ما بين ترامب وبايدن… أين العالم ؟ (الناشط السياسي إيلي حنّا)

بين الصراعات الداخليّة والتناقضات في سياسة ترامب الخارجيّة، خرج بايدن منتصراً من إنتخابات رئاسيّة لم تزل موضع شكّ بين أوساط الرّئيس الحاليّ، خرج بخطاب المنقذ لما تبقّى من روحيّة الولايات المتحدة الأمريكيّة، بحسب قوله.

بين ترامب القوي الذي لا مجال لمنافسته أمس، وترامب الذي خسر الإنتخابات الرئاسيّة اليوم، أداء سياسي متغطرس وثقة زائدة بالنفس وعوامل داخليّة وخارجيّة أدّت إلى هذا التحوّل الكبير .

خارجيّاً، إعتاد ترامب على التعامل بفوقيّة مع حلفائه، مما أدى إلى إتَّساع الهوّة بينه وبينهم خصوصاً بعد سنوات من “الإزدراء وأحاديّة الجانب الأمريكي”، فحلفاء واشنطن في أوروبا مثلاً، توقّفوا عن النظر إليها كقيادة، وفقدوا ثقتهم بأنّ ترامب سيقدِّم لهم شيئاً بحسب الصحافيّ “ستيفن إرلانغر”.

إتّخذ الرّئيس الجمهوريّ، قرارات شعبويّة مفاجئة، وانسحب من بعض المعاهدات والإتفاقيّات الدوليّة مما زاد إستياء الأوروبيين من طريقة حكمه، فقد إنسحب من الإتفاق النووي ومن إتفاقيّة باريس للمناخ، كما أعلن إنسحابه المفاجىء من منظمة الصّحة العالميّة والتوقّف عن تقديم الدّعم المالي لها بأوجّ أزمة كورونا التي فتكت بأمريكا والعالم.

أما دول الخليج التي كان قد وقّع معها ترامب بداية عهده إستثمارات وعقود بمئات مليارات الدولارات، لم تسلم أيضاً من فوقيّته، فقد إستغلّ أغلب إطلالاته لإنتقادها والإستهزاء بحكّامها.

بالمقابل، تعامل ترامب بمزاجيّة مع الخصوم فهو لم يهاجم روسيا يوماً، وذهب مع كوريا الشماليّة إلى حدّ المهادنة، أما إيران فشدّد العقوبات الإقتصاديّة المفروضة عليها وإنسحب من الإتفاق النّووي (٥+١) الذي وقعته الولايات المتحدة برئاسة أوباما والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا من جهة مع إيران من جهة أخرى، لنصل أخيراً إلى الصين التي أخدت الجزء الأكبر من حملته الإنتخابيّة، فقد جعل من مهاجمتها إعلاميّاً “شغله الشّاغل”، حتى أنّه توعّد بمحاسبتها ومقاضاتها خصوصاً بعد تفشّي فايروس كورونا COVID-19 الذي ظهر لأوّل مرّة في مدينة “ووهان” الصينيّة.

أما بالنسبة للشرق الأوسط، كان إعلان صفقة القرن والقدس عاصمة لإسرئيل ونقل السّفارة الأمريكيّة إليها من أبرز إنجازاته، كما رعت أمريكا بقيادته عدّة إتفاقيّات سلام بين الدّول العربية وإسرائيل وما زالت تدير اليوم مفاوضات ترسيم الحدود البحريّة التي تجري بين الجانبين اللّبناني والإسرائيلي.

في مقلب آخر، وعد ترامب بالإنسحاب من سوريا ولكنّه فشل بسبب خسارته الإنتخابات وموعد الإنسحاب كان مطلع الولاية الجديدة.

داخليّاً، حقّق ترامب ما حقّقه من نموّ إقتصادي وتأمين فرص عمل وجلب الإستثمارات الجديدة، أي أنّه نجح في الملفّ الإقتصادي وحقّق الكثير من وعوده الإنتخابيّة ومازال يعمل على إتمام بعضها، فقد ذكر موقع “أكسيوس” الأمريكي أن القائم بأعمال الكونغرس الكولونيل “دوغلاس ماكريغور” عُيِّنَ مستشار لوزير الدفاع بالإنابة “كريستوفر ميللر” في إشارة إلى أنّ الإدارة الأمريكيّة تنوي تعجيل الإنسحاب من أفغانستان قبل نهاية هذا العام.

صحيّاً، لم تجري الرّياح كما تشتهي سفن ترامب، فخطوة إلغاء النظام الصحيّ المعتمد “OBAMACARE”، وبهدف متابعة السياسة العكسية لأوباما ليس إلّا، إرتدّت على الرئيس شعبيّاً، وفشل في إدارة أزمة كورونا لأنّه لم يمنح هذا الملف الأهميّة المطلوبة وإكتفى في بداية الأمر بالإدعاء أنّ كورونا بدعة صينيّة للقضاء على حُكمه، فكانت النتيجة مأساويّة بالأخص على الملف الإقتصادي الذي كان يعتبر ركن أساسي في حملة ترامب.

من ناحية أخرى، أجّج ترامب الخلافات العرقيّة وحرّض البيض المتطرّفين على المواطنين من أصحاب البشرة السمراء، وبالأخص بعد حادثة مقتل “جورج فلويد” وإندلاع المظاهرات والإحتجاجات في الشّوارع الأمريكيّة، ولجوء ترامب للجيش والشّرطة لقمع المتظاهرين بطريقة وحشيّة.

كلّ ما ذُكِر جعل من جو بايدن الذي كان المنافس الأضعف لترامب في بداية السِّباق الرّئاسيّ، منافساً شرساً، يستغلّ كلّ أخطائه وهفواته للإنقضاض عليهِ وعلى حلمه بالتجديد لولاية ثانية، فبات ترامب الطامح لتعديل القانون ومنح الرئيس الحق بالتّرشح لولاية ثالثة، خارج البيت الأبيض بعد ولايته الأولى..

ومع إنتقال الرّئاسة إلى بايدن، لا بدّ من التكلّم سريعاً عن بعض الملفّات ورؤيته لطريقة معالجتها.

فعكس ما كان يحلّل البعض، لن يعادي الرئيس الجديد المملكة السعوديّة بل يتطلّع لعلاقة جيّدة معها ومع دول الخليج، وما قيل عن دعمه للإخوان المسلمين كما فعلت إدارة أوباما لم يكن دقيقاً، كما ينوي العودة للإتفاق النّووي مع إيران ولكن بشروط وتعديلات جديدة، ومن الممكن أن نرى تقاسم للنفوذ بينه وبين إيران في بعض الدّول الخليجيّة (اليمن مثلاً).

أوروبيّاً، سيعمل بايدن على إعادة بناء ثقة الحلفاء في القيادة الأمريكيّة من خلال الوقوف معهم في نزاعهم مع تركيا، أو بالأحرى مع الرّئيس التركي “رجب طيب أردوغان” الذي يعمل على توسيع نفوذه وإعادة أمجاد السلطنة العثمانيّة.
فكما بات معلوماً، أصبح السّلطان أردوغان عبئاً على أوروبّا، فهو يشكّل خطراً على أمنها، وعينه على المتوسّط لأهميّته الجيوسياسية عدا عن تدخّلاته في سوريا والعراق واليمن… فأضحى من الضروري وضع حدّ لتصرّفاته بأي شكل من الأشكال.

ولكي ننهي الملفات الخارجيّة، يدعم بايدن حلّ الدولتين بين فلسطين وإسرائيل، وسيكمل رعاية إتفاقيات السّلام مع العرب.

أمّا في الدّاخل، فإصلاح كلّ ما أفسدتهُ إدارة ترامب هو أولويّة، وسيبذل جهده لإعادة الوحدة إلى الصفوف الأمريكيّة، بعدما فرّفقها خطاب ترامب العنصري، علّهُ يعيد روحيّة الولايات “المتحدة” الأمريكيّة القائمة على المواطنة.

ولكن،

ماذا لو قام ترامب بضربة عسكرية على إيران وأذرعها في المنطقة ؟

ماذا لو رفض الإنتقال السّلمي للسلطة وأشعل الدّاخل الأمريكي ؟

كلّ الإحتمالات مفتوحة أمام رئيس مثل ترامب، فهل سيعيش العالم بأسره على مزاجه من الآن حتّى يحين موعد تسلّم بايدن زمام الأمور، إذا تسلّم !؟

في الختام، وبعد كلّ ما تقدّم، يسأل المواطن اللّبناني، أين نحن من كلّ هذا ؟

صراحة، لا أرى أحداً في العالم يهتم بالملفّ اللّبناني للدرجة التي تُصَوَّر لنا.

لبنان الذي يغرق يوماً بعد يوم في بحر الانهيار الإقتصادي والغلاء المعيشي، والفساد السياسي.

لبنان الذي لم يعد يحتمل أعباء جائحة كورونا بسبب شحّ المعدات الطّبية وتفاقم أزمة إنقطاع الدواء. كلّ هذا وما زلنا نرى بعض السياسيين المرتهنين ينتظرون إشارة من الخارج لتشكيل حكومة أو للتصويت على قانون ما أو تعيين أي موظّف في منصب شاغر أو إقالة آخر من منصبه.

أليس من حقّنا، لا بل من واجبنا، أن نسألهم اليوم، وماذا بعد !؟