أمين أبوراشد – الثبات –
رَفضُ الإحتفال بميلاد السيد المسيح ورأس السنة الميلادية في بعض البلدان الإسلامية لا علاقة له بالدين الإسلامي، لأن الموضوع يرتبط بأنظمة البلدان وثقافة الشعوب، وفي الوقت الذي تُعتبر فيه هذه الإحتفالات ممنوعة، ومُعايدة المسيحيين بأعيادهم “من فعل الشيطان” في بعض الدول، نجد بلداناً خليجية تسجِّل أرقاماً قياسية ببهرجة الزينة الميلادية وإطلاق المفرقعات من الأبراج العالية مع بزوغ رأس السنة الجديدة، وفي الوقت الذي تُبنى فيه الكنائس ببعض الدول الخليجية أيضاً، نجد أن الصلاة غير الإسلامية في بعض الدول الأخرى مُحَرَّمة حتى ولو كانت صامتة وسرِّية داخل المنزل، وحَمل الإنجيل في المطار عقوبته موازية لِنقل المخدرات.
تزامنَ تبنِّي داعش العمل الإرهابي الكبير في اسطمبول، مع تبنِّي إنفجار النجف، ويليهما الإنفجار الذي حصل شمال بغداد، والعالم الإسلامي بل العالم كُلَّه، يعيش زمن سيطرة الشياطين.وإذا كان المسيحيون قد وصلتهم كل الرسائل منذ بدء “ربيع الإنتحار العربي” وهاجر منهم من هاجر، وتهجَّر من تهجَّر، فإنهم واجهوا مصير سائر الأقليات التي تعرضت للقتل والسحل والسبي والتنكيل والتهجير، والبقية الباقية كُتِب عليها مواجهة مصيرها بتضامن صادق من فئات إسلامية، وبتواطؤ واضح من فئات إسلامية تكفيرية، ومباركة غربية من دول أنكرت كل الأديان وبلغت في علمانيتها حدود الإلحاد المُعلَن، لكن يبقى على المسلمين أن يقرأوا أن رسائل التكفيريين تستهدفهم قبل كل الأقليات.
داعش التي يُدرك المسلمون أنها الخطر المباشر على دينهم ومعتقداتهم، باتت أيضاً وصمة العار التي ترافقهم في أسفارهم، بل هي سِمَة الإرهاب على كل سِمَة أو تأشيرة سفر، وتدفع الجاليات الإسلامية في أميركا والغرب أثمان ما ترتكبه داعش وأخواتها في الشرق والغرب، ولم تتحرَّك لغاية الآن الأنظمة الإسلامية الحريصة على إسلامها، لمواجهة الأنظمة الراعية والداعمة والمموِّلة لحروب الدم والدمار، ولا تحرَّكت المراجع الدينية المعنية بالأمر، خاصة أن شيخ الأزهر قال منذ أقل من سنة أن “تكفير داعش أمرٌ غير جائز لأن أفرادها يؤمنون بالله”!
وإذا كانت داعش مطلباً لأنظمة تدِّعي الإسلام، وأداة شيطانية للإستخدام الإجرامي في سوريا والعراق واليمن، فإن دخول إرهابها المُعلَن الى تركيا هو منتصف الغيث في دفع الأثمان، لكل الأنظمة التي أسالت الدماء وحلَّلت كل الحرام، وإذا كانت تركيا تدعم في شمال سوريا تنظيمات خارجة عن طوع داعش والنصرة، فإن كل هذه التنظيمات انطلقت من أصول واحدة، سواء كانت “وهَّابية” أو من “الأخوان المسلمين”، لأنها جميعها تَعَصرَنت تحت مُسمَّى “القاعدة” ومن القاعدة انطلقت داعش والنصرة وأخواتهما في ثقافة الشيطنة!
الحقيقة التي لا يكترث لها الكثيرون عن تنامي الإرهاب، وردت حرفياً على لسان أحد أبناء أسامة بن لادن المدعو “عُمر”، في مذكراتٍ له ولوالدته “نجوى”، ضمن كتاب “إنه بن لادن” للكاتبة الأميركية “جين ساسون”، ويقول “عُمر” عن المُجاهدين الذين تدفقوا على معسكرات والده في أفغانستان منتصف التسعينات: رغم انتهاء الحرب قي أفغانستان وخروج السوفيات منها نهائياً عام ،1992 استمرَّ المجاهدون في التدفُّق للإلتحاق بجيش بن لادن، ويقول ما اختصاره، “معظم هؤلاء الشبَّان يبدون غريبي الأطوار، ولا يعرفون الكثير عن الإسلام، ويبدو أنهم غادروا بلدانهم والتحقوا بـجيش والده هرباً من أوضاع خاصة بكلِّ منهم في بلده، ..من عاجزٍ عن الزواج لأسباب مادية وفضَّل الهروب من بيئته، الى من أنهى سجنه وهرب من التضييق عليه، ومنهم من ارتكب جنحة أو جناية وهرب من العقوبات، ومنهم لأسباب سياسية أو تهمة الإنضمام لجماعات دينية متطرِّفة!
لا حاجة إذاً لمعرفة حقيقة إنضمام إرهابيين من ثمانين دولة الى داعش، ما دام راتب المقاتل ثلاثمئة دولار، وثمن الإنتحاري سبعين حورية، لأن البيئة التي قدِم منها كلٌّ منهم قد رفضته أو هرب منها لأسباب كثيرة، لكن الأهَمّ، هو في معرفة أن الدول التي قررت إرسال حُثالة أبنائها ومرتكبي الجرائم الى داعش، تهدِف لتنظيف مجتمعاتها من الخارجين على القانون ولو كان عبر أنهار الدماء لدى الآخرين، عسى أن يكتشف العُقلاء من أهل الدين والدنيا وبشكلٍ خاص في تركيا وقريباً جداً في بعض دول الخليج أن الأدوات باتت خناجر مرتَدَّة وأن بعض البنادق تُطلِق الى الخلف …
الرابط الأساسي (إضغط هنا)