجلس الإنماء والإعمار، والهيئات والصناديق، وطيران محمد الحوت، والبلديات، والأملاك البحرية، وسوكومي وسوكلين وسوليدير، ومصرف لبنان وأموال المودعين، ووكيل بواخر الكهرباء والفيول المغشوش، والمباني المستأجرة، والجمعيات، والكازينو، وميرامار أشرف ريفي، والقروض السكنية، ومطامر النفايات، والقروض المدعومة من رياض سلامة، لأصحاب التلفزيونات ووسائل الإعلام، والتوظيفات السياسية، وثروات المدراء العامين، وحصانات رؤساء المجالس البلدية والسريّة المصرفية وتسييس القضاء.
ثورة ضد الفساد لا تحمل أيّ ملف فساد، إنّما تُهوبر وتشتم وتدور حول نفسها وتنافق وتنافق وتدور وتدور لتعود إلى عون وحيداً أوحد.
ثورة تتعامى عن كل التهرّب الضريبي والتهريب ونظام الأحمر والأخضر في وزارة المالية الخاص بمرفأ بيروت للتوقف عند “كونتينر” ألبسة ومفروشات مستعملة باعتباره فضيحة العصر. ثورة تشاوف واستعلاء واستحقار لناشطين أمضوا العمر في النضال من أجل محاربة الفساد.
وإذا كان العالم كلّه قد وضع نفسه بتصرّف الحريري وجنبلاط وجعجع والجميل وأصحابهم في الاستحقاقات “الثورية” السابقة، فإنّ الانغماس كان “أهليّاً بمحليّ” هذه المرة.
فالاهتمام الأميركي والفرنسي والخليجي والمصري لم يعدو حدود رفع العتب هذه المرة بعدما جرّبوا المجرّب ألف مرة. ومع ذلك، فإنّ وجود مواقع التواصل الاجتماعي جعل الضوضاء كثيرة؛ جعجعة دون طحين.
364 يوماً من النفاق، 364 يوماً من الدجل، 364 يوماً من التعمية عن تهريب الأموال، ثم وفي اليوم 365 خرجت عليهم غادة عون؛ تلك التي لا تعرف ماذا تعني علاقات عامة، تلك التي لا تعرف ماذا يعني الجبن، تلك التي لا تعرف ماذا يعني النفاق، تلك الآتية من مدرسة أبعد ما تكون عن مدرسة غسان عويدات وسهيل عبود وغيرهما من قضاة النظام.
وقفت قبالة الباب و… ركلته؛ تريدون محاربة الفساد؟ تريدون معرفة من سرقكم؟ هنا المحكّ؛ هنا تميّزون المنافق من غير المنافق، الصالح من الطالح، الخيّر من الشرير، الحقيقي من الكذاب، الصادق من الشرير، الشجاع من الفاسد؛ عكس الشجاع هو الفاسد نعم، فالجبان هو أكثر الفاسدين فساداً.
وها هم يتساقطون، كل المنافقون الكذابون الفاسدون المستفيدون؛ أدوات فرنسا والسعودية والولايات المتحدة الذين لا يريدون من عنوان مكافحة الفساد سوى إبعاد العونيين عن بعض المقاعد النيابية ليعاودوا الجلوس عليها، معيدين التوازانات السياسية في البلد إلى ما قبل عام 2004، إلى زمن الوصاية، حين كان رفيق الحريري ووليد جنبلاط يختاران جميع المقاعد السنيّة والدرزية، إضافة إلى المقاعد المسيحية. هذه هي المعركة الكاملة، وقد دحرتهم وفضحتهم وعرّتهم غادة عون لوحدها. وحدها صرخت بالمنافقين: يا منافقون أين أنتم؟ ألا تريدون معرفة من هرّب الأموال ولماذا وكيف؟ أليس كذلك يا من تنافقون في إدعائكم الحرص على مصالح الناس ومحاربة الفساد؟

الثالثة ثابتة يقولون، وهي كذلك: كانت هذه معركة حياة أو موت لطقم سياسي مهترئ خسر عام 2005 وخسر عام 2009 وخسر عام 2018، وكانت هذه فرصته الأخيرة في ظلّ المتغيرات الاقليمية، لكنه… خسر. خسر بشهادة مراكز الاستطلاع التي ترسل نتائج استطلاعاتها الدورية إلى السفارة الأميركية، خسر بشهادة الإنكفاء الفرنسيّ، خسر بشهادة التأييد الشعبي الهائل لغادة عون هذين الأسبوعين.
لا يوجد عنوانان لمكافحة الفساد، ولا مساران؛ النفاق كثير. أمّا مسار محاربة الفساد فواضح اليوم، تماماً كما كان مسار الحرية والسيادة والاستقلال شديد الوضوح؛
من يريد محاربة الفساد ينصب خيمته حيث يجب، لإقرار التدقيق الجنائي الذي تقدّم به ويتابعه العونيون. من يريد تحرير القضاء من التبعية، ينصب خيمته حيث يجب، لإقرار محكمة الجرائم المالية التي تحرّر القضاء من التعيينات السياسية وقد تقدّم بها العونيون أيضاً.
من يريد محاربة الفساد يرجم مَن صوّت ضد قانون رفع الحصانات الذي تقدّم به العونيون في المجلس النيابي. من يريد محاربة الفساد يلحق بغادة عون. من يريد محاربة الفساد يسأل ديوان المحاسبة عن الملف المالي المبرم الذي تقدّم به العونيون وحزب الله. غير ذلك، نفاق بنفاق، فوق نفاق من مجموعة منافقين، قال الناس رأيهم بوضوح فيهم عام 2005 و2009 و2018، وسيقولونه بوضوح أكبر في أقرب استحقاق انتخابي.
الثالثة ثابتة يا جبناء.