إِنطلقت الحملة الفرنسيّة من “ليفربول” في 31 آب 1940، وكان الجنرال شارل ديغول، مع قسمٍ مِن الوحدات الفرنسيّة، وهيئة أَركان حربٍ مُصغّرةٍ، على ظهر الـ Wester Land، وهي تحمل العلم الفرنسيّ إِلى جانب العلم الهولّنديّ. وكان موفد ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطانيّ، الجنرال سبيرز، إِلى جانب ديغول في الحملة الّتي تقدّمت على رُغم المصاعب والأَخطار المُحدقة!.
وفي 23 أَيلول كان الأُسطول وسط ضبابٍ كثيفٍ، أَمام “دكار” الّتي حاول ديغول التّقرُّب مِن أَهاليها، وأَعطى أَوامره إِلى طائرات “فرنسا الحُرّة”، لتُحلّق في الجوّ مُلقيةً “نشرات الصّداقة”، إِلى جانب الطّائرات الإِنكليزيّة. ولكن على رُغم ذلك، فقد أُطلقت المدفعيّة في اتّجاه الطّائرات. وكذلك حدثت صداماتٌ عدّة بين الطّرفَين، ما كان الجنرال ديغول راضيًا البتّة عنها.
وبعد اجتماعاتٍ إِنكليزيّةٍ – فرنسيّةٍ عدّة، تقرّر وقف القصف موقّتًا، حتّى يتمّ الاستعداد لاحقًا، لهجومٍ على الموقع في البرّ، بحسب ما اقترح ديغول الّذي كان يُردّد دائمًا: “مهما حصل، فإِنّ فرنسا الحُرّة ستستمرّ”.
غير أَنّ ونستون تشرشل تلقّى رسالةً لمُتابعة الحرب، فوقعت معركةٌ قاسيةٌ كانت أَضرارها جسيمةً. وقرّرت الحُكومة الإِنكليزيّة إِذّاك، وقف الهجمات، فيما اتّهمت الصّحافة ديغول في “الإِخفاق في هذه المُحاولة العسكريّة”.
وتُعتبر “معركة دكار” مرحلةً مُهمّةً لا بُدّ مِن التّوقُّف عندها، في سياق الحديث عن تحرير فرنسا. فالأَحداث قد تطوّرت كثيرًا… وعلى إِثر ذلك، أُعلن التّعاون رسميًّا بين حُكومة فيشي الّتي دعت إِلى الاستسلام حفاظًا على الحجر في باريس، و”العدوّ” الأَلمانيّ. وتُعتبر هذه الخُطوة بالغة الأَهميّة، لأَنّها ساهمت في تغيير الوضع الدّاخليّ في فرنسا على الشّكل الآتي: كانت ثمّة قيادةٌ عسكريّةٌ رافضةً للاحتلال، وقد وقفت في وجه الحُكّام. ولكن بعد التّعاون بين “فيشي” والأَلمان، باتت الحُكومة حُكومتَين اثنتَين: الأُولى عزمت على الاستسلام، والثّانية تعمل على التّحرير. ووجد ديغول نفسه أَمام أَسبابٍ كثيرةٍ، جعلته يتنكّر نهائيًّا لـ “حُكّام فيشي”، ما منحه الحقّ المشروع في إِدارة مصالح فرنسا، ومُمارسة صلاحيّات الحُكومة في الأَراضي الحُرّة. وبهذه السُّلطة كمبدإٍ وغايةٍ، تعهّد الجنرال ديغول علانيّةً بأَنّ الحساب آتٍ، بعدما يستردّ الشّعب الفرنسيّ حريّته… فمن أَجدر منه بتصفية حساباته الدّاخليّة؟. وكيف يُمكن أَن تتمّ هذه الحسابات، مع وجود الاحتلال الأَلمانيّ لفرنسا؟.
وأَنشأَ ديغول “مجلس دفاع الإِمبراطوريّة”، لمُساندته في المهام التّحريريّة. ومِن صُفوف هذا المجلس نذكُر الجنرالات: Catrou، و Cassan، و Le Clair وغيرهُم. وقد وجّه المجلس مُذكّرةً في الخامس من تشرين الثّاني 1940، إِلى الحُكومة البريطانيّة، تضمّنت قرارًا نهائيًّا في شأن موقف فرنسا الحُرّة مِن حُكومة فيشي، والطّلب إِلى الحُلفاء تأييد هذا الموقف. وفي 17 تشرين الثّاني ترك ديغول أَفريقيا الفرنسيّة، وسافر إلى لندن.
لقد عزم الجنرال ديغول في تلك الفترة، على تشكيل الجيش الفرنسيّ في أَفريقيا، ومنها فكّر في الدّخول إِلى أَرضه الفرنسيّة وتحريرها. لقد عوّل كثيرًا على دور “القوّات السّريّة” في المُساهمة في الواجب الوطنيّ.
إِنطلاقًا من ذلك، بدأ تنظيف صُفوف “جيش فرنسا الحُرّة”، بمُساندة الحُلفاء الّذين مدّوا هذا الجيش بالأَعتدة والعناصر والضُّبّاط، وعزّزوا قُوّاته المُسلّحة.
ومِن المعارك الكثيرة الّتي خاضها الفرنسيّون، نذكُر معركةً بدأَت ليل 11 – 12 أَيّار 1944، هاجم فيها جيش الحملة الفرنسيّة، جبال “أورونسي”، مِن أَعلى قمّةٍ، أَي من المكان الّذي لم يكُن في حسبان الأَلمان أن يتسلّل الفرنسيّون منه. وكانت النّتيجة اختراق المركز الألمانيّ من طرفٍ إِلى الآخر!.
وبعد نجاح هذه الخطوة التّحرُّريّة، قرّر قائد الحملة العسكريّة الفرنسيّة انتزاع مُنحدرات جبل “ماجو”، ذاك المكان الّذي كان يُؤمّن التّغطية لأَجهزة الدّفاع الأَلمانيّ كلّها. وقد رسم الجنرال الفرنسيّ خطّةً للإِقدام على هذه الخطوة في هدأَة اللّيل، حين كان ثمّة مُقاومون فرنسيُّون يحيكون خُيوط فجر التّحرير!. وللحديث صلة.
رزق الله الحلو – صحافيّ وخبير تربويّ
- “صانعو التّحرير في العالم”: سلسلة مقالاتٍ يعرضها تزامُنًا موقعا “أَغوراليكس” و”Arabic Academy Award”، منقولةٍ عن البرنامج الّذي حمل العُنوان نفسه، وبثّته “الإذاعة اللّبنانيّة” – الفنار، خلال العامين 1989 و1990. مع تحيّات النّاشرين: “جائزة الأَكاديميّة العربيّة”.