عَ مدار الساعة


لما الاعلان الاميركي عن تسليح الارهابين بأسلحة م\ط و ما المفاعيل؟

امين محمد حطيط –

عندما تعلن الان الإدارة الأميركية المنتهية الولاية في الشهر المقبل عن قرارها تسليح الجماعات الإرهابية في سورية بالأسلحة المتطورة والتي فيها أسلحة مضادة للطائرات تحمل من قبل المقاتل الفردي وتستعمل للرمي من على الكتف، عندما تعلن ذلك تطرح أسئلة كثيرة تتعدى القرار والسلاح المقصود لتصل الى الموقف الأميركي العام من الازمة السورية والعدوان على المنطقة وانتهاك امنها وسيادتها.

في البدء لا بد من التذكير بان الإعلان عن التسليح هذا لا يغير واقعا ميدانيا كبيرا، فالإرهابيون الذين تسميهم اميركا “معارضة معتدلة ” لم تمطر عليهم السماء السلاح مدرارا حتى امتلكوا الة القتل والتدمير والتخريب بالحجم الذي امتلكوها واستعملوها لتدمير سورية بشكل يكاد يكون نادرا في التاريخ. فهم امتلكوا هذا السلاح وصدر إليهم بقرار أميركي باعتبارهم الجيش السري الأميركي التابع ل سي أي أي C.I.A وكالة الاستخبارات الأميركية التي تجهد في الاضطلاع بمهمة تخريب العالم لوضع اليد عليه. وقد نقل السلاح الى سورية عبر تركيا العضو في الحلف الأطلسي وعبر الأردن التي كانت مسرحا للمناورات الأميركية “الأسد المتوثب” التي عولت عليها اميركا لأعداد القوى للانقضاض على سورية وافتراسها. اذن تسليح إرهابيين بقرار أميركي ليس بالأمر المفاجئ والجديد وجل ما في الامر ان اميركا كانت تسلح ولا تتحدث عن الامر والان أعلنت انها تريد ان تسلح بأسلحة نوعية.

واذا دققنا في القرار بذاته لوجدنا فيه أيضا من التعقيد في التنفيذ العلني ما يجعل امر تطبيقه في الأسابيع الاربعة من عمر ولاية أوباما المتبقية امرا متعذرا لما فيه من إلزام بوضع الدراسة حول الجهة التي ستزود بالسلاح ثم ابلاغ الكونغرس ثم تحديد قدرة الجهة على استيعاب السلاح ثم ضمان عدم وقوع السلاح بيد الإرهابيين على حد ما تقول اميركا كل ذلك يعني ان التنفيذ لن يحصل خلال المدة ا المتبقية.

وأخيرا وفي تحديد إثر ومفاعيل القرار ميدانيا وإذا سلمنا جدلا بان التسليح سيحصل خلال أسبوع فقط وان الإرهابيين سيمتلكون مثل هذا السلاح النوعي المضاد للطائرات فما عساهم ان يفعلوا به؟

فورا نقول ان الصواريخ الفردية المضادة للطائرات ليست من القوة و الفعالية التي تمكنها من انشاء قبة فولاذية تحمي الإرهابيين من الخطر الجوي بأحكام ، بل انها في اقصى ما تصل اليه نظرا لقصر المدى و محدودية الدقة في الإصابة ، جل ما تصل اليه هو فرض رفع درجة الحذر و الحيطة لدى الطيارين و جعلهم لا يسترسلون في التحليق المنخفض ، و هذا قد يؤثر بشكل محدود على الطلعات الجوية ذات المهمة المتصلة بالإسناد الجوي للقوات البرية و لا يؤثر مطلقا و لا يعني ابدا مهمات القصف و العمليات الجوية الاستراتيجية ـ و اذا عدنا الى طبيعة الطلعات الجوية في سورية اليوم لوجدنا ان عمليات الاسناد لا تصل الى  نسبة 10% من مجمل العمليات الجوية و هذه العمليات يمكن ان تستمر حتى مع وجود هذه المضادات مع تدابير حيطة احترازية تتخذ و تمكن من تفلت الطيارين من الخطر .

وبعد ها التحليل الذي يقودنا الى القول ان القرار الأميركي لا يحدث جديدا او تغييرا ميدانيا يثير الاهتمام ـ فأننا نسأل لماذا تقدم إدارة أميركية تجمع اوراقها للرحيل ـ لماذا تقدم عليه وهي تعرف كل هذه الحقائق ولا يمكن ابدا ان تكون بعيدة عن عمقها وجوهرها أيضا، نسأل لماذا يتخذ القرار ويعلن عنه بمثل هذه الطريقة الاحتفالية؟

للإجابة على السؤال لا بد من ان نبدأ بالوقوف عند الظروف والتطورات التي أملت هذا القرار. فأميركا التي عملت جاهدة طيلة عام كامل منذ شباط وحتى كانون الأول 2016 من اجل الاستيلاء على حلب خدمة لمشروعها الاستراتيجي الكبير الاستيلاء على سورية او تقسيمها، وجدت نفسها مهزومة امام سورية وحلفائها الذين حرروا المدينة من الإرهاب وأسقطوا فيها المشاريع العدوانية والاحلام الإقليمية معا وعلى حد سواء. وكانت هزيمة استراتيجية فرضت على اميركا ان تختار بين التسليم بها او المكابرة لامتصاصها وحفظ ماء الوجه بتصرفات استعراضية تتيح لها نفض اليد من الهزيمة.

والذي فاقم المأزق الأميركي، هو اندفاع معسكر المنتصرين في حلب نحو عمل سياسي مبني على فكرة وقف إطلاق النار في كامل سورية والدخول في عملية سياسية مبنية على ثوابت سورية واضحة تتمثل بوحدة سورية ارضا وشعبا والتمسك بالدولة ونظام الحكم العلماني مع التأكيد على السيادة والقرار المستقل للشعب السوري، على ما جاء في اعلان موسكو الذي يتناقض في الجوهر مع الخطة العدوانية الأميركية.

وبالتالي وجدت اميركا او إدارة أوباما التي تستعد للرحيل ان ورقة سورية تفلت من يدها دوليا، في الميدان هزيمة للإرهاب وفي السياسة محاولة جادة من قبل معسكر الدفاع لاستثمار النصر وتثبيته سياسيا بعيدا عن الإرادة الأميركية. لذلك ومن موقع المكابر المتغطرس الذي يقاتل بدماء الغير وأمواله قررت اميركا وضع خطتها ” إطالة امد الصراع”  وقررت الدخول في حرب استنزاف في سورية علها تحقق لها شيئا.

وفي التنفيذ كان الإعلان عن تسليح من تسميهم المعارضة بسلاح مضاد للطائرات ليكون تعوبضا عن فشل محاولات إقامة مناطق الحظر الجوي بعد العجز في مجلس الامن عن قرار بذلك وبعد متغيرات الميدان السوري وزرعه بمنظومات ال اس 200 واس 300 واس 400 الروسية التي جعلت إسرائيل ذاتها تحاذر دخول الأجواء السورية.

وكان القرار هذا لاحقا لخطوة أخرى سبق القيام بها وبتنسيق مع الولايات المتحدة وتمثلت في ارسال خبراء بريطانيين الى ادلب عبر تركيا من اجل إعادة تنظيم فلول الإرهابيين  المندحرين من حلب لانشاء ” جيش إرهابي جديد” تكون مهمته منع تطهير ادلب وتهديد حماه وحلب مجددا في سياق استراتيجية إطالة امد الصراع.

طبعا كان القراران مسبوقين بنغمة اروبية غربية رافقت انهيار الإرهاب في حلب وتمثلت بالقول بان “سقوط حلب لا يعني نهاية الحرب ” كلام يعنون فيه ان خسارة الإرهاب في حلب لا يعني وقف العدوان.

بعد كل هذا وعطفا على المعلن من مواقف الإدارة الأميركية الجديدة وعلاقات مسؤوليها بروسيا التي تسعى اليوم جادة في سبيل وقف إطلاق النار على كامل الأرض السورية والدخول في عملية سياسية تنهي الازمة على قواعد اعلان موسكوا بعد هذا نعود الى السؤال المركزي كيف سيكون او ماذا على معسكر الدفاع عن سورية فعله في مواجهة هذه المواقف وهذا الواقع؟

اننا ببساطة نقول ان العمل وفقا للقواعد الثابتة في إدارة الصراع هو ما يجب ان يكون ، و بالتالي يجب ان يستمر الميدان نشطا ويبقى التحرك فيه مستمرا على قاعدة تحصين الانتصار في حلب و توسيع دائرة الأمان حولها و حول المدن السورية الكبرى بما في ذلك دمشق و حمص و حماه ، و منع الإرهابيين من تحقيق أي مكسب ميداني جديد و هنا تكون ادلب و بعد ريف حلب و معها ريف دمشق محلا منطقيا للعمليات العسكرية المقبلة كما يستمر السعي السياسي دون ان يؤثر في أي حال على الميدان الذي لا يتأثر أيضا بالقرارات و المواقف الاستعراضية  الأميركية من قبيل قرار تزويد الإرهابيين بالمضاد للطائرات او بالقرارات الجدية من قبيل تنظيمهم في جيش إرهابي جديد . فالأزمة السورية دخلت بعد حلب مرحلة جديدة لا يقوى أحد ان يعود بها الى الوراء ومن انتصر يبقى عليه فقط ان يحفظ انتصاره في حجمه وينميه ولا يفرط باي قدر منه.

المصدر: الثورة