باسكال أبو نادر – منذ أشهر فجّرت النيابة العامة السويسرية قنبلة من العيار الثقيل إثر دخولها في تفاصيل قضية إختفاء أموال، من أبرز المتهمين فيها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا سلامة، ولكن التفاصيل بقيت طي الكتمان حتى الأمس القريب حين ظهرت إلى العلن.
انتشرت المراسلة السويسرية التي وصلت الى مكتب النيابة العامة التمييزية والمدعي العام غسّان عويدات في ثلاثة بلدان في نفس الوقت، لبنان، فرنسا وسويسرا وحصلت “النشرة” على نسخة منها. أهميّة المراسلة وقبل الولوج الى المضمون أنها صنفت ما قام به سلامة وشقيقه بـ”الاختلاس”(1) وهذا الامر وبحسب القانون يتحدّث عن سرقة المال العام… لتنتقل بعدها الى تفنيد تفاصيل العملية منذ العام 2002 وحتى العام 2019.
تفاصيل الإتهام
كشفت النيابة العامة السويسرية في مراسلتها كيفية حصول عملية “اختلاس” الاموال ودور القضاء اللبناني، ولكن في جزء مهمّ من المراسلة تحدّثت سويسرا عن أن رياض سلامة نظّم عمليات “اختلاس” أموال بما يقدر بأكثر من 300 مليون دولار على نحو مضرّ بمصرف لبنان من خلال توقيعه على عقد مقدم من شركة FORRY ASSOCIATED LTD في جزر فيرجين البريطانية، ويبدو أن الأموال قد تحولت الى حسابات في سويسرا قبل غسلها بسبل شتى، منها تحويلات من حساب الى آخر مع تغيير صاحب الحق الاقتصادي أو الاستثمارات في العقارات في سويسرا والخارج، ولا سيما بريطانيا أو الاستثمارات في السندات المالية في سويسرا أو الخارج.
تضيء النيابة العامة السويسرية في تحقيقاتها على نقطة مهمّة وصفتها بـ”حساب بمصرف لبنان ومعاملة مشبوهة” الفقرة “ج” من المراسلة، وتقول إن “رياض سلامة في عام 2008 فتح حساباً مصرفياً بإسم مصرف لبنان لدى JULIUS BAR ورياض سلامة هو الوحيد المأذون التوقيع عليه، وفي العام 2012 يبدو أن الحاكم قد أعطى توجيهاته لـ JULIUS BAR بتحويل سندات ماليّة الى أحد المصارف في بيروت وتلقى مصرف JULIUS BAR التوجيه بهذا التحويل بوصفه “Free Delivery of payment” مع توضيح بأنّ مشتري السندات قد حصل على توجيه بتسوية الصفقة على حساب مفتوح لدى FEDERAL RESERVE BANK.
تضيف المراسلة: “نفّذ سلامة هذه الصفقة بسلطة توقيع فرديّة على حساب بإسم المصرف المركزي، وأوضح مصرف “يوليوس بار” أنه لا يمكنه أن يؤكّد تسوية المشتري للصفقة، لكنّه أكّد عدم معرفته لهوية المشتري ولا يعرف إذا كان السعر يتوافق مع أسعار السوق وإنّ المعاملة نظّمت بطريقة لا تسمح بالقيام بعملية audit/ accounting trail”.
نقاط استفهام عديدة
إذاً، نقاط مهمّة اضاءت عليها التحقيقات السويسرية خصوصاً فيما يتعلق بالقيام بعمليات تحاويل مشبوهة أولاً، ومن ثم اللجوء الى شراء سندات ماليّة. وهنا يشير الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان عبر “النشرة” الى أنّه “إذا أردنا بيع وشراء الأسهم فمن الطبيعي أن نمرّ عبر وسيط أي عبر شركة معيّنة، ولكن علامة الاستفهام الكبرى توضع حول الشركة التي يملكها رجا سلامة والتي وقّعت هي العقد مع مصرف لبنان، فلماذا هذه الشركة بالذات هي التي تم توقيع العقد معها”؟، مضيفا: “الاشكالية الثانية هي لماذا لم يحصل فضّ عرض ومناقصة لتوقيع العقد مع شركات وساطة عالميّة، وتم توقيع العقد مع شركة FORRY ASSOCIATED LTD التي يملكها رجا سلامة وهنا يوجد تضارب مصالح”.
واضاف: “في المصارف المركزيّة في العالم عندما تجري عمليات بيع سندات ماليّة في السوق تلجأ الى اعتماد وسيط، ولكن المفارقة أن سلامة لجأ الى إعتماد شركة أخيه وهنا تضارب المصالح”، متسائلا أيضا “هل يا ترى اشترى سلامة سندات خزينة وحملها أحد من أقاربه؟! وهذا أمر مخالف”، لافتا أيضاً الى أنه “إذا كان يشتري سندات الخزينة فهذا يعني أن الدولة تقوم بالاستدانة منه، وهذا غير قانوني لأنّه موظّف في الدولة ولا يحقّ له أن يديّنها، وإذا كان ذلك يحصل على أي أسعار”؟.
يختم وليد أبو سليمان بالتأكيد على أن العمولة التي تأخذها الشركة والتي بلغت قيمتها بحسب المراسلة 300 مليون دولار ذهبت من درب الدولة لصالح رياض سلامة وشقيقه”، ويبقى الاهمّ بحسب وليد أبو سليمان هو “العودة الى مصرف لبنان ومحاضره والحوكمة، فهل ما قام به حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مقونن وموقع عليه من قبل أعضاء مجلس المصرف المركزي”؟.
دور القضاء اللبناني
تشير مصادر قضائية مطلعة الى أن “القاضي جان طنوس يمسك حالياً بهذا الملف وباشر التحقيقات فيه، وفتح تحقيقاً موازياً للتحقيق في سويسرا على حدّ تأكيد المطلعين على الملف”، لافتةً الى أّن “النيابة العامة نفّذت أيضاً كلّ ما هو مطلوب منها في المراسلة دون أن يحتاج الأمر الى تدخّل سويسرا في الموضوع”، في المقابل تؤكّد المصادر أنّ “النيابة العامة ومنذ حوالي شهر طلبت من سويسرا الأدلّة التي استندت عليها في المراسلة”.
وفي هذه المراسلة تتحدّث سويسرا عن عمليّة وجرم “اختلاس” للاموال يقع على المال العام، وفي مثل هذه الحالات الذي يقوم بعملية “الاختلاس” يتم الحجز على أمواله ويُمنع من السفر، والامور قد تصل الى حدّ السجن. ولكن وبحسب المصادر يرى القضاء أنه في حالة سلامة وشقيقه ومساعدته ولو أنّ الامر وُصف بـ”الاختلاس”، فإنه “حتى يتم تقديم شخص الى المحاكمة نحتاج الى ادلة نقدمها وهي غير موجودة”، معتبرة أن “لا داعي لتوقيف أحد أو لمنع أحد من السفر”.
إذاً، في المراسلة عملية وصف كاملة لكيفية “اختلاس” الاموال كما وصفها النائب العام السويسري، في سويسرا قامت الدنيا ولم تقعد وفي لبنان يسير كلّ شيء وكأنّ شيئاً لم يكن. اللبنانيون حُجزت أموالهم والمال العام تبخّر والقضاء اللبناني وصلته مراسلة بهذا الحجم ولا يزال يعتبر أنّه يفتقد الى الادلّة… ليبقى السؤال كيف جرت التحقيقات اللبنانيّة إذا كان القضاء اللبناني يطلب أدلّة من الخارج يفترض أن يسلّمها هو لهم لا أن يتسلّمها؟ وأمام “قنبلة” بهذا الحجم يبقى جواب المعنيين بالملف “لا داعي لتوقيف أحد”!.
(1) كلمة الاختلاس الواردة في النص هي حسب الوثيقة المنشورة معه والتعبير الّذي استعمله القضاء في المُراسلة للدلالة على عدم قانونيّة ما جرى
المصدر: النشرة