قبل الحديث عن المحاولة الإنقلابية المزعومة، التي اتُّهِمَ بها بعض الأمراء وأبرزهم أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف ضد ولي العهد محمد بن سلمان منذ أيام، يحضرنا الإنقلاب الذي قام به هذا الأخير مع والده الملك سلمان على الأعراف المُتوارثَة في السعودية، عندما تم إقصاء “حفيد عبد العزيز” محمد بن نايف عن ولاية العهد بتاريخ 21 حزيران / يونيو من العام 2017 وتعيين “الحفيد” محمد بن سلمان بديلاً عنه.
هذا “الإنقلاب” أشَّر يومذاك، ليس فقط على بداية حرب الأحفاد، بل على استحداث إرث “سلمان بن عبد العزيز وولده” القائم على القوة بدلاً من المشورة التي كانت سائدة بين أبناء عبد العزيز المؤسس، وعزل “هيئة البيعة” عن دورها عبر التنكيل بمَن رفضوا وصول محمد بن سلمان الى ولاية العهد في طريقه الى العرش، ولعلَّ حادثة “الريتز” منذ ثلاث سنوات، التي اعتُقل فيها العشرات من الأمراء ورجال الأعمال، كانت الرسالة الأولى التي وجَّهها بن سلمان “لمن يهمهم الأمر”، أن إرث عبد العزيز القاضي بتولِّي أبناءه العرش قد انتهى، لعدم أهلية الأحياء الباقين من أبنائه للعرش ومن ضمنهم أحمد بن عبد العزيز، الذي يخشى سطوة إبن أخيه المُهيمِن على كافة مرافق المملكة ومفاصل الأمن والإستخبارات فيها.
ما ذكرته الصحف الغربية ومن أبرزها “نيويورك تايمز”، أنه كانت هناك محاولة إنقلابية على محمد بن سلمان، عبر تواصل بعض الأمراء مع العائلات الكبيرة في المملكة، ومع الجهات الأجنبية النافذة، وترافُق هذه المحاولة مع أنباء عن سوء الحالة الصحية للملك سلمان، الذي يكون ربما قد توفي أو على الأقل دخل في موتٍ سريري، ما حدا بالإعلام السعودي الى بث فيديو للملك يُصافح فيه أحد السفراء خلال تقديم أوراق اعتماده له، تُظهِّر مشكلة ولي العهد، أنه يسعى للوصول الى العرش عبر تنحِّي والده أو بانتظار وفاته عبر البطش بالخصوم، لكن خصومه لا يقتصرون على سلالة عبد العزيز، لأن هناك عائلات كبرى في المملكة ليست راضية عن أدائه، أشهرها آل التويجري الذين يرتبطون بالعائلة المالكة عبر الأنساب، أو عائلة آل الشيخ التي تربطها صِلَة الرحم بالشريك الديني لآل سعود في تأسيس مملكتهم وهو مؤسس المذهب الوهابي محمد بن عبد الوهاب.
وبصرف النظر عن توقيت وصول محمد بن سلمان الى العرش، فإن وضع المملكة لا يؤشِّر إطلاقاً الى مستقبلٍ واعد، إن كان لجهة التورُّط بحرب اليمن، أو المواجهة الصعبة مع إيران، أو الإبتزاز الأميركي المالي الذي تعتمده أميركا لحماية عرش آل سعود، في وقتٍ دخلت فيه المملكة أزمة ماليةٍ حادة، سوف تقوِّض أحلام محمد بن سلمان في تحقيق رؤية 2030، نتيجة ما حصل من انهيار دراماتيكي في أسعار النفط منذ أيام، وانعكاسه على أسواق أسهم البورصة السعودية بتراجع بلغ 9% وبداية انهيار لسهم آرامكو الذي تراجع أيضاً بنسبة 10% في يومٍ واحد.
وإذا كان محمد بن سلمان يعتقد، أن الإصلاحات البنيوية التي حاول من خلالها استرضاء النساء السعوديات عبر السماح لهن بقيادة السيارة، أو الشباب السعوديين عبر الإنفتاح المُفاجىء للمملكة على السياحة وافتتاح “ملاهي الحلال”، فإن هذا لا يكفي لإرضاء الشعب، لأن هناك ما تُسمَّى “الدولة العميقة” الرافضة لكل ما يمَسّ بالمحرَّمات الدينية في “الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر” والتمسُّك بأحكام الشريعة، وقد طُرحَت تساؤلات علنيَّة من المُتشدِّدين الدينيِّين، حول كيفية إغلاق الحرم المكِّي أمام المعتمرين بحجَّة حمايتهم من وباء كورونا والإبقاء على دور اللهو والترفيه مشرَّعة الأبواب.
لذلك، فإن المملكة كائناً مَن كان وريث عرشها من آل سعود، دخلت المنحى الإنحداري مالياً واقتصادياً، لأن المواجهة مع روسيا في أسواق نفط “أوبيك +” (أي منظمة “اوبيك” ومعها المُنتجِين من خارجها)، قد أطاحت بالمُنظَّمتين، ووصل سعر برميل النفط الى مشارف ال 30 دولاراً، والمملكة السعودية التي رفعت إنتاجها الى نحو 11 مليون برميل يومياً بدأت تنزِف من اقتصادها، لأنها قياساً الى موازنتها السنوية الضخمة البالغة 500 مليار دولار، يختلّ ميزانها الإقتصادي لو باعت برميل النفط بأقل من 112.9 دولار، بينما الكويت تسمح لها موازنتها ببيع البرميل بـ 70 دولاراً، وروسيا بإمكانها بيعه ضمن هامش يتراوح بين 30 و 40 دولاراً.
بناء عليه، رؤية 2030 لن يراها محمد بن سلمان الذي كان يُراهن على آرامكو، لأن رؤيته هذه مرتبطة بالنفط والمشتقات النفطية والصناعات المرتبطة بها، وانهيار أسعار النفط ليس آنياً ومرتبطاً بالركود الإقتصادي نتيجة انتشار وباء الكورونا، بل هو مستمرّ ضمن سعر لن يتجاوز ال 60 دولاراً في أحسن الأحوال، لأن أميركا، التي أعلن ترامب أكثر من مرة عن عدم حاجتها لنفط الخليج، بدأت بإنتاج النفط الأحفوري (الصخري) بكميات تجارية ضخمة، ويبقى على محمد بن سلمان أن يدفع لها أموالاً وصفقات أسلحة واستثمارات من اللحم الحيّ ليبقى عرش آل سعود على قيد الحياة…
المصدر: الثبات