جيش شعب ومقاومة نموذج يحمي لبنان..
(لكن)
لا يحقّ للفريق الّذي يمثّل حالة المقاومة أن يستهزئ بمن يسأل عن مستقبله ومستقبل أولاده.. وعند طرح أيّ علامة استفهام حول بناء الدولة، تذكّر الحرب ضدّ داعش..
أمام التحدّيات والانهيارات السياسيّة الاقتصاديّة والماليّة الّتي يعيشها لبنان، ومع تسارع الأحداث في الآونة الأخيرة، نجد أنفسنا معنيّين بشكل مباشر في البحث عن قراءات مختلفة للوقائع والتطوّرات الّتي رافقت لا بل تماهت بشكل كبير مع مراحل الحروب الكونيّة في منطقة الشرق الأوسط.
غالبًا ما نجد أنفسنا أمام وجهات نظر متعدّدة في كلّ مرّة نحاول فيها فهم تقاعس الأحزاب السياسيّة عن العمل على استنهاض الواقع اللبنانيّ وتأمين الحد الأدنى من مقوّمات الحياة عبر بناء شبكة أمان اجتماعيّ واقتصاديّ وتعليميّ، نجدها تأخذنا وبشكل ممنهج نحو مفاهيم الإنقاذ، الإستهلاك، الإقتصاد، المقاومة، حماية الكرامات، مجابهة العدوّ المتربّص بأرضنا وخيراتنا، والكثير من الشعارات الّتي باتت اليوم تُحاكي جوعنا وعطشنا وفقرنا وألمنا وحزننا.
إنّه من المنطقيّ اليوم، لا بات من الضروري، وفي ظلّ تراكم الأزمات الّتي نعيشها، أن نطرح الكثير من الأسئلة وإذا صحّ القول المزيد من الإشكاليّات الّتي تكبّل واقعنا الحالي وهي تأخذنا بإرادتنا إلى المجهول أو حتّى إلى الانهيار الحتميّ والمؤكّد.
إحدى أبرز الإشكاليّات الّتي تواجهنا اليوم، هي العلاقة الّتي تجمع مفاهيم المقاومة مع مفاهيم تثبيت مداميك الوطن من جهة، ومن جهة آخرى مفاهيم استقرار لبنان اقتصاديًا وسياسيًا بالتزامن مع قراءة موضوعية لثلاثين سنة.
إنّ أهمّ ثلاثة مداميك تُبنى عليها الأوطان، تبدأ بالأمن، لتصل الى الأمان الاقتصادي والإجتماعي مرورًا بالقضاء. وإذا صحّت المقاربة المطروحة فإنّ المداميك الثلاثة، هي عبارة عن ثلاثة خطوط تسير جنبًا إلى جنب يتماهى بعضها مع بعضها الآخر ولكنّها لا تلتقي أبدًا.
ولأنّ لبنان يعيش وسط صراع شرق – أوسطي كبير، وهو بلد صغير ذو مقوّمات محدودة، كان الخيار المرتبط بالأمن، يُجسد ثلاث ركائز، جيش شعب ومقاومة كأنموذج مختلف وجديد يحمي لبنان وشعبه ويبعد عنه الكثير من الانتكاسات المذلّة. ولكن لم نكن لنعرف أنّ هذه الأيقونة الجديدة الّتي ولدت لتحمي لبنان ستُستعمل في كلّ مرّة نسأل فيها عن شبكة الأمان الاجتماعيّ والاقتصاديّ وقد بات كل لبنانيّ يبحث عنها.
لا يحقّ للفريق الّذي يمثّل حالة المقاومة حاليًّا، أن يستهزئ بكلّ من يسأل عن مستقبله ومستقبل أولاده.
لا يمكن في كلّ مرّة نطرح فيها أيّ علامة استفهام حول مفهوم بناء الدولة، أن تذكّرونا أنّنا نحن من حارب داعش ونحن من قدّمنا شهداء على مذبح الوطن.
إذا صح النقاش حول هذا الموضوع، فهل المطلوب أن يقدّم باقي الشعب اللبناني نفسه شهيد الفقر والجوع والعوز ليتساوى مع شهداء الواجب؟
ماذا تنفع شهادة هؤلاء لحماية لبنان، إذا امتنعنا عن بناء وطن يليق بشهادتهم ويليق بأولادهم وعائلاتهم.
هل ما نطلبه كثير؟ نريد دولة بمنظومة اقتصاديّة منتجة وغير ريعيّة، نريد قطاعًا ماليًّا لا يتحكّم فيه فاسد ومرتشٍ، نريد منظومة تعليميّة تؤمّن التعليم الصحيح والمتطوّر والمجانيّ لكلّ أبناء البلد، نريد قطاعًا صحّيًّا للجميع، نريد شبكة أمان اقتصاديّ وصناعيّ يُبدع فيه اللبنانيّ فلا يكون مجبرًا على البحث عن مكان خارج لبنان ليُخرج إبداعاته إلى العلن.
إنّ النقاش في هذه الإشكاليّة اليوم أساسيّ جدًّا، إذا كان خيار المقاومة ضروريًّا في ظلّ هذه الصراعات المحيطة بنا، فإنّ هذا الخيار عليه ان يكون محصورًا ضمن الحدود اللبنانيّة لكي يبقى يتمتّع بإجماع وطنيّ أو بالحدّ الأدنى بأكبر نسبة من الإجماع الوطنيّ، خلاف ذلك يصبح مادّة نقاش وخلاف كبيرين ويخسر لبنان أحد مداميكه الأساسيّة.
وكذلك الأمر، عندما نبحث عن مدماك الأمن الاجتماعيّ والاقتصاديّ، حيث لا يحقّ لأيّ طرف أن يمتنع لا بل يرفض السعي لبناء منظومة حديثة سياسيّة واقتصاديّة في البلد وفي كلّ مرّة نسأل لماذا؟ يأتينا الجواب ممهورًا بالتنمّر والإستهزاء، واقفال الطرقات الممنهج.
في نظرنا، عندما ترفضون العمل على بناء الدولة الحديثة، تكونون أنتم من طعنتم شهداء الواجب والقضيّة وقتلتموهم مرّتين، وهنا الجميع من دون إستثناء معني بالشهادة فكل الافرقاء قدموا شهداء على مذبح الوطن. مرّة عندما وضعتموهم في أتون النار ومرّة ثانية عندما استثمرتم شهادتهم لتغطية الفاسد والمرتشي والناهب وسارق المال العامّ. وكنتم الغطاء للميليشيات وحقّقتم رغبة الدول الّتي تسعى إلى الفوضى بطريقة مباشرة او غير مباشرة. عندما نجد أنفسنا أمام خيارين، الفوضى الخلاقة أو بناء لبنان، وعندما نجد أنّ معظم الأفرقاء يستثمرون في كل الوسائل المتاحة لديهم بدءًا بالشهداء وصولاً للميثاقية، لربح المزيد من الأوراق لصالح فريقهم السياسيّ المحلي والاقليميّ وأنّهم غير مبالين بالجوع والفقر والعوز، وعندما نسمع قياديّيهم يوهمون قاعدتهم الشعبيّة بأنّهم لن يجوعوا، هذا يعني أنّ هناك من يموّل تلك الخيارات. أمّا نحن فلا بديل لدينا عن الدولة وحتمًا سيكون خيارنا بناء لبنان، فنحن ليس لدينا مموّل خارجيّ، بل ننظر إلى الدولة كقوّة وكيان تؤمّن لنا الاستقرار الأمنيّ والاقتصاديّ والماليّ، فنستثمر فيها ونعيش بكرامة.عندها، نجد أنفسنا أمام مفترق طرق، وعلينا جميعًـا اتّخاذ الخيار المناسب.
في 13 تشرين الاول 2020