عَ مدار الساعة


الناسُ بغالبيّتهم أنانيّون وصوليّون يَقيسون الأمور بمقياس الفائدة والرِبح

اليتيا

اتّهمت كنيسة قورنتُس بولس الرسول بالهزالةِ والسُّخف (2قور10\10)، فكتبَ إليها مُدافعاً عن نفسِه،

مُقِرّاً بأنَّ قوَّتهُ في البشارة لا تأتي من”الجسد” بل من يسوع المسيح نفسه. وهذه القوَّة شديدة القُدرة على اختراقِ قلبِ الإنسان وعقلُه والإرتفاعِ بِه إلى الطاعة للّه.

لا نسلُك سلوك الناس الجسديين

بولس إنسانٌ كسائِر الناس ولكنّه لا يسلُك سلوك الناس الجسديين في المَكر والجُبن. هو لا يستعمل وسائل البشر في بشارتِه. لا يستعمل الثروات لإِغراء الناس، ولا المراكز للثأثيرِ عليهم، ولا القوة الجسدية لإخضاعهم وإجبارِهم على الإنقياد إليه، ولا الفصاحة والرياء والدهاء والمراوغات، فهو رجل الله، ورجل الله يستعمِلُ وسائل الله؛ الإيمان والمحبّة والصلاة والصوم وكلمة الله. وسائل البشر ضعيفة وغالباً ما تُخيِّب المتَّكلين عليها، أمّا وسائل الله فهي ثابتة، تُطمئن القلب، تُنعِشُ النفسَ وترُدُّ الروح.

إذاً بولس لا يتصرَّفُ في بشارته إلى أهل قورنتس بتملّق. إنَّهُ هوَ نفسُه في غيابِه وفي حضورِه، لا يُبَشِّرُ بحقيقتين، وليس لديه شخصيّتين (آ11). هو لا يَسعى لإرضاءِ الناس، فلو كان يسعى لإرضاء الناس لكان عبداً للنّاس لا للمسيح (غلاطية1\10). هو يتعامَلُ مع الكنيسة التي ولدها كالأُمِّ والأب؛ كالأُمِّ التي تلِدُ أبناءها بألآم المخاض وتُقدِّم لهم ذاتها(غل4\19)، وكالأبِ دائمَ الإستعداد لبذلِ ذاتِه في سبيل أبنائِه (1 تسا2\12). لذا فهو يسلِك معهُم سلوك الوالدين، بمحبّة ولكن بسُلطان، والهدف من ذلك “أسرُ كُلَّ فكرِ لطاعة المسيح” (2قور10\آ5)، لا لشخصِه هوَ، فبولس لا يُبَشِّرُ بذاتِه، داعياً الناس إلى قبولِه كَمُخلِّص، بل بالمسيح يسوع جاعلاً الرعية لِراعٍ واحِدٍ هو يسوع.

بولس يفتخر بالربّ

وبولس يفتَخِر بِضعفِه، لكي تظهَرَ قوّة يسوع. وفي كلامِه هذا تردادٌ لِما قالَهُ يوحنّا المعمدان في يسوع: “عليهِ هوَ أن يَزيد، وعليَّ أنا أن أنقُص”(يو3\30) وكُلَّما نقصتُ أنا ازادَ قوَّةً فيَّ. والمسألَةُ بالنسبة إلى الرسول لا تحتاجُ إلى تأويل، فكُلَّما برَزتُ أنا اختفى يسوع، وكُلَّما بَرَزَ يسوع في حياتي، اختفيتُ أنا ليكونَ هو ” الألِفُ والياء، الأوّل والآخر، البدايةُ والنّهاية”(رؤيا22\13)ولأكون أنا في شخصه. لِهذا السبب لا يفتخرُ بولُس بأعمالِه الجسدية، ولا بحكمته البشرية وذكائه، بل بالسُلطان المُعطى له من الربّ، ويُعبِّرُ عن ذلِكَ بقولِه “أَنا لا أَخْجَلُ إِنْ بَالَغْتُ بَعْضَ المُبَالَغَةِ في الاِفْتِخَارِ بِالسُلْطَانِ الَّذي وَهَبَهُ الرَبُّ(آ8). ولِما الخجَل طالَما أنَّهُ في خدمةِ الربّ؟. نَعم، يجب أن نخجَل من عيوبِنا وخطايانا، لا من خدمة الربّ، “فَمَن يفتَخِر، فليفتَخِر بالرّبّ(2قور10\17)، ومَن يَخجَل، فليَخجَل من عيوبِه.

3-مَن يفتخر فليفتخِر بالربّ

 أن نفتَخِر بالربّ، معناه ألا ننتظر مديحاً من الناس، فالناسُ بغالبيّتهم أنانيّون، وصوليّون يَقيسون الأمور بمقياس الفائدة والرِبح، لا بمقياسِ المحبّة. يهتفونَ ويمدحونَ ويُصفِّقون لِمَن يستفيدون منه ويُجاريهم في كذبِهم وشرِّهم.  بل ننتظر المديحَ من الله الذي يعرِفُ خفايا القلوب، ولا تهُمُّه المظاهِرُ الخارجيّة التي يتلطّى خلفَها مَن يأكُلُهم السّوس والعَفَن.

 

وأن نفتَخِر بالربّ، معناهُ أن ننسُبَ نجاحنا إلى الله. فالمجدُ للّه الذي اختارنا وأعطانا المواهِبَ لخدمته، وهو الذي يمدحُنا على ما قُمنا بِه. جميلٌ أن يعيشَ الإنسانُ مُنتظِراً مكافأة الربِّ له على جهوده وتعبِه. تلكَ هي قوَّةُ المؤمنين بالمسيح، وبولُس أمامنا قدوةً ومعلِّماً لِلإيمان الصحيح الغائِص في الله والبعيد كُلَّ البُعد عن مخاطِر الأنانية، التي إذا ما سيطرت على أحدٍ ما، أعمته عن الله والآخرين. هذه الأنانيّة دعانا يسوع إلى التغلُّبِ عليها مُنقادين إلى الوصايا التي اختصرها بوصية المحبّة التي تطالُ الله والإنسان، في الوقتِ نفسِه.

صلاة

 هَبنا ربّي من لَدُنِكَ الشجاعة لنعملَ لكَ، لا لِذاتِنا، فتظهَرَ أنتَ في عمَلِنا، ونظهَرَ نحنُ فيك. آمين.

نحيا في الجسد ونسلك سلوك الروحانيين (2قور10\1-11)

 ” أَنَا بُولُسُ نَفْسي أُنَاشِدُكُم بِوَدَاعَةِ المَسِيحِ وَحِلْمِهِ، أَنَا المُتَواضِعُ بَيْنَكُم عِنْدَمَا أَكُونُ حَاضِرًا، والجَريءُ عَلَيْكُم عِنْدَما أَكُونُ غَائِبًا. وأَرْجُو أَلاَّ أُجْبَرَ عِنْدَ حُضُورِي أَنْ أَكُونَ جَريئًا، بِالثِقَةِ الَّتي لي بِكُم، والَّتي أَنْوِي أَنْ أَجْرُؤَ بِهَا عَلى الَّذينَ يَحْسَبُونَ أَنَّنا نَسْلُكُ كَأُنَاسٍ جَسَدِيِّين. أَجَل، إِنَّنا نَحْيَا في الجَسَد، ولكِنَّنا لا نُحَارِبُ كَأُنَاسٍ جَسَدِيِّين؛ لأَنَّ أَسْلِحَةَ جِهَادِنا لَيْسَتْ جَسَدِيَّة، بَلْ هيَ قَادِرَةٌ بِاللهِ عَلى هَدْمِ الحُصُونِ المَنِيعَة؛ فإِنَّنا نَهْدِمُ الأَفْكَارَ الخَاطِئَة، وكُلَّ شُمُوخٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ الله، ونَأْسُرُ كُلَّ فِكْرٍ لِطَاعَةِ المَسِيح. ونَحْنُ مُسْتَعِدُّونَ أَنْ نُعَاقِبَ كُلَّ عُصْيَان، مَتى كَمُلَتْ طَاعَتُكُم. إِنَّكُم تَحْكُمُونَ عَلى المَظَاهِر! إِنْ كَانَ أَحَدٌ وَاثِقًا بِنَفْسِهِ أَنَّهُ لِلمَسيح، فَلْيُفَكِّرْ في نَفْسِهِ أَنَّهُ كَمَا هوَ لِلمَسيحِ كَذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا. فَأَنا لا أَخْجَلُ إِنْ بَالَغْتُ بَعْضَ المُبَالَغَةِ في الاِفْتِخَارِ بِالسُلْطَانِ الَّذي وَهَبَهُ الرَبُّ لَنا لِبُنْيَانِكُم لا لِهَدْمِكُم. ولا أُرِيدُ أَنْ أَظْهَرَ كأَنِّي أُخَوِّفُكُم بِرَسَائِلي؛ لأَنَّ بَعْضًا مِنْكُم يَقُولُون: «رَسَائِلُهُ شَدِيدَةُ اللَهْجَةِ وقَوِيَّة، أَمَّا حُضُورُهُ الشَخْصِيُّ فَهَزِيل، وكَلامُهُ سَخِيف!». فَلْيَعْلَم مِثْلُ هذَا القَائِلِ أَنَّنا كَما نَحْنُ بِالكَلامِ في الرَسَائِل، عِنْدَما نَكُونُ غَائِبين، كَذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا بِالفِعْل، عِنْدما نَكُونُ حَاضِرين”.