عَ مدار الساعة


الحالة العونية بين الأمس واليوم! بقلم مارون الزّغبي


كثيرون هم من ناضلوا منذ القدم بهدف الوصول إلى برّ الحريّة الآمن، فالحريّة كنزٌ لا يعرف قيمتها إلّا السّجين الذّي يشتاق إليها إشتياق الإبن إلى أبيه، سنده…

صدق العملاق نيلسون مانديلا حين قال «العبيد فقط يطلبون الحريّة… أمّا الأحرار فيصنعونها!» وهذا القول يصنّف الشعب اللبناني أيّام النضال في وجه القوى السورية إلى قسمين:

قسم العبيد الذي يتكوّن من قوى داخليّة عميلة ميليشياوية ومرتهنة للخارج، حليفة للقوى السورية تطلب الحريّة ويسكنها نظام ديكتاتوري إقطاعي ذو فكر إجرامي واسع!

من يطلب الحرية يجب أن يكون أهلًا لها، يستحقها، لا يناقضها ويشكل عدوًّا لدودًا لها…
في حينها كان العميل يطالب بالحريّة ويقدم الهدايا و«الكرافاتات» إلى المحتلّ.

أمّا القسم الثاني يتكون من شباب وضعت روحها فوق كفّها، وقررت ربط مستقبلها ومصيرها بإستقلال لبنانها وسلامة أراضيه…

المناشير والأنفاق في لبنان تشهد لوطنيتهم ونظافة سمعتهم، ورغم ذلك، اضطهدوا، سجنوا، وعذِّبوا نتيجة لحبهم وإيمانهم برجل البدلة المرقطة، بدلة الشرف والعنفوان، بدلة الجيش اللبناني، الرّجل ألذّي كرّس القصر الرئاسي (الذي دُمر لاحقًا) بيت الشعب، الرجل الذي سمّى صوت الشعب صوت الله مشدّدًا أنه مستحيلٌ قمعه أو إخماد شعلته!

سمّيت هذه الحالة الشعبية الكاسحة بالحالة العونية، وتضم في أغلبيتها طلّابًا وشباب يحلمون بوطن جديد، وطن مستقلّ عسكريًّا وسياسيًّا، يتّخذون العماد قائد الجيش ورئيس الحكومة العسكرية آنذاك العماد ميشال عون قائدًا لهم، يرون فيه رجل المعارك المستحيلة، رجل العنفوان والوطنيّة، رجل الكفّ النّظيف والإصلاح، الرجل الوحيد الذي حوّل القصر الرئاسي من فندق ٥ نجوم، يسكنه حجار شطرنج بيد الخارج إلى مقصد للشعب اللبناني العظيم، وخليّة نحل لا تهدأ قبل تحقيق أهدافها.

خاض الشباب اللبناني عدّة معارك جنب العماد عون، سواء في لواء أنصار الجيش، أو تحت القصف في ساحة قصر بعبدا، وغيرها من المعارك على مختلف الأصعدة.

أبعد العماد عون إلى الأراضي الفرنسية في ٣٠ آب ١٩٩١، وذلك بعد حجزه بإقامة جبريّة في السفارة الفرنسيّة الذي لجأ لها بهدف البحث في شأن إتفاقية تقضي بوقف إطلاق النار من قبل المدفع القواتي والجيش السّوري على قصر الشعب في ١٣ تشرين ١٩٩٠

“اليوم وأنا أغادر لبنان الى فرنسا أقول لكم وبعد صمتي الطويل إن العمل الذي بدأتموه لن ينتهي إلا بتحقيقه فإلى اللقاء.” هذه كانت الرسالة الأخيرة من القائد إلى شعبه، ينبثق من هذه الرسالة الأمل بالغد واللقاء القريب الذي وعد به العماد عون في كلمة «إلى اللقاء» مع التشديد على أن من يترك شعبه لا يعود إليه ولا حتى يأمله بالعودة!

ظنّ الجميع أن الحالة العونية إنتهت مع إبعاد قائدها عن شعبه، ولكن الغير متوقع كان تكثيف نشاطات الشباب العونيين في معاهدهم ومدارسهم، على جدران الجسور والأحياء والزواريب الشعبية مجاهدين في سبيل الحرية…

في حينها، كانت كلمة «عون راجع» تشكّل زلزال بالنّسبة للمحتلّ، كما وأن الصورة المعلّقة على جدار البيت، فوق السّرير، كانت تلدغ المخابرات السورية لدغة أفعى سامّة لغريمها، العونيون في حينها كثّفوا من نشاطاتهم، تابعوا بمهامهم، توقفوا وعذّبوا في السجون، وكان همّهم الوحيد «الإستقلال»…

على مدى ١٥ عام، استحمل شباب لبنان العظيم أشد أنواع الإهانات الجسدية، اللفظيّة، والنفسية وبقيوا مأمنين بعودة العماد عون وتحقيق إستقلال لبنان الثاني ويكمن ذلك بطرد القوى السورية عن الأراضي اللبنانية…

تحقق حلم اللبنانيين، وصل اليوم المنتظر، ٢٦ نيسان ٢٠٠٥، يوم جلاء الجنود السوريين عن كافة الأراضي اللبنانية!
في ٧ أيار ٢٠٠٥ وصل الرئيس عون إلى الأراضي اللبنانية، إستقبله اللبنانيون بالغار والأرُزّ بمظاهرة مليونية، عندها، أثبت العماد عون أنه القائد الوفي، الذي بقي جنب شعبه وعاد إليه بعد إبعاده ١٥ عام عن بلاده وشعبه…

ومع عودة العماد عون بدأت مرحلة جديدة من الحالة العونية، وذلك بهدف بناء دولة القانون والمحافظة على المؤسّسات وتطويرها، سمّيت هذه المرحلة بمرحلة «التيار العوني» ففي حينها أسس العماد عون وكوادر الحالة العونية حزب التيار الوطني الحر، وترأسه العماد عون، كما وأطلق الرئيس عون تكتل الغيير والإصلاح الذي تولّى المعارضة والثورة في وجه حيتان المال والفساد…

تمكن هذا التكتل من إنجاز عدّة إقتراحات تولّاها نوابه في البرلمان، على صعيد المالية، المؤسسات، حقوق المرأة، وغيرها…

مع التشديد على كتاب «الإبراء المستحيل» الذي كشف بالأرقام، الوقائع، والأسماء الكثير من الملفّات العالقة أو قضايا الفساد، في هذه المرحلة، بقي الشباب العوني يتعرضون لشتّى أنواع الضغوطات، ولكن لا باطل يعلو فوق الحق، فبقي شباب التيار الصوت الصارخ في وجه كل فساد أو قمع!

مع وصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية، ظنّ البعض أن التيار فقد أهدافه وقضيته، أمّا الحقيقة أن قضية التيار وأهدافه لا تنصّ على وصول العماد عون إلى سدّة الرئاسة، بل هي قيم وأهداف تربّى عليها شباب التيار من أوّل أيام الحالة العونية وصولًا إلى يومنا هذا ومن المستحيل التخلّي عنها!

يعاني شباب التيار من التّنمر من قبل أشخاص يظنون أن التياريين سيخضعون إلى ضغوطاتهم ويتركون مبادئهم وركائز حياتهم، نتيجة لإستهزائهم المستمر والمبرمج تحت إشراف قياديي الأحزاب المفتنة وأمراء الخارج، لكن المذكورين لا يعلمون أن كلّ شتيمة موجهة إلى شاب من شباب التيار تزيده عزمًا وإصرارًا وقوة… المرحلة تغيّرت، الزمن تغيّر، العالم تطوّر، لكن إبن الأرض، يبقى إبن الأرض بإيمانه وفكره وعقيدته ولأننا وكما علمنا الرب بأنه وبإيماننا نزيح الجبال وكما أرشدنا القائد بفعل ايماننا ونحن نرقد تحت التراب على رجاء القيامة… فسنبادله بالقول بأننا لن نيأس ونحن أحياء.