دبلوماسي لبنان: يحذر حلفاءه أكثر من خصومه (أنديرا مطر)
بيروت ــــ أنديرا مطر – لعلها الرمال اللبنانية المتحرّكة هي التي تحدد خيارات رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي يقول عنه دبلوماسي لبناني إنه السياسي الوحيد في لبنان الذي يحذر حلفاءه أكثر من خصومه. فحزبه اليوم في صلب المعارضة السياسية على الرغم من رفضه الانضواء في تحالف معارض لا يقوم على برنامج شامل، كي لا تتكرر تجربة «14 آذار». هو في قلب الانتفاضة الشعبية، ولكن باختيار مناصريه، ومن دون «أمر حزبي». وهو مستمر في خصومته السياسية لـ«حزب الله»، لكنه يُعارض المطالبة بنزع سلاحه في التظاهرات، لكي تبقى جامعة موحّدة، وتفادياً لأي اصطدام في الشارع.
للمرة الأولى، ربما يعلن جعجع، عبر القبس، أنه قد يكون أخطأ التقدير في ترشيح الجنرال ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. فالخيار الوحيد كان بين الفراغ أو انتخاب عون. ومع ذلك يبدو أقرب إلى الحيادية في مسألة «إقالة الرئيس»، التي تطرحها بعض مجموعات الحراك المدني. لأن المعضلة ــــ برأيه ــــ لا تكمن لا في الحكومة ولا في الرئيس، بل في الفريق الحاكم (حزب الله وفريق رئيس الجمهورية) «يذهب رئيس، ويأتي آخر مثله»…
القبس حاورت جعجع في هذه الملفات واستطلعت رأيه في مستقبل لبنان وسبل خروجه من أزماته.
وهذا نص الحوار:
● كيف قرأت مشهدية تظاهرات «الثنائي الشيعي» الاخيرة وما رافقها من اعمال تخريب في بيروت، وهل ترى أنها زخّمت الانتفاضة أم قضت عليها؟
– الايام الماضية حملت مجموعة أحداث متضاربة الاتجاهات أحيانا. لذا اختلطت الامور على بعض الناس، وتتفاوتت تفسيراتها. بدأ ذلك في 6 يونيو مع طرح مجموعة من المحتجين تطبيق القرار 1559 شعارا لاحتجاجاتهم. وهذا ما أدى الى اقتحام مجموعة من مؤيدي حزب الله وسط بيروت، فخرّبوا التظاهرة وحولوها الى فوضى عارمة.
استفزاز هذه المجموعة الشارع السني من خلال شتم رموز اسلامية، واستفزازها المسيحيين عبر محاولة الدخول الى عين الرمانة، خلق توترا كبيرا اربك قيادة حزب الله الذي قرر تصحيح هذا الخطأ.
ويوم الخميس الفائت، مع تدهور سعر صرف الليرة الى مستوى قياسي، نزل هؤلاء المناصرون لحزب الله أنفسهم الى الشارع للوقوف مع المحتجين بشكل ودي هذه المرة، وبشعارات متقاربة.
ما حصل من احراق وتحطيم للمتلكات في وسط بيروت لا علاقة بما سبقه. تقييمي الشخصي – وبخلاف ما يرى كثيرون – ان هذه التحركات عفوية تلقائية. اندفع الناس الى الشارع لأنهم أصبحوا مهددين في أوضاعهم المعيشية المباشرة. وقد تسعى بعض الاطراف لتحقيق المكاسب على «ظهر» الناس. ولكن هذا لا ينفي أن جوهر هذه الهبّة الشعبية معيشي واقتصادي.
● قرار ضخ الدولار في السوق وقرارات الحكومة المالية – الامنية هل هي خطوة في الاتجاه الصحيح؟
– الحكومة «تخبص خارج الصحن»، أي تتصرف بعشوائية. سبب تدهور الليرة ليس المضاربة، بل عدم التوازن الهائل في مالية الدولة، والذي يستوجب خطوات اصلاحية كبيرة لتفاديها. لكن الحكومة ذهبت الى معالجة الجزء الذي يتسبب بالكاد بـ10 في المئة من الأزمة. فيما جوهر الموضوع الاصلاحات على المستويات كافة، ولا شيء غيرها.
● الاصلاحات تمس بنية حزب الله وحلفائه، أي فريق الحكومة. فهل نحن أمام معادلة: «إما انقاذ لبنان او انقاذ حزب الله»، طالما أن لا مساعدات من دون اصلاحات؟
– قبل الاتكال على المساعدات التي قد تأتي وقد لا تأتي، يمكننا الاتكال على مقدراتنا الذاتية. هناك مجموعة خطوات كفيلة بتأمين ملايين الدولارات للخزينة، أذكر بعضها: في القطاع العام 5 آلاف موظف غير قانوني تم توظيفهم بعد سلسلة الرتب والرواتب. وقبلهم 30 الفا لا يستوفون الشروط المطلوبة. المطلوب تخفيض حجم القطاع العام في لبنان.
المعابر غير الشرعية وحدها تكبد الدولة خسائر بين 500 مليون ومليار دولار. ونحتاج فقط الى قرار سياسي لتتوقف هذه الخسائر في اسبوع. هل سيعطينا صندوق النقد اكثر من مليار دولار في السنة؟ اقفال المعابر غير الشرعية وحده كفيل بتوفيرها. ملف الكهرباء يكلف الخزينة ملياري دولار سنويا، كنا نأمل اصلاح القطاع، فإذا بالحكومة تعود الى اقرار معمل سلعاتا.
● هل سيدافع حزب الله عن الأسد لانقاذه من مقصلة «قيصر»، كما ساعده عسكريا؟
– قبل انقاذ غيرنا لننقذ انفسنا. يعرف حزب الله ان حاضنته تنوء تحت أثقال الازمة المعيشية كغيرها من اللبنانيين.
● رئيس الحكومة تحدث عن «انقلاب» يقوده البعض إثر ليلتي الاحتجاج الأخيرتين، هل توافقه؟
– نعم، اكبر انقلاب يُقاد ضد الحكومة يقوم به الفريق الذي يقف وراءها. لن ينقذ الحكومة سوى اجراءات اصلاحية يحبطها هذا الفريق نفسه. آخر الامثلة مسألة التشكيلات القضائية المعلقة والتعيينات التي أقرتها الحكومة وفق منطق المحاصصة.
● القطاعات التي صنعت قوة لبنان تنهار: المصارف، السياحة، التعليم.. هل انتهى النموذج، والى أين يسير لبنان؟
– أنا متشائم في ما يتعلّق بتطور الأوضاع في المرحلة الحالية، لكن لا شيء يغير النموذج اللبناني لأن موته يعني موت الكيان. صحيح ان قطاعات معروفة تضعف أو تقفل، ولكنها مرحلة مؤقتة وستعاود نهوضها. لست قلقا على النموذج اللبناني، بل على الأوضاع التي ستترك تداعياتها على اللبنانيين في انتظار وصولنا الى بر الامان.
● كيف نتجاوز هذه المرحلة؟ بتغيير حكومي أم بانتخابات مبكرة؟
– تحقيق الاصلاحات وادارة الدولة بشكل جيد. وبما أن السلطة الحالية لن تقدم على هذه الاصلاحات، فلا أمل الا بإزاحتها. مع ضرورة اجراء انتخابات نيابية مبكرة. اي تغيير حكومي هو مضيعة للوقت طالما ان الفريق الذي يقف وراءها لا يزال هو نفسه. فالتغيير يجب ان يطال من يقف وراء هذه الحكومة.
● ماذا عن حكومة وحدة وطنية انقاذية؟
– حكومة الوحدة الوطنية أسوأ انواع الحكومات. لأنها تجمع ما لا يجتمع. الحكومة جهاز تنفيذي يفترض دينامية واستجابة للازمات، لا سيما في هذه المرحلة. بيت القصيد تغيير المجموعة الحاكمة، والا فإن كل أنواع الحكومات لن تؤدي الى تغيير الأوضاع.
● الا تعتبر أن اتفاق معراب مع الرئيس عون كان ضرره أكبر من مردوده على القوات اللبنانية؟
– للوهلة الاولى قد يكون هذا الانطباع صحيحاً، لكنني لم المس هذا الامر في الممارسة. ولكن هنا اسأل: ما الخيارات التي كانت متاحة امامنا آنذاك؟ التسوية او استمرار الفراغ في موقع الرئاسة. حينها، كان تقديرنا – وقد يكون خاطئا – ان انتخاب الجنرال عون أفضل من الفراغ. واقول ربما قد يكون خاطئاً، ففي مثل هذه المسائل يصعب قياس الأمور بدقة. وأشدد على أننا كنا أمام خيارين لا غير.
● لماذا عارضت رفع شعار نزع سلاح حزب الله في التظاهرات؟ اليس حزب الله في اساس الازمة الاقتصادية، وسبب عزلة لبنان العربية والدولية؟
– لا شك ان حزب الله في أساس الأزمة الراهنة. ولكن لا نخلط الأمور ببعضها. منذ اندلاع الانتفاضة في 17 اكتوبر وحتى الأمس كان حزب الله يخطط لاجهاضها. مرات عدة كشف عن أنيابه واعتدى على المتظاهرين. ما جعل هذه الاحتجاجات الشعبية جامعة على امتداد لبنان هو شعاراتها التي يجمع عليها كل المواطنين بما يتعلّق بالفساد وادارة الدولة، وهذا أمر مهم لتبقى شاملة وتؤدي مبتغاها. أما طرح نزع سلاح حزب الله اليوم، فيؤدي أكبر خدمة لهذا السلاح. لأنه يشتت الناس، شئنا أم أبينا. وهذا ما حصل بالفعل. طرح الأمور عشوائيا وفي أي وقت قد يرتد عكسيا علينا. وبالتالي حزب القوات اللبنانية ليس ضد نزع السلاح، لأننا اكثر من طالب بنزع سلاحه منذ 15 سنة، وانما نحن مع طرحه في التوقيت وفي المكان المناسبين، ومن خلال الحركة السياسية، لانه جزء أساسي من مشكلة لبنان.
● لماذا يعتبر إسقاط رئيس الجمهورية المسيحي من المحرمات؟ علماً بأنه في سنة 1952 أسقط بشارة الخوري؟
– صحيح أن بعض المسيحيين يعتبرون إقالة الرئيس من المحرمات، انطلاقا من مخاوف او حساسية تاريخية. بالنسبة الينا، نحن لم نطالب بإسقاطه ولم نعارضه. ولكن على غرارالتغيير الحكومي، نسأل: من سيكون البديل؟ واذا تغيّر الرئيس اليوم فهل سيتحسّن الوضع؟ المشكلة هي في المجموعة الحاكمة، أي فريق الوزير جبران باسيل وفريق «حزب الله». استقالة او إقالة الرئيس وحده اليوم تعنيان الاتيان بآخر شبيه له.
● كم ساهمت في الأزمة اللبنانية الراهنة تلك القطيعة التي تسبّب فيها «حزب الله» بين لبنان والدول العربية؟
– ساهمت بشكل كبير. الدول العربية اعتادت في مثل هذه الاوقات المأزومة ان تبادر الى مساعدة لبنان بالودائع او بالاستثمارات. سلوك «حزب الله» تجاه الاصدقاء العرب تسبب في قطع هذا الشريان الحيوي. ولكن الأهم من تخريب «حزب الله» علاقة لبنان بالدول العربية، هو تخريبه اللعبة السياسية اللبنانية الداخلية.
ليمسك «حزب الله» بالساحة الداخلية، تحالف مع أفسد الفاسدين وسكت عنهم، وواكبهم، لأنه من دون حلفائه يصبح أقلية. هم امّنوا مصالحهم معه، وهو أمن اكثرية بهم. هذا التحالف نخر الدولة وأساء اليها اكثر من انقطاع المساعدات الخارجية عن لبنان.
● من الاطراف اللبنانية التي يمكنها تأمين علاقة ايجابية بين لبنان ومحيطه العربي؟
– في المعادلة الداخلية اليوم لا أحد. طبعاً هناك أطراف، ونحن منهم، لديهم افضل العلاقات مع الدول العربية والغربية، ولكن لا تفيد بشيء، طالما ان المعادلة الداخلية تخرب العلاقة. وقد رأينا أن الدولة لم تعلن أي موقف من قضايا تمس الاصدقاء العرب.
● المحور الايراني كان متفوقاً في المنطقة، هل تلمس تراجعاً لهذا المحور؟
– هناك تراجع أكيد للدور الايراني في المنطقة. كيف نفسّر مثلا تعيين الرئيس الروسي مندوبا دائما له في سوريا؟ كل المؤشرات تقول انه يلعب دور رئيس الظل، كما كان بول برايمر في العراق. في العراق انتقلت الحكومة من نموذج نوري المالكي الأشد تعصبا لايران الى مصطفى الكاظمي الذي يقيس العلاقة مع ايران بـ«الشوكة والسكين». اضافة الى ما رأيناه يحدث خلال الأشهر الأخيرة: قيام اسرائيل بالاتفاق مع الاميركيين من جهة، والروس من جهة اخرى، بغارات على مواقع ومستودعات اسلحة ايرانية في سوريا من دون اي رد فعل من الجانب الايراني.
● كيف يتجنّب لبنان ارتدادات قانون قيصر في ظل التداخل مع سوريا اقتصاديا وسياسيا؟
– على الحكومة أن تضع في أولوياتها مصلحة الشعب اللبناني، ولتتكفل سوريا بحل مشاكلها. لبنان اليوم لا يتحمّل مغامرات لمصلحة اطراف خارجيين. اهم ما يجب ان تقوم به الحكومة، طالما هي تحاول ضبط سعر صرف الليرة، هو توقيف حركة تهريب الدولارات الى سوريا، لأنها مرشحة للتنامي في ظل قانون قيصر. وكذلك على الحكومة منع عمليات التهريب كلها عبر الحدود.
● من هم حلفاؤك، وكيف تصنف العلاقة مع الاطراف اللبنانية؟
– علاقة القوات اللبنانية مع كل الافرقاء جيدة على المستوى السياسي باستثناء حزب الله ومجموعة الوزير جبران باسيل، والأسباب معروفة. هناك مداولات يومية مع سائر الاطراف في ملفات نتفق عليها أو نحتلف. أما في ما يتعلق بالتحالف فهو يحتاج الى برنامج عمل كامل مع الفريق الآخر، وهو غير متوافر حاليا.