عَ مدار الساعة


صانعو التّحرير 1 – صباح فرنسا الأَسود في 14 حزيران 1940

  • جوزيف غريّب

“صانعو التّحرير في العالم” – مُخرج البرنامج

“الإذاعة اللُّبنانيّة” – الفنار – 1989.

***

   مُنذُ وجد الإِنسان، فكّر في الحُريّة والاستقلال.

   وحين تأَسّست الدُّول، صارت الكُبرى منها، تُحاول السّيطرة على الدُّول الصّغيرة والضّعيفة.

   غير أَنّ وراء كُلّ دولةٍ صغيرةٍ، شعبًا قويًّا، صاحب إِرادةٍ قويّةٍ، وهو مُتمسّكٌ بالحُريّة…

   شعبٌ كُلّما كبُرت عليه المصيبة، كُلّما اشتدّت معنويّاته، وصرخ بأَعلى صوته:

“كُلّنا للوطن!…”

   بهذه المُقدّمة الّتي شكّلت “جنريك” البداية، كُنّا نستهلّ حلقات صانعي التّحرير في العالم، على أَثير “الإِذاعة اللُّبنانيّة”، لنيّفٍ وثلاثة عقود خلت. وإِليكم الحلقة الأُولى عن فرنسا…

رزق الله الحلو

“صانعو التّحرير في العالم” – المُعدّ والمُقدِّم.

   في 14 حزيران 1940، أَفاق الشّعب الفرنسيّ على صدمةٍ، أَقلّ ما يُمكن أَن يُقال فيها إِنّ الفرنسيّين لم يعتادوا عليها… باريس مدينةٌ مفتوحةٌ… الجيش الأَلمانيّ في فرنسا… ورجال الحُكومة هربوا إِلى تور (Tour).

   صدمةٌ كبيرةٌ، بيد أَنّ على الشّعب الفرنسيّ أَن يتقبّلها!…

   على رُغم وجود عُصبة الأُمم المُتّحدة الّتي نصّ ميثاقها على المُساواة بين الدُّول، وضمان استقلالها، واحترام بعضها البعض… وعلى رُغم انعقاد “بروتوكول جنيف” سنة 1924، و”ميثاق لوكارنو” (1925)، و”ميثاق كيلوغ بريان” (Briand Killog) (1926)، ومُحاولات الحدّ من صناعة السّلاح البحريّ في مُؤتمرات واشنطن ولندن، واعتراف أَلمانيا عملًا بـ “ميثاق لوكارنو” بحُدود فرنسا… فقد نفّذ أَدولف هيتلر هجومًا عظيمًا، خرق خلاله أَيضًا حياد هولندا وبلجيكا.

مواثيق وبروتوكولات

   عُصبة الأُمم (بالإِنكليزيّة: League of Nations؛ وبالفرنسيّة: Société des Nations)، هي مُنظّمة دوليّة أُسّست بعد الحرب العالميّة الأُولى، للتّقليل مِن التّسلُّح عالميًّا، وفكّ النّزاعات قبل أَن تتطوّر لتُصبح نزاعًا مُسلّحًا كما حدث في الحرب العالميّة الأُولى. وقد أَثبتت المُؤسّسة فشلها في مُواجهة القوى الفاشيّة في العالم، ومنعها وقوع الحرب العالميّة الثّانية، ما تطلّب استبدالها بهيئة الأُمم المُتّحدة بعد الحرب العالميّة الثّانية.

   و”بروتوكول جنيف” هو اتّفاقٌ لحظر الاستعمال الحربيّ للغازات الخانقة أَو السّامّة أَو غيرها من الغازات والوسائل البكتريولوجيّة، وبالتّالي حظر استخدام الأَسلحة الكيميائيّة والبيولوجيّة في النّزاعات المُسلّحة الدّوليّة. ووقّع البروتوكول في جنيف (سويسرا) في 17 حزيران (يونيو) 1925، ودخل حيّز التّنفيذ في 8 شباط (فبراير) 1928. ولاحقًا قدّمت دُولٌ عدّة، تحفظاتٍ عندما أَصبحت أَفرقاء في “بروتوكول جنيف”، مُعلنةً أَنّ الالتزامات تنطبق على الأَفرقاء الآخرين، ومِن شأن هذه “الالتزامات”، توقيف تطبيق استخدام أَسلحةٍ محظورةٍ ضدّهم. غير أَنّ لا بُدّ مِن الإِشارة إِلى أَنّ العناصر الرّئيسيّة لـ “بروتوكول جنيف”، باتت الآن تُعتبر جزءًا مِن “القانون الدّوليّ العُرفيّ”.

   وأَمّا “ميثاق لوكارنو”، فهو معاهدةٌ سياسيّةٌ مِن سبعة اتفاقات تمّ التّفاوض عليها في مدينة لوكارنو الواقعة في سويسرا، حيث بدأَت مراحل التّفاوض منذ 5 إِلى 16 تشرين الأوّل (أُكتوبر) 1925، ووقّعت رسميًّا في لندن في 1 كانون الأوّل (ديسمبر). وقد سعت القوى الأُوروبيّة المُنتصرة في الحرب العالميّة الأُولى، من خلال هذه المُعاهدة، إِلى تسوية الوضع الإِقليميّ بعد الحرب، وكذلك تثبيت “معاهدة فرساي”، إِضافةً إِلى إِعادة تطبيع العلاقات رسميًّا مع أَلمانيا الّتي خسرت الحرب آنذاك، ما أَدّى إِلى تحوّلها إِلى “جمهوريّة فايمار”، كما وأَن المُعاهدة نصّت على أَنّ أَلمانيا لن تدخُل في حروبٍ مرّةً أُخرى.

   وصولًا إِلى “ميثاق كيلوغ بريان”، وهو ميثاقٌ وقّعته 15 دولة في باريس في العام 1928، ودخل حيّز التّطبيق في 1929. وينصّ في مادّته الأُولى على استنكار الدّول الموقعة عليه اللّجوء إِلى الحرب لتسوية الخلافات الدّوليّة. وقد صادقت 57 دولةً لاحقًا على الميثاق.

   وكان وزير الخارجيّة الفرنسيّة أَريستيد بريان، اقترح في 6 نيسان (أبريل) 1927 ، خلال خطابٍ يُخلّد الذّكرى العاشرة لدُخول الولايات المُتّحدة الحرب العالميّة الأُولى، على نظيره الأَميركيّ فرانك بيلينغز كيلوغ، ميثاقًا يضع الحرب خارج القانون. وقد استُخدم “ميثاق كيلوغ بريان” كأَساسٍ خلال “محكمة غرداية”، لتوجيه تُهمة “جريمةٍ ضدّ السّلام”.

الصّباح الأَسود

   لم يكُن في مقدور الفرنسيّين في تلك اللّحظة، استيعاب ما صحوا عليه في 14 حزيران 1940. هُم الّذين أُخذوا بالمواثيق والبروتوكولات فأُخذُوا غدرًا، على غفلةٍ من الالتزامات الدّوليّة. وقد انقسم الفرنسيّون إِذّاك فريقَين اثنَين: مُعظم الرّأي العامّ المذهول مِن وقع المصيبة، كان مُؤيّدًا للماريشال بيتان، ولخطوة الاستسلام حفاظًا على سلامة المباني وصونًا للحجر… ولكن ثمّة مواطنون آخرون رفضوا الرُّضوخ لهتلر، وأَيّدوا فكرة الاستمرار في الحرب حفاظًا على سلامة الوطن والشّعب… فأَطلقوا على لسان الجنرال شارل ديغول شعارهُم: “خسرنا المعركة ولكن ما خسرنا الحرب!” وبعد هذا القول التّاريخيّ، ابتدأت المقاومة الفرنسيّة، وللحديث صلة…

رزق الله الحلو

صحافيّ وخبير تربويّ