🌷♰🌷
تفسير مُعمَّق من الآباء والقديسين للصدقة (إنجيل القديس متى ٦: ١-٤)
الصدقة
يقوم التدبير الملوكي royal order على الجوانب الثلاثة التي عرفها الناموس الموسوي من صدقة وصلاة وصوم. الصدقة بما تحمله من معنى عام ومتسع، كعطاء للآخرين مادي ونفسي وروحي، والصلاة بكل ما فيها من عبادة جماعيّة وعائليّة وشخصيّة، وصوم بما يعنيه من كل أنواع البذل والنسك. ما هو جديد أنه يدخل بنا السيّد إلى أعماق النظام لنمارسه لا كفريضة خارجيّة، وإنما بالأكثر كحياة حب عميق يربطنا بالله أبينا. في كل تصرف يقول السيّد “أبوك الذي في الخفاء هو يجازيك علانيّة” [4]. وكأن غاية الحياة المسيحيّة من سلوك وعبادة ونسكيّات هو الدخول إلى حضن الآب السماوي في المسيح يسوع ربنا. لقد ركّز السيّد في حديثه هنا على “نقاوة القلب” حتى يقدر المؤمن في حياته وسلوكه وعبادته أن يلتقي بالله ويعاينه! إنه لم يقدّم للكنيسة كمًّا للعبادة، إنّما قدّم نوعيّة العبادة، فإنه يريد قلبها لا مظاهر العمل الخارجي.
🌷♰🌷
“احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدّام الناس لكي ينظروكم،
فمتى صنعت صدقة فلا تُصوّت قدامك بالبوق،
كما يفعل المراءون في المجامع وفي الأزقّة،
لكي يُمجّدوا من الناس.
الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم،
وأما أنت فمتى صنعت صدقة،
فلا تُعرِّف شمالك ما تفعل يمينك.
لكي تكون صدقتك في الخفاء،
فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانيّة” [1-4].
من الجانب السلبي يحذّرنا الرب من ممارسة الصدقة لأجل الناس: “لكي ينظروكم”، كما من ممارستنا لها لأجل إشباع الذات، قائلاً: “فلا تعرف شمالك (الأنا ego) ما تفعل يمينك”. فإن كان اليمين يُشير إلى نعمة الله التي تعمل فينا، فإنّنا نفسد هذا العمل إن قدّمناه ليس من أجل الله، وإنما لإشباع الأنا بإعلان العمل للشمال! حقًا إن الشمال أو “الأنا” هو أخطر عدوّ يتسلّل إلى العبادة ذاتها والسلوك الصالح، ليحطّم ما تقدّمه نعمة الله لنا خلال يميننا، وتفقده جوهره خلال الرياء الممتزج بالكبرياء.
كان المراءون يصنعون الصدقة بينما يُصوّت بالبوق قدّامهم، أي تقدّم لهم دعاية؛ سواء في عطائهم العام في المجامع من أجل احتياجات الجماعة أو في الأزقّة، إذ يقدّمون للشحّاذين العاديّين صدقة في الطريق العام.
احترزوا من السلوك بالبرّ بهذا الهدف، فتتركّز سعادتكم في نظرة الناس إليكم، “وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السماوات”. فقدانكم للأجر السماوي لا يكون بسبب نظرة الناس إليكم، بل لسلوككم بهذا الهدف. في هذا الأصحاح لم يمنعنا الرب من صنع البرّ أمام الناس، لكنّه يحذّرنا من أن نصنعه بغرض الظهور أمامهم.
ماذا يعني السيّد بقوله: “أما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرِّف شمالك ما تفعله يمينك” سوى عدم السلوك مثل المرائين الذين يعرفون شمالهم ما تفعله يمينهم. فشمالهم هو “رغبتهم في المديح“، واليمين هو تنفيذ الوصايا، وعلى هذا فامتزاج الاثنين معًا يعني تعرُّف الشمال ما تفعله اليمين. (القدّيس أغسطينوس)
الكل يرى اللص “الرياء” يحمل كل شيء أمام عينيّه ويبتهج بذلك! يا لها من لصوصيّة جديدة من نوعها، تجتذب الناس وتبهجهم بينما هم يُسلبون!
قد يوجد من يقدّم صدقته قدام الناس لكنّه يتحاشى التظاهر بها، ويوجد أيضًا من لا يقدّمها قدام الناس لكنّه يتباهى بها سرًا. فالله لا يجازي عن الصداقة بحسب صنعها إن كانت أمام الناس أم لا، بل بحسب نيّة فاعلها. (القدّيس يوحنا الذهبي الفم)
محب الفقراء يكون كمن له شفيع في بيت الحاكم. من يفتح بابه للمعوزّين يمسك في يده مفتاح باب الله. من يقرض الذين يسألونه يكافئه سيّد الكل. (القدّيس يوحنا التبايسي)
لنعطِ الرب الثياب الأرضيّة حتى نلبس الحلة السماويّة! لنعطه الطعام والشراب اللذين في هذا العالم، فنبلغ إلى أحضان إبراهيم واسحق ويعقوب في الموضع السماوي!
لنزرع هنا بوفرة حتى لا نحصد قليلاً.
مادام يوجد وقت فلنهتم بأمر خلاصنا الأبدي، كقول الرسول بولس: “فلا تفشل في عمل الخير لأننا سنحصد في وقته إن كنّا لا نكل. فإذًا، حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع، ولاسيما لأهل الإيمان” (غل 6: 9-10). (القدّيس كبريانوس)
📖 كلمات من نور 🕯 {مائدة الصوم}
قال الربّ يسوع: “إحذروا من أن تعملوا برّكم أمام النّاس ليراكم النّاس، وإلاّ فلا أجر لكم عند أبيكم الذي في السّماوات. (مت ٦ : ١)”
إحذروا: يحذّرنا ربّنا من أن نعمل أي عمل في الظاهر برّ، وفي الداخل نكون ممتلئين أنانية، وكبرياء، وإعجاب بأنفسنا… لأن في هذه الحال نكون لربما قدّمنا للعطشان كأس ماء، ونكون قد سكبنا على نفسنا نفطاً سريع الاشتعال…
بِرّكُم: هناك وجْهَين لفعل البرّ. ❌ برّ نسعى فيه لتمجيد أنفسنا، وهذا يحذرنا منه الربّ. ✨ وبرّ نصنعه لمجد الآب، وهذا البرّ محمود ومرغوب ومحبّب بعين الربّ. وهو عمل الإحسان المطابق لمشيئة الله أبينا. ☝
أمام النّاس ليراكم النّاس: إن فعل البرّ والإحسان لا يتمّ في ظلام الليل، أو خلف الغيوم، لا بدّ من أن يرانا الآخرين نصنعه، المهم أن يكون تحت نظر الربّ وجناح محبته، ولمجده…
وإلا فلا أجر لكم عند أبيكم: إن خسارة الأجر بمثابة خسارة الحياة. أجر الآب لفاعل البرّ لمجده هو، أنه جعله امتدادًا لحضوره على الارض تجاه من صنع له البرّ. وأنه يجعله قيّمًا على خيرات ملكوته، ويُجلسه عن يمينه في مجده، لأنه في زمن غربته اخلى ذاته، وفعل كل ما يجعل الآب معروفًا ومحبوبًا وممجدًا…
المجد والحمد والتسبيح والشكران، لكَ أيها الربّ يسوع المسيح. لأنك بتعليمك ومثال حياتك، حذّرتنا من كل ما يجعلنا مأكلاّ للنّار، وقدّمت لنا كل ما يجعلنا أبناء النور، وأبناء أبيك الذي في السّماوات.
المجد لك، لأنك تطلب منّا أن يكون برّنا مثل برّك، لأنه يحيي إنسانيتنا، ويُظهر للعالم محبة الآب وعنايته، ومجده، ويعود علينا بالحياة الابدية والاشتراك في مجد ملكوته. والحمد والمجد والشكر لك…
👈 صلاة القلب ❤
يا ربّي يسوع، خمّرني بروحكَ 🔥اجعل برّي مثل برّك، وإحساني مثل إحسانك.
يا ربّي يسوع، اجعل من كلّ فعل برّ أقوم به، خدمة للإنسان، ومجدًا لأبي الذي في السّماوات. ☝
ربُّ العلاءِ يُعلي مُقامَ ، من بالنقاءِ يقضي الصيامَ.
المصدر: 📖🕯🔆كلمات من نور🕊🔆🕯