أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


وباء الكورونا وأخلاقيات المواجهة ـ أمين أبوراشد


في التحوّلات الكُبرى: “ما قبل وباء الكورونا ليس كما بعده”

لن ندخل في الروايات والتحليلات وحتى المعلومات، المرتبطة بما يُحكى عن الحرب البيولوجية بين الولايات المتحدة والصين التي أنتجت الوباء، ولا في النكبة التي مُنيت بها إيطاليا وتليها إيران، في دفع إيطاليا أثمان عقود تجارية أبرمتها مع الصين رغماً عن الإرادة الأميركية، ودفع إيران كالعادة تبعات المواجهة مع “الشيطان الأكبر”، لكن يبدو أن الوباء جعل “كل شعبٍ ينضح بما فيه”، بحيث انتصرت الصين بشكلٍ أوَّليّ في وأد الوباء على أرضها، وبدأت بتسيير طائرات الى العديد من الدول محمَّلة بالتجهيزات والعقاقير الطبية للمساعدة في الحرب الإنسانية ضد الكورونا.
وإننا إذ ننوِّه بكل من المبادرتين الصينية والروسية، اللتين شَمِلتا العديد من الدول ومن ضمنها إيطاليا، نرى من الواجب الإضاءة على الروح الشرقية في التعامل الإنساني الذي يسمو فوق الأديان جميعها، بالمقارنة مع ما بَدَر من الأوروبيين، الذين أحجموا عن مدّ صربيا بالتجهيزات من الإتحاد الأوروبي بذريعة عدم توفُّرها، مما حدا برئيس الوزراء الصربي الى كسر الحصار المفروض على صربيا من الإتحاد، والذي كان يمنعها من استيراد السلع الصينية، وبَدَت أوروبا وكأنها تُطبِّق على صربيا المثل اللبناني: “لا بيرحموا ولا بيخلُّوا رحمة ربّنا تنزل”!

الأكثر استغراباً في معايير أخلاقيات المواجهة، أن طائرة صينية كانت تنقل أجهزة تنفُّس وكمَّامات الى إيطاليا، واضطرت الى الهبوط في أحد المطارات التشيكية للتزوُّد بالوقود، فأقدمت السلطات هناك على مصادرة الحمولة بذريعة الحاجة إليها!، ولا حاجة بنا الى ذكر العديد من الأمثلة عن أن هذا الوباء كَشَف وسوف يكشف الكثير من العورات الأخلاقية، التي يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار في تصنيف الدول والشعوب بعد انحسار الكورونا.

ولأننا في لبنان مُنقسِمون بين شرقي وغربي، أو روسي أميركي لا فرق، نرغب أن نروي الى “اللبنانيين الغربيين” هذه الحكاية التي حصلت منذ نحو عشرين سنة:

عمَّمت وزارة الصحة اللبنانية في حينه على الصيدليات، وجوب الإمتناع عن بيع دواء “بيسرول” المُضاد للصُداع، ومُصادرة الكميات المطروحة في الأسواق، كون تناوله يُنتج مضاعفات سلبية على المرضى، ومما تمّ التداول به في الأوساط الطبية اللبنانية يومذاك، أن الولايات المتحدة قد حظَرت بيعه في أسواقها الداخلية منذ أكثر من عقدين، وأن لبنان كما أية دولة نامية، حقل تجارب حيناً، وسوق تصريف ما لا يُصرَّف في أسواق الدول المُتقدِّمة .

وبناء على هذه المُعادلة، ولأننا في زمن وزارة صحة نفخر بها وبالحكومة مجتمعةً، نؤكد أننا لن نكون بعد اليوم حقل تجارب ولا سوقاً لتصريف نفايات أحد، والجسم الطُبي في لبنان من أقدَر الكفاءات في العالم، وشباب جامعاتنا باشروا بإنتاج نماذج أجهزة تنفُّس ستحمل دمغة “صُنعَ في لبنان”، وجيشنا اللبناني بدأ يُنتِج كمَّامات واقية، والإكتفاء الذاتي في مواجهة الوباء بات حقيقة، والتضامن الرسمي والأهلي ضاعف من قدراتنا رغم الضائقة المالية الخانقة. 

ونختتم بما اعتاد الناس قوله في التحوّلات الكُبرى: “ما قبل وباء الكورونا ليس كما بعده”، ووسط نزع الإيطاليين علم الإتحاد الأوروبي ووضع العلم الروسي أو الصيني بديلاً عنه الى جانب العلم الإيطالي، فإن القارة العجوز التي تتحضَّر للإنفتاح على الشرق، ليست أولى بنا نحن اللبنانيين أن يكون الشرق بديلاً واقعياً لنا، لأن أميركا، لا أرسلت ولا ستُرسل لنا ترياق الحياة، وزمن العولمة انهار أمام الوباء، وكما كل دولة تحصَّنت داخل حدودها السيادية ولديها كامل خيارات التحالفات، فإن لبنان أمام خيارات جديدة…

المصدر: الثبات