عَ مدار الساعة


قرار رفع الدعم عن السلع أُتخذ.. والترشيق واجهة لتجميل التداعيات الكارثية


– جاسم عجاقة.. وتحضير الشعب ذهنياً ونفسياً للمصاعب الحياتية –


ما حصل في جلسة اللجان المُشتركة (المال والموازنة، والعدل والإدارة، والإقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط والصحة العامة والعمل والشؤون الإجتماعية) الأسبوع الماضي والتي كانت مُخصّصة لدراسة الدعم كما والإحتياطي الإلزامي، كان تغطية لقرار رفع الدعم الذي تمّ إتخاذه من قبل القوى السياسية. هذا ما قاله مصدر في إحدى الأحزاب الكبيرة، مُضيفًا إن المُشكلة تكمن في من له الشجاعة في إعلان هذا الأمر.

عبارة «الدعم» التي تُستخدم في الخطاب السياسي والإقتصادي، لا تعكس ما يقوم به مصرف لبنان. فالدعم هو نتاج السياسة المالية للحكومة حيث يتمّ رصد قيمته في الموازنة العامّة كلّ عام للعام المُقبل من خلال قرار تحميل الخزينة العامة قسما من كلفة إستهلاك بعض السلع والبضائع ذات الطابع الإجتماعي. ما يقوم به مصرف لبنان، لا يدخل في خانة الدعم بل هو تأمين الدولارات لشراء السلع والبضائع والخدمات المُستوردة على سعر الصرف الرسمي وسعر المنصة الإلكترونية. هذا المال يأتي من إحتياطات العملات الأجنبية للمصرف المركزي والتي تحوي ودائع المودعين.

مع وصول إحتياطات مصرف لبنان إلى مستوى الإحتياطي الإلزامي أي ودائع المصارف الإلزامية في المصرف المركزي وبالتالي أموال المودعين، أصبح تأمين الدولارات لشراء السلع والبضائع والخدمات مُهمّة شبه مُستحيلة مع تفاقم الضغط الأميركي على الطبقة السياسية اللبنانية.

وبالتالي، أخذت القوى السياسية بدراسة الحلول المُمكنة أمامها ومن بينها:

أولا– تشكيل حكومة قادرة على القيام بإصلاحات تسمح بإستكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولي وبالتالي إدخال الدولارات إلى القطاع المصرفي وهو ما سيسمح، مع هيكلة الإقتصاد، بالإستمرار بسدّ حاجة السوق الداخلي. هذا الخيار يبقى رهينة الوضع السياسي الذي من الواضح أنه أصبح حلا صعبا والراجح أنه خرج عن سـيطرة القوى السـياسية.

ثانيًا- إستخدام الاحتياطي الإلزامي من خلال تحرير قسم منه. هذا الإحتياطي الإلزامي يُشكّل 15% من أموال المودعين بالعملات الصعبة، وبالتالي فإن تحرير قسم من هذا الإحتياطي يفرض إعادة الأموال إلى المصارف ومنهم إلى المودعين لا لما يقال عنه دعم للسلع. مما يعني إستحالة إستخدامه لشراء السلع والبضائع نظرا إلى أن المُلكية الخاصة لها قدّسية في الدستور اللبناني. وهنا يبرز السؤال الكبير، على أي شيء استندت القوى السياسية في ترجيحها خفض مستوى الاحتياطي، وهل يحق للمصرف المركزي استعمال هذه الأموال في حال اتخذ هكذا قرار التصرف به، واستنادا على أي اجتهاد؟

ثالثا– بيع قسم من الذهب الذي يمتلكه مصــرف لبنان والذي يتواجد ثلثــاه في المصــرف المركزي بحسب تصريح حاكمه رياض سلامة. هذا الأمر يفرض تعديل القانون 42/86 (منع التصرّف بالموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان) وهو إنتحار في ظل غياب حكومــة وخطّــة للنهوض الإقتصادي والمالي. وهذا إذا حصل يصنف في خانة تراكم القــرارات الخاطــئة «Escalation of duties».

رابعا- وقف التهريب للسلع والبضائع المدعومة وترشيد عدد المدعوم منها وتمويل هذا الدعم من خلال إلزام المُصدّرين (صناعيين ومزارعين وتجّار) إلى إعادة الأموال إلى القطاع المصرفي، من خلال مراقبة جهة الأموال الحاصلة جراء عمليات التصدير التي تستفيد في قسم منها هذه الجهات في شراء المواد الأولية بدعم من الخزينة، مما يسمح بتغطية كلفة الإستيراد من خلال هذه الصادرات. إلا أن هذا الخيار لم يتمّ وضعه على طاولة المشاروات على الرغم من بعض الأصوات التي نادت به، وهذا يفتح بابا عريضاً للمساءلة التي قد ترقى إلى الاتهام.

إن صعوبة هذه الحلول أو استحالة العمل ببعضها في الوقت الراهن دفع القوى السياسية إلى إعتماد حلّ خامس وهو رفع الدعم عن الإستيراد. هذا الأمر سيؤدّي حتماً إلى ثورة سيكون بدون أدنى شكّ ثمنها السياسي كبيرا جدا. من هنا تم العمل على إيجاد تخريجة تنصّ على رفع الدعم تدريجيا في قطاع المحروقات (بالدرجة الأولى) وفي القطاع الغذائي على أن يتمّ الحفاظ على جزء من الدعم للأدوية وبعض المواد الغذائية الأساسية.

هذا الأمر يعني أن الأسعار سترتفع تدريجيا (وهذه هي التخريجة) مع رفع الدعم رويدا رويدا إلى أن يصبح الإستيراد بالكامل بالدولارعلى سعر السوق، والتعويل السياسي في ذلك على التكليف التدريجي للعبء بحيث يصبح الشعب حاضراً ذهنياً ونفسياً للمصاعب الحياتية، وهو ما تراهن عليه الطبقة السياسية لتخفيف وطأة الاحتجاجات الشعبية. والحق يقال، إنها إلى الآن نجحت في هذا الأسلوب إلى حد كبير وغير متوقع.

مصدر إحدى الأحزاب الكبيرة قال إن التخريجة هذه تمّ تسليمها إلى رئيس الحكومة المُستقيلة الرئيس حسان دياب بعد فشل إلقائها على حاكم المصرف المركزي الذي اختار عدم الحضور موفداً ممثلا له ويقال إن ذلك كان بناء على توصيات نيابية. على كلٍ، يلتئم اليوم عدد من الوزراء في إجتماع برئاسة الرئيس حسان دياب وحضور المجلس المركزي للمصرف المركزي للبحث في الحلول المطروحة على أن يخرج عن الإجتماع قرار يتبنّى ترشيق الدعم.