طبعاً أريد حكومة جديدة تكمل السنتين الأخيرتين من الولاية، لكن ليس كيفما كان..
فوجئ الرئيس ميشال عون بما أدلى به النائب ماريو عون..
(نقولا ناصيف)
فوجئ الرئيس ميشال عون بما أدلى به النائب ماريو عون، عندما دعا الى تمديد ولايته. استوضحه، فعزا الجواب الى رد فعل على ما كان قد أثاره معه زميله النائب زياد حواط في مقابلة تلفزيونية، بالدعوة الى تقصير ولاية رئيس الجمهورية. عند هذا الحدّ يقتضي وقف السجال.
يؤكد رئيس الجمهورية ميشال عون أنه ليس في وارد القبول بتمديد ولايته، أياً تكن الجهة التي تنادي به، ولا التفكير في ذلك حتى. يوم انتخابه قبل أربع سنوات، أقسم على احترام الدستور وتطبيقه، ولن يذهب مذهب الذين تلاعبوا به من قبل. يذهب الى أبعد من ذلك بالقول: «ما دمت أحرص على صلاحياتي الدستورية وأتمسك بها، وأضع حداً لأولئك الذين اعتادوا الاعتداء على صلاحيات رئيس الجمهورية، أو على بنود سواها في الدستور، حريّ أن أكون أول المتمسكين بنصوصه واحترام تطبيقها، وعدم السماح بالنيل منها. ردود الفعل على غلطة طرح التمديد الذي لا أوافق عليه، لا تتوخى عند البعض سوى استغلال هذا الموقف للتصويب في منحى مغاير. سوى ذلك، لا نزال في الثلث الثالث من الولاية. بكير بعد على الذين يعتمدون على كوابيسهم.
يضيف عون: «تمسُّكي بالدستور وبصلاحياتي خصوصاً هو الذي يمنع محاولة فرض حكومة غير متوازنة، أو التعرّض لصلاحيات رئيس الجمهورية. هناك مَن لم يعتد على احترام صلاحيات الرئيس. لكن ثمة مَن لم يُلمّ بها ويريد الآن فرض إرادته أو يتصوّر أنه قادر على ذلك. أيام الحقبة السورية تعوّدوا على غازي كنعان يؤلف لهم الحكومات، ويقبلون بالحصص، وبمَن يسمّيه لهم ويدّعون أنهم طبقوا الدستور وألّفوا الحكومات. اليوم، يريدون أن يفعلوا الأمر ذاته من دونه. في أحد اجتماعاتي مع الرئيس سعد الحريري، قال لي إنه الرئيس المكلف، وهو مَن يؤلف الحكومة كلها. طبعاً هذا لم أسمح به قبلاً، ولا الآن. بحسب المادة 53، رئيس الجمهورية شريك أساسي في تأليف الحكومة، وفي الموافقة على كل اسم مرشح للتوزير، لأن مسؤوليتي كرئيس الجمهورية أن أحافظ على التوازن داخل الحكومة. المسؤولية مشتركة لا أحد يستأثر بها. من دون احترام التوازن وما أسمّيه المعايير الموحدة لن أوقّع مرسوم حكومة».
عندما يُسأل عن المسار الذي أضحى عليه تأليف الحكومة، في ظل انقطاع التواصل بينه وبين الرئيس المكلف، يقول رئيس الجمهورية: «لا حاجة الى أن أدعوه كي يأتي الى هنا. قلت له قبلاً أهلاً وسهلاً به في بعبدا، عندما يريد أن يأتي ومعه مشروع حكومة غير الذي أتى إليّ به في آخر اجتماع بيننا في 23 كانون الأول. أتى بمسوّدة من 18 وزيراً، غير متوازنة، رفضتها. عندما يفكر في صيغة جديدة، أبواب بعبدا مفتوحة للرئيس المكلف. أما إذا أصر على مسودته تلك، فالأمر شأنه هو».
«في البداية، اعتقدنا أن تباطؤه في التأليف مردّه الى قلقه من إقدام الرئيس دونالد ترامب قبل انتهاء ولايته على عمل يستهدفه هو ويعرّضه لعقوبات، في حال سمّى وزراء يرضى بهم حزب الله. في ما بعد، اكتشفنا أن المشكلة ليست هنا. أصبحت في تسمية الوزراء المسيحيين. في المرة الأولى، قال لي سمِّ الوزراء المسيحيين التسعة. سألته عن توزير سليمان فرنجية، فأجاب أنه يتدبّر الأمر معه. سمّيت، فذهب وعاد بموقف معاكس. من الطبيعي أن يسمّي رئيس الجمهورية الوزراء المسيحيين بسبب إحجام الأفرقاء المسيحيين عن المشاركة، إضافة الى رفض الرئيس المكلف أي دور للكتلة المسيحية الكبرى وأكبر كتلة في مجلس النواب التي يترأسها النائب جبران باسيل. مع ذلك قلت له دعه جانباً، وسأتفاوض أنا معك. اخترع الثلث +1 على أنني أطالب به. هذا غير صحيح، ولم أطالب يوماً بالثلث +1 لأن إرادة التعطيل عندما تتكوّن لا تقتصر على فريق واحد، بل أكثر من فريق وربما ائتلاف أفرقاء. فريق واحد لا يسعه التعطيل، ولدينا من الماضي القريب أمثلة وفيرة. طالبت بستة وزراء، أي خمسة +1. هذه حصة التمثيل وليست حصة التعطيل. أتاني رداً على تمسكي بتمثيل المسيحيين للسبب الذي ذكرتُ، أنه هو الذي يريد أن يسمّي لي الوزير المسيحي السادس المحسوب على حصتي.
عندما تسأله عن الوزراء الشيعة، يقول إنه متفاهم مع الرئيس نبيه برّي على وزارة المال، ومع حزب الله على وزرائه. في النتيجة يسمّي وليد جنبلاط وزيره، والشيعة وزراءهم، وحزب الطاشناق وزيره، وسليمان فرنجية كذلك، والحريري يسمّي الوزراء السنّة، ويريد أن يكون شريكاً في تسمية الوزراء المسيحيين. هذا ما لا يمكن القبول به، لأنه يخلّ بالتوازن داخل الحكومة».
في اجتماعهما الأول في 24 تشرين الأول، اقترح الحريري على عون تسمية الوزراء المسيحيين التسعة. ففعل. ذهب وعاد في اليوم التالي 25 تشرين الأول حاملاً معه تسعة أسماء سواها. وكان في 2 أيلول قد جاء الى الرئيس باقتراح جديد هو وزير واحد للدفاع والمهجرين يسمّيه عون، ناهيك بوزارة الداخلية. في 9 كانون الأول الفائت أتى الحريري بلائحة من خمسة وزراء مسيحيين من تسعة، بينهم أنطوان إقليموس للدفاع وفاديا كيوان للثقافة وعبده جريس للتربية والتعليم العالي ووليد نصار للرياضة، اختارهم الحريري بنفسه، فرفض عون.
يعقّب رئيس الجمههورية: «ما إن يذهب حتى يعود باقتراح مغاير لما سبقه. حصل ذلك في 13 اجتماعاً بيننا. لا يريد تأليف الحكومة. سايرناه في حكومة من 18 وزيراً. يبدو أنه لا يراها إلا كما يريدها هو. لن نتحدث من الآن فصاعداً إلا في حكومة من 20 بإضافة وزيرين درزي وكاثوليكي».
أحد عروضه لي حقيبتا المهجرين والإعلام اللتان سبق أن اتخذنا قراراً بإلغائهما. عندما كُلّف قال إنه مع مداورة الحقائب، ثم أخرج حقيبة المال من المداورة. بعدما وافق على حصول رئيس الجمهورية على حقيبة الداخلية عاد الى المطالبة بها لنفسه، إضافة الى إصراره على حقيبة العدل التي تضع القضاء بين يديه. لم أعد أفهم عليه. ما يريده اليوم هو غير ما سيطلبه في اليوم التالي. طبعاً أريد حكومة جديدة تكمل السنتين الأخيرتين من الولاية، لكن ليس كيفما كان، أو حكومة تخلّ بالتوازن، أو تعطي المسيحيين حقائب ثانوية، أو تتجاهل موقع رئيس الجمهورية ودوره وصلاحياته. لن أفرّط بما أنجزناه خلال السنوات الأخيرة، بجعل الفريق المسيحي شريكاً فعلياً وليس صنيعة الآخرين الذين يفرضون مشيئتهم عليه. هنا مصدر صلاحياتي الدستورية ومسؤولياتي السياسية».
الرئيس أن يكون قد فكّر في التخلي عن الحريري كرئيس مكلف، أو دفعه الى الاعتذار: «لكن ذلك لا يعني أن أوافق على كل ما يطرحه. يقتضي توافقنا على تأليف الحكومة لأن مرسومها يصدر عن الرئيسين
يوقّع رئيس الجمهورية منفرداً مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء، والاثنان معاً يوقّعان مرسوم تأليف الحكومة. ذلك يعني مسؤولية دستورية مضاعفة لرئيس الجمهورية حيال أي حكومة يوقّع مرسومها».
أنا شريك فعلي في التأليف. ليس هو مَن يعطي كما لو أنه صاحب الحق، بل نحن الذين نأخذ. يكسر المداورة في مكان ويتمسك بها في مكان آخر، ويقول لنا لا تقربوا من المال ولا من الداخلية ولا من العدل. يوزّع الحقائب كيفما يشاء. أريد التعاون معه، لكن هو الذي لا يريد».
ليس سراً أن أولى إشارات عدم التعاون والثقة بين الرجلين، بدأت يوم أسرّ الرئيس المكلف الى رئيس الجمهورية رغبته في صرف النظر عن التحقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان. سأله عن سبب معارضته، فإذا جواب الحريري مباغت: «كي تحصل الحكومة على الثقة في مجلس النواب، ينبغي صرف النظر عن التحقيق الجنائي. الرئيس برّي ووليد جنبلاط لا يمنحان الحكومة الثقة في ظل التحقيق الجنائي».
من دون التحقيق الجنائي كأن شيئاً من الإصلاح لم يحدث في اعتقاد رئيس الجمهورية. حصوله قبل سواه، أو متقدّماً على سواه، يعني الكثير من التفاؤل بالنسبة الى المستقبل. لذا لا يتردّد في أن يعزو واحداً من الأسباب المفتعلة لتأخير تأليف الحكومة ــــ فضلاً عن الشروط التعجيزية ــــ الى صرف الانتباه عن التحقيق الجنائي.
المصدر: الأخبار