📖 كتاب الحرب اللامنظورة – القديس نيقوديموس الآثوسي.
تكون الصلاة الذهنية أو الداخلية، عندما يجمع الانسان ذهنه (النوس) في القلب، ومنه يرسل كل الصلوات إلى الله، ليس بصوت عال، انما بتعابير صامتة، مسبحاً الله وشاكرا عظمته، ومعترفاً بخطاياه بندامة وانسحاق، وسائلاً بركات الله في احتياجاته الروحية والجسدية. على المرء أن لا يصلّي بالكلمات فقط، بل لتكن صلاته بالذهن أيضاً. وليس بالذهن فقط، بل بالقلب أيضاً. وذلك، لكي يبصر الذهن ويفهم، ما يمكن قوله بالكلمات، فيشعر القلب بما يفكر به الذهن. وعندما تلتحم هذه العوامل، فهناك الصلاة الحقيقية. أما إن نقص في هذه الصلاة شيء، فإما أنها تكون ناقصة ومبتورة، أو لا تكون صلاة على الاطلاق.
ولا بد انك سمعت هذه الكلمات: صلاة الكلام، صلاة الذهن، وصلاة القلب. وربما سمعت شروحات عن كل منها على حدة. ما الداعي إلى مثل هذا التقسيم بين مكوّنات الصلاة؟ السبب، هو أننا كثيرًا ما يحدث بداعي تكاسلنا وخمولنا، أن يردد اللسان کلمات الصلاة المقدسة، بينما يكون الذهن منشغلاً بأمر آخر. أو أن يكون الذهن في تمثّل وفهم لكلمات الصلاة، بينها القلب بعيد عن كل استجابة من هذا القبيل. ففي الحالة الأولى تكون الصلاة مجرد كلمات وتمتمة، وليست صلاة على الإطلاق. أما في الثانية، فتكون الكلمات قد ارتبطت بالمعاني الذهنية، وهي ناقصة وغير كاملة.أما الصلاة الأصيلة فهي التي يتضافر فيها عمل اللسان والذهن والقلب معاً.
ثمة صلاة أخرى تدعى المثول في الحضرة الإلهية ، وذلك عندما ينجمع الانسان كله في القلب، فيشرع في التأمل بالله داخلياً، كأنه منتصب أمامه في داخله، فتنساب في المرء أحاسيس خاصة،
- كمخافة الله ، الدهش (الذهول)، أو
- الرضوخ لعظمة الله، أو
- إيمان بمحبته، أو
- رغبة في تسليم له، أو
- انسحاق مع تأهّب لكل بذل وتضحية.
مثل هذه تنجم عن كون الانسان في أعماق الصلاة، وان صلاته هي بالقلب والذهن واللسان. فإن كان أحد يصلي بالطريقة الصحيحة، ولفترة طويلة الأمد، فان مثل هذه الحالات، تتكرّر في داخله، وما تلبث أن تدوم فيه فيكون في حضرة الله دائماً. هذه كانت حالة داوود الذي قال عن نفسه: “جعلت الرب أمامي كل حين لأنه عن يميني فلا أتزعزع” (مزمور ١٥ : ٨)
لذا فإن أردت يا أخي أن تكون صلاتك محمّلة بالثمر الكثير، لا تكتف بالكلامية منها وحسب، بل بادر کي تكون صلاتك بالقلب والذهن أيضاً. اجعل ذهنك يفهم وينتبه لما يُقال. درّب قلبك على التحسّس لما يسمع . والأهم، أن تكون صلاتك من القلب. والتي هي هكذا، تكون كالبرق الذي يتحرك بسرعة نحو السموات . وهكذا تقف صلاتك أمام عرش الله الرحوم، فيستمع إليها الله ويستجيب لها أكثر من سواها. هذه كانت صلاة موسی أيضاً عندما وقف أمام البحر الأحمر ونادی الله فسمع له (خروج ١٤ : ١٥)، ومدّه بالقوة كي يعتق شعبه من الأخطار التي كانت تتهدّدهم.