أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


نصف اللبنانيين خبراء “يوروبوند” والنصف الآخر خبراء كورونا

حبيب البستاني – لقد اعتاد اللبنانيون على كل المشاكل ومرت عليهم أزمات عديدة وحروب عديدة ليس أقله ما نمر به اليوم من أزمة اقتصادية حادة ومعضلة صحية ناجمة عن خطر فيروس كورونا المستجد، لقد كنا وما زلنا منقسمين سياسياً، وحول عدد كبير من المواضيع، وعلى سبيل المثال لا الحصر حول لبنان وهويته، فمن منادٍ بهوية عربية وضرورة الانتماء إلى العالم العربي الواسع المجيط بنا من المحيط إلى الخليج ومن منادٍ بالمدى العالمي للبنان وضرورة التحاقه بالحضارة الغربية، لا سيما فرنسا الأم الحنون. وبفعل “العبقرية” اللبنانية بين مزدوجين أستطعنا الخروج من أزمة الهوية بالقول أن لبنان هو بلد ذو وجه عربي، وبقينا على هذا المنوال ردحاً من الزمن إلى أن توصلنا وبعد مخاض عسير للقول أن لبنان دولة عربية لا سيما أنه واحد من مؤسسي الجامعة العربية عدا عن كونه أيضاً واحد من مؤسسي الأمم المتحدة، كذلك مختلفين حول النظام السياسي والنظام الانتخابي ونظرتنا إلى مستقبل لبنان ناهيك عن الخلافات الفكرية والسياسية والعقائدية.

لقد ابتدع اللبناني فن الاختلاف وهو نابع من التعددية اللامحدودة التي يتمتع بها وطن الأرز، من اللغة إلى الدين إلى الهوية إلى العقيدة حتى وصل بنا الاختلاف إلى التعامل مع الأمور اليومية التي تتصل بيومياتنا من علم الاقتصاد إلى علوم النقد والأموال وصولاً إلى عالم الطب والأوبئة وسبل معالجتها.

بالأمس القريب كان الجميع يتحدث بالاقتصاد فأصبحنا كلنا بين ليلة وضحاها خبراء ليس فقط باقتصادنا الداخلي ومدى تعثره، بل أيضاً خبراء في دنيا الأموال وليست الأموال البسيطة بمعناها الضيق بل بمعنى سياسة إدارة هذه الأموال وثروة لبنان واستثمارات لبنان وديون لبنان، وانتقل الإعلام معظم الإعلام المكتوب والمسموع ولا سيما المرئي إلى الحديث عن الموضوع بلغة العارف والضليع والمطلع، وتحول مراسلو الحراك أو “الثورة” سمها ما شئت، إلى مراسلين إقتصاديين وكأنهم يعملون لدى CNN او تلفزيون أو وكالة Bloomberg لا فرق، وتحول فريق عمل بعض المؤسسات الإعلامية، الذي كان يغطي إقفال طريق الذوق وجل الديب والرينغ وصولاً إلى دوار إيليا وكفرمان، إلى مراسلين ينامون على أدراج مؤسسة Fitch ويصحون على أدراج مؤسسة Moody’s ليس لسبب، إلا لنقل تصنيف لبنان وكيفية الانتقال من C إلى CC، بالأمس كانوا يستصرحون الناس لنقل الكلام الأكثر بذاءة والرأي الأكثر تطرفاً، فصوروا الناس وكأنهم مجموعة من الغوغائيين والأميين، وهكذا تحول أولئك وبسحر ساحر إلى خبراء يزايدون في مسألة دفع اليوروبوند، لا لشيء إلا للإثارة وكسب ما يسمى بلغة الإعلام ال Rating، هذا كله ربما كان مفهوماً لأن الوضع الاقتصادي المتردي يمكن استثماره سياسياً وتحويله إلى نقمة على الحكم والحكومة.

واليوم تحول بعض الإعلام لا سيما الإعلام نفسه الذي كان يبحث عن الإثارة في المسائل السياسية والاقتصادية، إلى إعلام رخيص يسعى إلى استثمار وجع الناس والخطر المحدق بهم من جراء تفشي فيروس كورونا المستجد، في سبيل التجييش ضد الدولة والمؤسسات غير عابىء بسلامة الناس وصحتها، محاولاً إظهار وباء كورونا وكأنه ينتمي إلى معسكر معين أو مذهب معين، في الوقت الذي يهدد هذا الفيروس ليس لبنان فحسب بل كل بلدان العالم بدون استثناء، من أوروبأ إلى آسيا وصولاً إلى أميركا وكندا وحتى أستراليا، وأصبح كل عارف أوعالم أو طفيلي لا فرق يتشدق بالحديث عن هذا الوباء واضعاً نصب عينيه انتقاد الدولة والحكومة وصولاً إلى العهد، ووصلوا إلى حد اتهام الدولة وتحديداً وزير الصحة بالتقصير وبعضهم وصلت به الوقاحة ليس فقط للمطالبة باستقالة الوزير بل بمحاكمته، وكأنه هو المسؤول عن انتشار الوباء الخطير، وهنا لا بد لنا من شهادة حق فالوزير والدولة قامت بكل ما يتوجب عليها واضعة كل إمكاناتها لمكافحة هذا الوباء والحد من انتشاره ومعالجته، ولقد لاقت هذه الإجراءات استحسان منظمة الصحة العالمية التي أثنت على الجهد المبذول من قبل الحكومة اللبنانية، إنه من المعيب أن يقوم البعض بحملة لإثارة الهلع في النفوس وبذلك تزداد نسبة الإصابات والوفيات، وفي هذا الإطاريحكى أنه عندما ضرب الطاعون الأسود La Peste noire مدينة الشام في القرون الوسطى، ذهب إليها أحد العرافين وسأل الطاعون ” كم سيبلغ عدد ضحاياك أجابه الطاعون حوالي 100″ وبعد مدة وكان الطاعون قد انتشرفي كل أرجاء الشام وفتك بأكثر من 1000 ضحية عاد العراف إلى بلاد الشام وسأل الطاعون ” لقد وعدتني أن عدد ضحاياك لن يتخطى المئة، واليوم بلغ العدد 1000″ فأجابه الطاعون ” لقد بلغ عدد ضحاياي بالفعل حوالي المئة ولكن الباقون توفوا بسبب الخوف”، نورد هذا لننبه إلى أن الحملات الإعلامية التي تشن ضد الحكم والحكومة لن تنال منهما إنما ستزيد من عدد المصابين والوفيات.

لقد انتشر فيروس كورونا المستجد في كل البلدان وبدأت دول عظمى مثل فرنسا وإيطاليا وغيرها تعاني من نقض في مواد التعقيم، وأصبحت الكمامات مفقودة لا سيما الكمامة N95 المناسبة للحماية من الفيروس غير متواجدة في معظم الأسواق الأوروبية، وإن عدداً كبيراً من مستشفيات أستراليا يعاني من نقص حاد في ألبسة الحماية والوقاية، كذلك فإن أكثر من مسؤول صحي في كثير من الدول المتقدمة أعلن أن دوله لا تملك الإمكانات الطبية الكافية لمواجهة هذا الوباء.

من هنا فإننا كلنا مدعوون للمواجهة ومؤازرة الدولة والوقوف صفاً واحداً لدعم الإجراءات الصحية التي تقوم بها، إن خلافاتنا السياسية لا يجب أن تكون حائلاً أمام التزام الجميع بالحس الوطني والاطلاع بالمسؤولية، وعلى السادة الأطباء من مختلف الاختصاصات التقدم من وزارة الصحة ووضع أنفسهم بتصرفها، وإبداء الرأي والمشورة والخبرة مع اللجنة الوطنية لمكافحة الكورونا، وذلك كما فعل الكثيرون من طلاب الطب والأطباء. لقد اختلفنا على كل شيء فلتفق أقله على إنقاذ أنفسنا.

كاتب سياسي