سارة عون – إنّ تضارب المصالح الاقتصاديّة والسياسيّة دائماً ما كانت تفرض الحروب ولاسيّما الباردة منها بين الدول الكُبرى، فظاهرة الصراع (the phenomenon of conflict) هي ظاهرة ديناميكيّة ذات حركة دائمة، حيث أن وجود مواقف ومصالح متضاربة ونسبيّة بين الدول عزَّزت ووطّدت هذا المفهوم القائم على فرض إرادات الدول الكُبرى على المسرح السياسيّ الدوليّ سعياً إلى التحكّم بمصير الدول ذات الإمكانيات المحدودة (الاقتصادية خصوصاً).
ففي ظلّ التغيُّرات التي طرأت على السيناريو السياسيّ العالميّ، والّذي أعاد ترتيب الدول من الأقوى إلى الأضعف تحت أطر جديدة، سعت الصِّين إلى تولّي الدّور الرئيس وإلى أن تكون محطّ الأنظار، من خلال تبنّيها ما نسمّيه بالصراع السلميّ (peaceful conflict) واتِّجاهها إلى اعتبار أنّ السلاح الأكثر فعاليّة هو القوانين والاتفاقيّات الّتي من خلالها تستطيع الهيمنة.
إذاً كيف أصبحت الصّين على ما هي عليه اليوم؟ و ما مدى تأثيرها على منطقة الشرق الأوسط؟
لقد سبق وقلنا إنّ الصّين دائماً ما تتبنّى الصراع السلمي تصدّياً لكلّ ما يأتي معاكساً لإراداتها، لاسيّما أن انخراط هذه الأخيرة في مجلس الأمن الدّولي التابع للهيئة الدوليّة، سمح للصّين بوجود نفوذ أوسَع وتأثير أكبر على القرارات الدوليّة المُتَّخذة وذلك لتمتُّعها بحقّ النقض.
فهذا الانخراط أدّى بالإدارة الأمريكيّة إلى فرملة ما تأتي به من قرارات ومواقف دولية، و ذلك إدراكاً منها أن المنافسة بينها وبين الصّين لا بأس بها على الرّغم من إنكارها الدائم لوجود هذه المنافسة.
فإن اتّباع الصّين ما نسمّيه ب”الإصلاح الاقتصاديّ” و ايماناً منها بعدم فعالية تطبيق مفهوم “القوّة” و لاسيَّما العسكري-الحربي منها لتطبيق ما سمَّته بالنظام العالمي الجديد، جعلت منها الأكثر حنكة و قوة.
بعد انتقال الصّين من الفكر الاشتراكي اللينيني إلى الفكر المتماشي مع النظام العالمي الجديد، أحدث تطوّرات إقتصادية لا مثيل لها. و مع انهيار الاتّحاد السوفياتي عام ١٩٩١، و تلقّيه الرفض من قِبل الجهات الغربيّة لروسيا دفع بالاتّحاد السوفياتي لتوجيه أشرعته نحو الضفّة الشرقية، فسارت الصّين بروسيا إلى برِّ الأمان من خلال تبادل المصالح الاقتصاديّة والعسكريّة، فعقدت معاهدة الصداقة الروسية-الصينية عام ٢٠٠١.
وممّا لا شكَّ فيه أنّ الصّين لم توفّر دولة من احتماليّة شبك علاقات معها، فكان للأخيرة علاقة جيّدة بفرنسا حيث عُقدت عام ١٩٩٦ القمّة الصينية-الفرنسية، التي بشكل اختصر تبنّت منع السيطرة الكاملة لقطب واحد والتصدّي لها ولكلّ دولة تحاول تطبيق هذا الفكر.
فكانت فرنسا الباب الرئيس لانفتاح الصّين على أوروبا.
فمن هنا نستطيع وصف الصّين بأنّها الدّولة الأكثر “حكمةً”، فسياستها هذه هي استمرار لسياسة الانفتاح التي قادتها إلى أبواب الشرق الأوسط بكلّ سهولة، وخصوصاً بعد المساعدة التي تلقّتها الصّين عند تأسيس جمهوريّتها عام ١٩٤٩ من سوريا والجزائر، وإيران.
وحاليّاً تعدّدت المصالح المُكتسبة للصّين في الشرق وتندرج تحت نقاط عدّة :
- حاجة الصّين للنفط: إن الصين هي من الدول الأكثر صناعة فحاجتها للمادة الأوّليّة(النفط) يفرض على الصّين التعامل السلمي مع المنطقة العربيّة.
- حاجة الصّين إلى مكان تصريف إنتاجها.
- الميزة الجيو-إستراتيجية للدول العربيّة، كوجود ممرات مائيّة تسهّل عمليّة التجارة البحريّة.
فبراعة الصين كلاعب صامت، استفزّ اللاعب الأميريكي ليكشّر عن أنيابه تصدّياً لها.
فتخرج الصين على العالم بموقف معاكس للولايات المتّحدة في قضية الحرب العراقيّة، ممّا جعل أميركا تفتح الحرب الاقتصاديّة عليها بالجوانب كلّها.
وإدراجاً منّا لذكر مصالح الصين في الشرق الأوسط، لا بدّ لنا من ذكر موقفها من الصراع العربي-الإسرائيلي، فكانت ذات رأي مستقيم وثابت حيث أنها رفضت كل أشكال الاحتلال، و آمنت بضرورة الحوار.
إن النظرة الإستراتيجية التي تتمتّع بها الصين، تجعل منها متوسّطة وغير متحيّزة لأي جهة، فكر، أو دولة، ما عدا “نفسها” و”مصالحها”.
فلا يسعنا القول إلا ما قاله إرنست رينين :
“السياسة حرب باردة، والحرب السياسيّة ساخنة”.
فما هو الموقع الذي ستحصل عليه الصين بعد معالجتها لازمة الكورونا؟ وهل سيكلّل هذا الموقع طول صبرها و آناتها في السياسة !؟