عَ مدار الساعة


لبنان وحلبة الصراع (بقلم الناشط السياسي ميشال غنيم)


معالم سايكس-بيكو ٢ واضحة


أصبح من الواضح أن المسار الذي كان مرسومًا للبنان قبل تفجير ٤ آب تغيّر تمامًا بعد كارثة مرفأ بيروت. تسبّب هذا التفجير المأساوي بخسارة بشريّة كبيرة وخسارة ماديّة ضربت اقتصاد لبنان وأدّت إلى زيادة نسبة البطالة وفقدان المواطنين منازلهم وأشغالهم وإلى حدٍّ ما كل ما كانوا يملكونه. حتى الساعة لا نعرف طبيعة الإنفجار الذي حصل ولا نعرف من كان وراءه والدليل على ذلك المعلومات الكثيرة التي تتكلم عن هجوم اسرائيلي وأخرى تتكلم عن تفجير من داخل العنبر ١٢ بواسطة قنبلة، ولكن من المؤكد أن الإهمال والفساد هما أساس ما حصل في بيروت من كارثة نادرة.

ولكن ما يسأل عنه الناس اليوم وتحديدًا فئة الشباب، فهو عن إمكانية بقائهم في لبنان أو اتخاذ قرار الهجرة. تتضارب التحليلات عمّا إذا كان لبنان ذاهب إلى الخراب أو إلى الخلاص ولكل تحليل أسس خاصّه به، ولذلك علينا أن نسرد الوقائع كما هي ونرى ما هو الأكثر منطقيًا من زاوية سياسية موضوعية.

فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن: “إلى أين ذاهب لبنان؟”

بعد التفجير الذي حصل في بيروت، تسارع المجتمع الدولي وتحديدًا الدول العظمى لتقديم المساعدات للشعب اللبناني وقد تعاطفت مع المواطنين جرّاء الكارثة التي تعرّضوا لها كما رأينا أن الحصار الإقتصادي بدأ بالتفكك شيئًا فشيئًا.

فهل هناك بقاموس العلاقات الدولية مساعدة من دون ثمن؟

إن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قطع إجازته وقرر السفر إلى لبنان بسرعة عندما تسرّب خبر عن إمكانية زيارة الرئيس التركي اردوغان للبنان كما أن الرئيس الفرنسي كثّف إتّصالاته للإسراع بتشكيل حكومة وإعادة الأمور إلى طبيعتها وشدّد على مكافحة الفساد والإصلاح. عندئذٍ، اتّضحت الصورة بأن ماكرون يريد الإستقرار للبنان ليس محبّةً به وبشعبه، بل طمعًا بمصالح فرنسا في المنطقة. فالبحر الأبيض المتوسط غنيّ جدًّا بالنفط والغاز وموقع لبنان الجيوسياسي يساهم أيضًا بطمع تلك الدول نظرًا لموقعه التجاري المهم لإعادة إعمار سوريا وتسهيل إدخال البضاعة الأجنبية. بعد بضعة أيّام من مغادرة ماكرون لبنان، شهدنا تصعيدًا بين فرنسا وتركيا حول تنقيب الأخير للنفط في البحر المتوسط ممّا أثار غضب الفرنسيين الذي يهدّد مطامعهم في المنطقة وهذا دافع أساسي للتدخل الفرنسي السريع.

أين دور الولايات المتحدة من كل هذا وما علاقة الإتفاق النووي الأميركي-الإيراني؟

لقد بدأ السباق الرئاسي الأميركي منذ بضعة أشهر ومن الواضح أن سياسة ترامب “الجمهوري” تقضي بعدم تواجد الكثافة العسكرية خارج الأراضي الأميركية بل يفضّل القليل من الجيش والكثير من الإقتصاد. فالشرق الأوسط الذي يخضع لإتفاق سايكس-بيكو ٢ أصبحت واضحة معالمه نوعًا ما إذ ان العراق وقع تحت السيطرة الأميركية وسوريا تحت سيطرة روسيا وحلفائها، أمّا لبنان فتحت سيطرة أوروبية مباشرة وبعض المصالح الأميركية. فأينما وجد النفط والغاز وُجدت معه الثكنات العسكرية والبوارج والجنود وهذا ما نستطيع رؤيته اليوم عبر توسيع السفارة الأميركية في عوكر ووصول البارجة البريطانية “HMS Enterprise” بالتزامن مع قدوم وزيرة الجيوش الفرنسية “فلورنس بارلي” إلى لبنان.

مصالح ترامب الرئاسية لا تقف فقط عند تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط بل أيضًا بإتفاق نووي أميركي-ايراني يجري العمل عليه منذ سنة تقريبًا والدليل على ذلك ما ورد في وكالة “Irna” الإيرانية بأن الولايات المتحدة الأميركية تدرس جديًا قرار إلغاء بعض العقوبات التي كانت قد وضعتها على إيران. فهذا الإتفاف المرتقب من الطبيعي أن يُترجم في الحياة السياسية اللبنانية إذ إن التناغم أصبح واقعًا بين جميع الأطراف وليس هناك من تصعيد فعلي كما أن زيارة “دايفد هيل” الموفد من وزارة الخارجية الأميركية كانت للبحث جديًّا بترسيم الحدود البرية والبحرية مقابل مبدئيًّا فك الحصار كاملًا عن لبنان.

والسؤال الأهم: الخلاص أو الهلاك للبنان؟

برأيي الشخصي وبعد إحصاء قمنا به، فإن لبنان قادم بالأشهر القليلة المقبلة إلى عدة اضطرابات داخلية وذلك لأن تغيير النظام آتٍ وكل طرف يريد أن يكسب الحصّة الأكبر منه كما أن موقعه يفرض عليه أن يكون حلبة صراع تتقاتل فيه الدول لرفع شروطها وهذا ما تبيّن لنا من خلال التصعيد الفرنسي-التركي. ولكن هذا لا يعني أن استراتيجيًّا وعلى المدي البعيد لبنان لن ينعم بالخير بل العكس تمامًا. فمصلحة فرنسا والولايات المتحدة اليوم هي السلام والإستقرار لتنفيذ مصالحهما من تنقيب وتجارة وإعادة إعمار، والبوارج الموجودة قبالة الشاطئ اللبناني لا تعني الحرب بل حماية للمصالح لا أكثر ولا أقل. فلو كان هدف المجتمع الدولي زعزعة الداخل اللبناني، لكانت نتيجة المحكمة الدولية معاكسة تمامًا ولكانت الفتنة الداخلية واقعًا، ولكن الغرب يدرك جيّدًا أن خطوة كهذه ستكون فرصة ذهبية لتركيا بالدخول جديًّا إلى الساحة اللبنانية وهذا ما لم يحصل نتيجة حنكة وذكاء الطرف الآخر. (مع العلم أن تركيا قد تحدث مفاجآت)

أخيراً، ما نستطيع أن نستنتجه من خلال هذه الوقائع والتحليلات هي أن لبنان قادم إلى انتعاش اقتصادي بالسنين القادمة وبأن الإستقرار سينعم نتيجة تقاطع مصالح الغرب مع الداخل اللبناني ولا نفع من الصراعات لأن مكاسب السلام والإستثمارات أكبر بكثير من الأخير. لبنان يشهد اليوم قفزة نوعية وأكررها دائمًا “عند تغيير الدول، احفظ رأسك” وهذا ما تقوم به الدولة اللبنانية أملًا بمستقبل لا نظامًا طائفيًّا ولا فسادًا مستشريًا فيه. فقد تعلّمنا أن نحوّل السلبية إلى إيجابية وأن نترك إيماننا قويًّا لأن هذه الأزمات تحتاج إلى صبر وقوة وحكمة بالتفكير وأخذ القرارات.
فهل يكون الشعب اللبناني جاهزًا للتغيير الذي ينتظره؟