نعم، “كلُّن يعني كلُّن” أمام القضاء (أمين أبوراشد)
ليست المجاعة التي أنتجتها جائحة الكورونا هي التي وضعتنا في الضائقة الخانقة، لأن لبنان طليعة الدول في قُدرة مواجهتها بحكومة اللحم الحيّ، ولا القضاء الحالي هو المسؤول وحده عن مصيبتنا مع الفاسدين، لأننا اعتدنا عبر عقود أن نعلِف القُضاة والإنتاجية صفر، لكننا لم نعُد نحتمل مواجهة وباء صحي في ظلِّ وباء أخلاقي، ومهما فعل الشعب اللبناني لن يُنقذه من هذا الوباء سوى القضاء بصرف النظر عن القاضي، والعقبة عندنا، هي أن يكون “القاضي راضي”، لأن غادة عون عندما افتتحت جلسات مكافحة الفساد حكموا عليها بالإعدام السياسي!
نأخذ مثالاً واحداً عن واقع القضاء في لبنان، لنردِم الهوَّة بين قوس العدالة و”الشعب الغفور”، أنه في الوقت الذي تم فيه توقيف مازن حمدان مدير العمليات النقدية في مصرف لبنان، بعد أيام من توقيف نقيب الصرافين مع بعض تجار الصرافة والمال الحرام، يتساءل اللبنانيون عن دور الحاكم رياض سلامة ضمن منظومة هذه المافيا.
لا يُمكِن إقناع الناس بكبش محرقة مثل مازن حمدان، إذ كيف لمدير العمليات النقدية – وهي وظيفة تنفيذية – أن يقوم بمهامه دون سلطة إدارية كبرى تتمثَّل بالحاكم؟ والحماية التي يتمتَّع بها سلامة أميركياً وداخلياً، لا تعفيه من أية مسؤولية أمام سلطة قضائية رسمية تحترم نفسها، وحتى ولو كانت مسؤوليته معنوية دون تدخُّل مباشر، لأن وزيراً يستقيل في أية دولة عند حصول حادث قطار.
نحن نُدرك حجم المسؤولية على القُضاة خاصة الكبار منهم، سواء كانوا محسوبين على أطراف سياسية أو “مقطوعين من شجرة” ولكن، ما جدوى تعيينات قضائية هلَّل لها الناس إذا كانت ستبقى “جعجعة بدون طحين” وإذا لم تواكِب عهداً أخذ على عاتقه مكافحة الفساد ويُراهن عليه اللبنانيون، خاصة أن حكومة الرئيس حسان دياب جاءت لتحكُم بالعدل بعيداً عن أزقَّة السياسة، ولا يكفي أن يكون رئيس الوزراء أو الوزير آدمي، على قاعدة “بجوّزو بنتي وما بشغّلو عندي” بل المطلوب الذهاب في المواجهة مع طبقة الفاسدين الى النهاية حتى لو كلَّف الأمر استقالة قُضاة ووزراء ونواب من فئة “اللي استحوا استقالوا”..
عندما “ارتكبت” القاضية الشجاعة غادة عون جرم الإدعاء على “بيت الميقاتي” قامت القيامة ولم تقعُد، لأننا لم نعتَد في لبنان “التطاول على المقامات”، لكن إعادة تحريك الملف الآن جاءت سلسة، لأن غضب الناس بلغ حدود تهديد الأمن الإجتماعي لهؤلاء الفاسدين عبر تطويق بيوتهم، وهذا هو المطلوب من الذين يُسمُّون أنفسهم ثواراً، بدل أن يُناطحوا راية حمراء مكتوب عليها “كلُّن يعني كلُّن”.
نعم، “كلُّن يعني كلُّن” أمام القضاء، وأمام لجنة الإدارة والعدل النيابية التي تسلَّمت من النائب حسن فضل الله عشرة ملفات تُطيِّر رؤوساً كما قال مراراً، وإذا كان هذا النائب قد قام بواجبه في تكوين هذه الملفات وأودعها لدى القضاء منذ أشهر، وباتت اليوم في عهدة لجنة برلمانية، فما هو المطلوب بعد ليتحرَّك هذا القضاء ويُقاضي أبناء الحرام بعد أن قُضيَ علينا؟؟!!