عندما تكلم فخامة رئيس الجمهوررية اللبنانية العماد ميشال عون عن انفجار كل التراكمات والممارسات السيئة، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، في عهده بسحر ساحر، تذكرت قصة “صندوق باندورا” في الميثولوجيا الاغريقية الذي صنعه الاله “زويس” ووضع فيه كل اعمال الانسانية الشريرة المؤلفة آنذاك من الذكور فقط، طالبا” من الانثى الالهة “باندورا” ان تأخذه الى العالم، وتمتنع عن فتحه. كان “زويس” يعلم ان حشرية “باندورا” ستكون اقوى ففتحته، وانهالت المصائب والويلات على الجميع، وجاءت كلها بمثابة عقاب شديد اراده اصلا” “زيوس” لشعبه. في مفهومه الحديث، يرمز “صندوق باندورا” الى هدية مفخخة تقدم الى انسان ليفتحها، او ترمى مفتوحة في احضانه، فتتدفق عليه المآسي دفعة واحدة ليحشر في الزاوية، ولتوضع على كاهله كل تبعاتها.
قصة “صندوق باندورا” هذه تشبه الى حد بعيد الوضع الذي نحن فيه الآن، مع فارق اساسي ان من جمع المصائب فيه ليس “زيوس” الاله، بل الافراد والمجموعات والاحزاب والجمعيات والكارتيلات التي تعاقبت على السلطة لمدة تفوق الاربعين سنة، مستفيدة من الحروب الداخلية، والازمات العالمية والاقليمية والمحلية، بداء” بسنة 1969 تاريخ توقيع اتفاق القاهرة. منذ ذلك الوقت، لم يحظى لبنان باي وضع مستقر مستدام، مما شجع هذه الجهات الى تحويل لبنان الى غابة ادغال ومغارات علي بابا متعددة، منظمة، ومقوننة.
عندما انتخب العماد ميشال عون رئيسا” استنادا” الى شرعية دستورية وشعبية واسعة، كان خيار اللبنانيين وخياره، مواجهة المشاكل والنزاعات من خلال تضافر جهود جميع القوى السياسية المنتخبة من الشعب في سنة 2018 ،بعيدا” عن ممارسات الانتقام والتشفي. ظن الرئيس آنذاك ان التسوية الشهيرة سوف تضمن النجاح كونها مبنية على نوايا صادقة. هكذا كان الحال في القسم الاول من الولاية الرئاسية، حيث حققت الدولة انجازات حيوية في مجالات الامن، وادارة شؤون الدولة، وتطوير قانون الانتخاب، وتخطيط مشاريع التحسين في عدة وزارات، والعودة المنتظمة لتحديد الميزانيات، والشروع في التعاقد مع شركات التنقيب عن النفط والغاز، وربط لبنان الداخل بلبنان الاغتراب، وغيرها من الاعمال التي تفيد مصالح لبنان.
فجأة”، انقلب الوضع رأسا” على عقب، لأن الرئيس اراد في القسم الثاني من الولاية فتح الملفات الاقتصادية اي بمعنى آخر ولوج المحرمات والمحميات، مما ازعج قسما” من الداخل، فاندلعت الاحتجاجات في الشارع بصورة ظاهرها عفوي وبريء، وباطنها هادف، ومشبوه، ومبرمج. في نفس الوقت اتت هذه الانتفاضة موازية” لشعور من القلق الشديد عند بعض الجهات الاقليمية والعالمية التي رأت في خطابات الرئيس المتكررة، عن رفض توطين الفلسطينيين، وضرورة العودة الآمنة للنازحين السوريين، وتحرير ما تبقى من الارض المحتلة، وترسيم الحدود الاقتصادية في الجنوب، تهديدا” مباشرا” لرؤيتهم الاستراتيجية المغايرة للمنطقة. فكان اللقاء بين الاثنين حتميا”، وكان قرار الانسحاب الغادر من التسوية اللبنانية عند بعض صانعيها بتشجيع من الخارج، ورمي “صندوق باندورا” في وجه العهد، لشيطنته، ولجعله مسؤولا” عن كل ما حدث.
نعم، هذه هي قصة “صندوق باندورا” اللبنانية. وهؤلاء هم منتجيها ومخرجيها وابطالها. ولكن مشكلتهم انهم لا يعرفون بعد ان هذا الرئيس للجمهورية بالتحديد لديه قدرة هائلة على الصبر، والتحمل، والصمود، والنضال، اكتسبها من خلال سيرة تاريخ مشرف في الجيش، وممارسات سياسية نزيهة وشجاعة، ودعم شعبي واسع يتعاظم رغم حملات التشويه والتجني. فليتذكر منذ الآن اللبنانيون ان الرئيس تحدى اصحاب هذه الحملات، وتحدى العالم كله لايجاد اي دليل يدينه بما هم متعودون القيام به. مشكلتهم ايضا” انهم لا يعرفون ان الرئيس وشعب لبنان، سيواجهان الازمات التي راكمها المرتكبون في “صندوقهم”، وسيجدون حتما” الحلول ولو بعد حين.