قبل تغيير بلادنا، علينا أن نغيّر أنفسنا ونأكل الجهل بالمعرفة والمشكلة الذين يدركون جهلهم ويتجاهلون… ((ميشال غنيم))
بعد كل الأزمات التي طرأت على الشعب اللبناني من معيشية واقتصادية إلى سياسية وأمنية، تبقى كارثة الجهل الجوهر الأساسي لكل هذه المشاكل التي لطالما كانت وستبقى موجودة في ظل العقلية السائدة لدى المواطنين. فاللبناني الذي اعتاد على السكوت عند استباحة حقوقه المدنية والتي ينص عليها الدستور اللبناني، أصبح مكبّل التفكير حيث لا يستطيع بعد اليوم تمييز الصح عن الخطأ والصالح من الفاسد. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: “هل ما نعيشه اليوم هو نتيجة السلطات المتعاقبة أم نتيجة الجهل الذي ضرب المواطن اللبناني؟”
لا يمكننا تجاهل حقيقة السلطات المتعاقبة التي كانت تحكم لبنان منذ اندلاع الحرب الأهلية إلى يومنا هذا، حيث أنها تتحمل مسؤولية فقر الشعب وعذابه بعد أن خسر عمله وممتلكاته وحقوقه وربما حياته. ولكن، بحسب الدستور اللبناني، فالشعب هو مصدر السلطات؛ أي أن الشعب هو من يختار ممثليه في مجلس النواب كي يتم تشريع القوانين ووضعها لتأمين الراحة الإجتماعية والإقتصادية له. نرى دائماً الشعب ينتقد السياسيين ويتهمهم بكل المأسات التي تدور حولهم إلّا أن الإنتقاد وحده لا ينفع إن لم يكن هناك شرف المحاولة للتغيير الفعلي. فكيف نستطيع أن نخرج من الأزمة التي نعيشها اليوم إن لم يدرك اللبناني أنه أخطأ عندما قبل المال من الزعيم مقابل انتخابه للخدمة الشخصية وليس لمشروع المرشح الإنمائي والتشريعي؟ متى سيعلم اللبناني أن قدرته على تغيير الواقع تتعلق بتوجيه البوصلة في المكان الصحيح عند نزوله إلى الشارع والمطالبة بحقوقه؟
فهناك انتفاضات حصلت وكان عدد المتظاهرون فيها عدة ملايين ولكن كان مصيرها الفشل، أما بالمقابل فنرى أيضاً انتفاضات كان العدد فيها لا يفوق المئة ألف وكانت النتيجة ثورة لتغيير النظام السائد أو اسقاط لحكومة ما. فكيف لذلك أن يحدث؟ إن الجواب بسيط جداً: غياب الجهل. لا يمكننا لوم الفقير أو المواطن التي لم تسمح له الظروف أن يتعلم بيومٍ من الأيام، ولكن اللوم هو على المتعلمين والمثقفين الذين لا يعملون على تعليم غيرهم وتوجيههم إلى المعرفة.
فمن أجل التغيير في لبنان، علينا كمواطنين أن ننفتح على الآخرين ونحترم الرأي المعاكس مهما كان لأن بذلك نقضي على التعصب والجهل ونبدأ بتوحيد أفكارنا وبتفهّم بعضنا البعض. فالإنسان هو صورة التلاقي والحوار التي يجب أن نبني من خلالها مستقبلنا أي بالتفاهم وليس بصراعات الماضي والحاضر، بل للتعلم منها.
لذلك، قبل تغيير بلادنا، علينا أن نغيّر أنفسنا ونأكل الجهل بالمعرفة والحكمة، فالمشكلة الأساسية هي بالذين يدركون جهلهم ويتجاهلون…