(كلمة الله) خصمك… خصم إرادتك حتى تصير مصدرًا لخلاصك بارادتك.
القطيع الجديد ونار الروح والألم وروح التمييز.
🌸 ♰ 🌸
تفسير مُعمَّق من الآباء والقديسين لِـ(القطيع الجديد ونار الروح) – لوقا البشير ١٢: ٤٩ – ٥٩
القطيع الجديد ونار الروح
إذ طالبنا السيِّد أن نحيا كوكلاء أمناء وحكماء، فمن أين نقتني الأمانة والحكمة؟ أنهما عطيَّة الروح القدس الناري، الذي بعثه السيِّد المسيح لكنيسته لكي يحول أعضاءها إلى أشبه “بعرش شاروبيمي ملتهب نارًا”، فنتأهل ليملك الرب علينا، جالسًا في داخلنا كما علي عرشه. هذه النار الإلهيَّة هي عطيَّة الرب لنا، إذ يقول: “جئت لألقي نارًا على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت؟” [49].
أراد بهذا أن يقدَّم لنا تلميذا مملوءًا حرارة ونارًا، مستعدًا لاحتمال كل خطر. (القدِّيس يوحنا الذهبي الفم)
لهذا السبب ظهر الروح في نار، لكننا نحن نزداد برودة أكثر من الرماد، وعدم حيويَّة أكثر من الموتى، بينما نرى بولس يحلق في أعلى السماوات وسماء السماوات، أكثر غيرة من اللهيب، يغلب كل شاء، ويتخطى كل الأمور: السفلية والعلويَّة، الحاضرة والمستقبلية، والكائنة غير الكائنة…
لنترك بولس ونذكر المؤمنين الأولين الذين تركوا كل ممتلكاتهم ومكاسبهم وكل الاهتمامات الأرضية والراحة الزمنيَّة، مكرسين أنفسهم لله بالكلية، معطين كل اهتمامهم لتعليم الكلمة ليلاً ونهارًا. هذا هو نار الروح الذي لا يسمح لنا أن تكون فينا شهوة لأمرٍ من أمور هذه الحياة، بل ينقلنا إلي حب آخر.
قال هذا ليعلن عن التهاب الحب وحرارته الذي يطلبه فينا. فكما أحبَّنا كثيرًا جدّا هكذا يريدنا أن نحبه نحن أيضًا. (القدِّيس يوحنا الذهبي الفم)
إله الكل هو “الصانع ملائكته رياحًا وخدامه نارًا ملتهبة” (مز 104: 4)… عندما رغب بولس الطوباوي ألا تبرد نعمة الروح المعطاة لنا، حذرنا قائلاً: “لا تطفئوا الروح” (1 تس 5: 19)، حتى نبقى شركاء مع المسيح، ذلك أن تمسكنا حتى النهاية بالروح الذي أخذناه، إذ قال: “لاتطفئوا” ليس لأن الروح موضوع تحت سلطان الإنسان أو أنه يحتمل آلامًا منه، بل لأن الإنسان غير الشاكر يرغب في إطفاء الروح علانية، ويصير كالأشرار الذين يضايقون الروح بأعمال غير مقدَّسة…
لقد أمسكت نار كهذه بإرميا النبي عندما كانت الكلمة فيه كنارٍ، إذ قال أنه لا يمكن أن يحتمل هذه النار (إر 20: 9)… وقد جاء سيدنا يسوع المسيح المحب للإنسان لكي يلقي بهذه النار علي الأرض، قائلاً ماذا أريد لو اضطرمت؟” (القدِّيس البابا أثناسيوس)
ليعيننا الفهم الصالح ملهبًا أذهاننا ومنقيها، ذاك الذي جاء ليرسل نارًا علي الأرض لتبدد العادات الشرِّيرة مسرعًا بإشعالها. (القدِّيس غريغوريوس النزينزي)
عندما حلّ الروح القدس قيل: “وظهرت ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت علي كل واحد منهم” (أع 2: 3)… من ثم يقول الرسول أيضًا: “حارين في الروح” (رو 12: 11)، لأن منه تأتي غيرة الحب: “لأن محبَّة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا” (رو 5: 5). وعلى نقيض هذه الغيرة ما قاله الرب: “تبرد محبَّة الكثيرين” (مت 24: 14)، لأن الحب الكامل هو عطيَّة الروح القدس الكاملة. (القدِّيس أغسطينوس)
هذه هي النار التي اضطرمت في قلوب التلاميذ، فألزمتهم بالقول: “ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب؟” (لو 24: 32). (القدِّيس جيروم)
لا يقصد النار المحرقة للخير، وإنما النار التي تحث علي الأعمال الصالحة، التي تجعل الأواني الذهبية التي في بيت الرب في حالٍ أفضل، بحرق العشب والقش (1 كو 3: 12) وحرق كل مخبأ زمني تكدست فيه الملذّات الجسديَّة الزمنيَّة التي مصيرها الفناء.
هذه النار الإلهيَّة أشعلت عظام الأنبياء، كما قال إرميا: “كان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي فمللت من الإمساك ولم أستطع” (إر 20: 9).
توجد نار للرب قيل عنها: “النار تحرق قدامه” (مز 96: 3).
الرب نفسه نار، إذ يقول عن نفسه أنه نار آكلة (مز 3: 2؛ 24: 17؛ تث 42:4؛ عب 12: 29).
نار الرب هي النور الأبدي، بهذه النار تُشعل السرج التي سبق فقيل عنها: “لتكن أحقاءكم ممنطقة وسرجكم موقدة”. يشهد كليوباس وزميله أن الرب وضع فيهما هذه النار بقولهما: “ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا؟” (لو 24: 32)، معلنين عن عمل هذه النار التي تنير أعماق القلب. ربَّما لأجل هذا سيأتي الرب في نار (إش 46: 15-16) ليحرق كل الرذائل في القيامة ويملأ بوجوده إشتياقات كل أحد (من مؤمنيه) ويشرق بنوره علي الأعمال والسرائر. (القدِّيس أمبروسيوس)
إننا نؤكد أن هذه النار التي أرسلها المسيح هي لخلاص البشر ونفعهم، الله يهب كل قلوبنا أن تمتلئ بها. فإن النار هنا – كما أقول – هي رسالة الإنجيل الخلاصيَّة وقوَّة وصاياه، فإننا جميعًا نحن الذين علي الأرض باردون وأموات بسبب الخطيَّة وفي جهالة… نلتهب بالحياة التقويَّة ونصير “حارين في الروح” (رو 12: 11) كتعبير الطوباوي بولس. بجانب هذا نصير شركاء في الروح القدس الذي هو مثل نارٍ في داخلنا…
هذه هي عادة الكتاب المقدَّس الإلهي المُوحى به أنه يلقب الكلمات الإلهيَّة المقدَّسة أحيانا باسم “نار”، ليظهر فاعلية الروح القدس وقوَّته، الذي به نصير نحن حارين في الروح.
تحدَّث أحد الأنبياء القدِّيسين في شخص الله عن المسيح مخلِّص الجميع: “يأتي بغتة إلي هيكله السيِّد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به، هوذا يأتي قال رب الجنود؛ ومن يحتمل يوم مجيئه؟ ومن يثبت عند ظهوره؟ لأنه مثل نار الممحص ومثل اشنان القصّار، فيجلس ممحصًا ومنقيًا للفضة” (ملا 3: 1-3). يقصد بالهيكل الجسد الذي هو مقدَّس بالحق ليس فيه دنس، وُلد من العذراء القدِّيسة بالروح القدس بقوَّة الآب. فقد قيل للعذراء الطوباويَّة: “الروح القدس يحل عليكِ وقوَّة العلي تظللك” (لو 1: 35). وقد حسبه “ملاك (رسول) العهد، إذ جاء يكشف لنا عن إرادة الآب الصالحة ويخدمنا. كما يقول بنفسه: “لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي” (يو 15: 15)… وكما أن الذين يعرفون كيف ينقون الذهب والفضة يستخدمون النار… هكذا يطهّر مخلِّص الكل فكر كل الذين يؤمنون به بتعاليم بقوَّة الروح…
بماذا نفسر الجمرة التي لمست شفتي النبي (إش 6: 6-7) وطهرته من كل خطيَّة؟ إنها رسالة الخلاص، والاعتراف بالإيمان بالمسيح، من يتقبل هذا في فمه يطهر. هذا ما يؤكده لنا بولس: “لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت” (رو 10: 9).
إذًا نقول أن قوَّة الرسالة الإلهية تشبه جمرة حيَّة ونارًا. يقول إله الكل للنبي إرميا: “هأنذا جاعل كلامي في فمك نارًا وهذا الشعب حطبًا فتأكلهم” (إر 5: 14)، “أليست هكذا كلمتي كنار يقول الرب؟” (إر 23: 29). (القدِّيس كيرلس الكبير)
القطيع الجديد والألم
إذ يهب الرب قطيعه الجديد روحه القدُّوس الناري، مقدَّما لهم كلماته أيضًا الناريَّة، وواهبًا إياهم الحب الناري، إنما لكي يعيش القطيع على مستوى سماوي ناري لا تستطيع أحداث هذا العالم أن تعوقه عن الانطلاق نحو الأبديات. حقًا إن مجيء السيِّد يلهب القلوب بالحب، لكنه أيضًا يثير غير المؤمنين حتى الأقرباء لمضايقتهم، فيحتمل المؤمنون كل ألم وضيق بقلب متسع كسيِّدهم. يقول السيِّد المسيح:
“ولي صبغة أصطبغها، وكيف أنحصر حتى تُكمل؟
أتظنون إني جئت لأعطي سلامًا على الأرض؟
كلا، أقول لكم، بل انقسامًا.
لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين، ثلاثة على اثنين، واثنان على ثلاثة.
ينقسم الأب على الابن، والابن على الأب،
والأم على البنت، والبنت على الأم،
والحماة على كنتها، والكنة على حماتها” [50-53].
ما هي الصبغة التي اصطبغ بها السيِّد إلا احتماله الألم حتى الموت، باذلاً دمه من أجلنا، لذا يليق بنا أن نحمل سمته، فنقبل من أجله الجهاد الروحي حتى الدم، أي حتى الموت. وكما يقول الرسول: “من أجلك نمات كل النهار” (رو 8: 36).
لقد دُعيت المعموديَّة صبغة، إذ بها نحمل سمات السيِّد المسيح. بدفننا معه لنقوم أيضًا معه، حاملين قوَّة قيامته فينا. هذه الصبغة كما يقول العلامة ترتليان تكون في مياه المعموديَّة أو خلال الاستشهاد، هاتان المعموديتان- في رأيه- أخرجهما من جنبه المطعون، إذ خرج منه دم وماء (يو 19: 34).
يقصد بمعموديته (صبغته) موته بالجسد، وبانحصاره إذ حزن وتضايق حتى أكملها. ماذا حدث عندما أكملت؟ صارت رسالة الإنجيل الخلاصيَّة معلنة لا في اليهوديَّة وحدها، بل في كل العالم… فقّبل الصليب الثمين وقيامته من الأموات كانت وصاياه ومجد معجزاته الإلهيَّة في اليهوديَّة وحدها، لكن إذ أخطأ إسرائيل في حقه، وقتلوا رئيس الحياة… أعطى الوصيَّة لتلاميذه هكذا: “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به” (مت 28: 19-20). انظروا ها أنتم ترون النار الإلهيَّة المقدَّسة قد انتشرت بواسطة الكارزين القدِّيسين. (القدِّيس كيرلس الكبير)
الآن إذ يرش الرب دمه كصبغة مقدَّسة نصطبغ بها، خلاله يلتهب قلبنا بنار روحه القدُّوس يلزمنا كما “انحصر” هو حتى أكمل عمل الفداء أن ننحصر نحن خلال الألم حتى نعلن كمال حبنا له، محتملين الضيق حتى ممن هم أقرب الناس إلينا، من أهل بيتنا.
هل تظن أنه يأمر بتفكك الرباطات بين أبنائه المحبوبين؟ كيف يكون هذا وهو نفسه سلامنا الذي جعل الاثنين واحدًا؟ (أف 2: 14)، والقائل: “سلامًا أترك لكم، سلامي أعطيكم” (يو 14: 27)؟ إن كان قد جاء ليفرق الآباء عن الأبناء والأبناء ضد الآباء فكيف يلعن من لا يكرم أباه (تث 27: 16)؟
يريد أن يكون الله في المرتبة الأولى وبعد هذا تأتي محبَّة الوالدين… ينبغي أن نفضل ما لله عما للبشر، لأنه أن كان للوالدين حقوق، يلزمنا أن نشكر من وهبنا الوالدين… أضف إلى هذا قوله في إنجيل آخر: “من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني” (مت 10: 37). الله لا يمنعك عن محبَّة والديك، إنما عن تفضيلهما عن الله، فالعلاقة الطبيعيَّة هي من بركات الرب، فلا يليق أن يحب الإنسان العطيَّة أكثر من واهب العطيَّة وحافظها. (القدِّيس أمبروسيوس)
عندما تجحد أبًا أرضيًا من أجل تقواك نحو المسيح فستقتني ذاك الذي من السماء أبًا لك، وإن رفضت أخًا لأنه يهين الله ولا يخدمه فسيقبلك المسيح كأخٍ له… اترك أمك التي حسب الجسد واقتن الأم العلويَّة أي أورشليم السماويَّة التي هي “أمنا” (غل 4: 26). وهكذا تجد نسبًا مجيدا وقويًا في عائلة القدِّيسين، معهم تصير وارثًا هبات الله التي لا ُتدرك ولا يمكن للغة أن تعبر عنها. (القدِّيس كيرلس الكبير)
يتسائل القدِّيس أمبروسيوس عن السبب الذي لأجله يقول السيِّد المسيح: ” لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين، ثلاثة على اثنين، واثنان على ثلاثة [52] مع أنه ذكر ستة أشخاص (الأب والابن والأم والبنت والحماة والكنة)؟ وجاءت الإجابة هكذا:
أولاً: يحتمل أن تكون الأم والحماة شخصًا واحدًا، بكون والدة الابن هي حماة زوجته.
ثانيًا: يقدَّم لنا تفسيرًا رمزيًا، فالبيت هي الإنسان ككل كقول الرسول بطرس: “كونوا أنتم أيضًا مبنين كحجارة حيَّة بيتًا روحيًا، كهنوتًا مقدَّسًا، لتقديم ذبائح روحيَّة مقبولة عند الله بيسوع المسيح” (1بط 2: 5). في هذا البيت يوجد إثنان هما الجسد والنفس، أن اتفقا معا باسم يسوع يكون الرب في وسطهما (مت 18: 19)، هذا الذي يجعل الاثنين واحدًا (أف 2: 14)، خلال هذه الوحدة يُستعبد الجسد لخدمة النفس (1 كو 9: 27). هذان الاثنان يقفان ضد الثلاثة: الفكر المنحرف والشهوة والطبع الغضوب.
ثالثًا: يرى أيضًا أن هذا البيت يحوي خمس حواس: الشم واللمس والتذوق والنظر والسمع. فإن كنا خلال السمع والنظر نعزل هاتين الحاستين معًا ليتقدسا مقاومين الملذّات الجسديَّة الخاطئة خلال التذوق (النهم) واللمس والشم فقد انقسم اثنان على ثلاثة.
يرى البعض أن البيت يشير إلى العالم كله، وإن الاثنين يشيران إلى اليهود والأمم الذين يقاومون المسيحيين الذين يؤمنون بالثالوث القدُّوس. الأب الذي يقوم ضد ابنه، هو الشيطان الذي أقام نفسه أبًا على الوثنيين، فوجد ابنه يتركه خلال الإيمان المسيحي ليقبل أبًا سماويًا. الأم التي تقوم ضد البنت هي المجمع اليهودي الذي هاج ضد الكنيسة الأولى خاصة الرسل والتلاميذ الذين خرجوا عن أمهم بقبولهم الإيمان بالمسيا المصلوب. الحماة التي قامت ضد كنتها هي أيضًا المجمع اليهودي الذي ثار ضد كنيسة الأمم، التي قبلت الإتحاد بالعريس السماوي يسوع المسيح الذي جاء كابنًا لليهود حسب الجسد. وكأن المجمع اليهودي ثار على ابنته كما على كنته… على الكنيسة التي من أصل يهودي كما على كنيسة الأمم. الابنة والكنة ثارتا على هذا المجمع (الأم والحماة)، إذ رفضت الكنيسة أعمال الناموس الحرفيَّة كالختان والغسالات والتطهيرات الجسديَّة!
القطيع الجديد وروح التمييز
إذ يواجه القطيع الجديد الألم ليشترك مع عريسه في آلامه، يليق به أن يسلك بحكمة وأن يكون له روح التمييز.
“ثم قال أيضًا للجموع:
إذا رأيتم السحاب تطلع من المغارب
فللوقت تقولون أنه يأتي مطر، فيكون هكذا.
وإذا رأيتم ريح الجنوب تهب تقولون أنه سيكون حرُ فيكون.
يا مراءون تعرفون أن تميزوا وجه الأرض والسماء،
وأما هذا الزمان فكيف لا تميزونه؟” [54- 56].
يوبخ الرب الذين يعرفون أن يميزوا وجه السماء ولا يعرفون كيف يكتشفون وقت الإيمان، إذ اقترب ملكوت السماوات. (القدِّيس أغسطينوس)
يركز البشر انتباههم على مثل هذه الأمور وخلال الملاحظة الطويلة والخبرة يخبرون مقدَّمًا بسقوط الأمطار أو هبوب ريح عاصف، هذا والملاحون بصفة خاصة ماهرون جدّا في هذا الأمر. حسنًا يقول السيِّد يفعل هؤلاء الذين يستطيعون أن يقدروا حسابات هذه الأمور، ويتنبأون عنها مثل حدوث عواصف إن ركزوا فكرهم بنظرة ثاقبة إلى أمور هامة. ما هي هذه الأمور الهامة؟ لقد تنبأ الناموس مقدَّمًا عن سرّ المسيح، وأظهر أنه سيشرق في أواخر الدهور على سكان الأرض، ويقدَّم نفسه ذبيحة لخلاص الجميع. فإن كان الناموس قد أمر بتقديم خروف كرمزٍ للمسيح عند المساء عند إضاءة السراج، إنما لنفهم أنه عندما يميل العالم إلى الانتهاء كالنهار، فستتحقَّق الآلام العظيمة والثمينة المخلِّصة حقًا، ويُفتح بابا الخلاص على مصراعيه لكل من يؤمن به ويكون نصيبهم السعادة الوفيرة.
وفي نشيد الأناشيد نجد المسيح يدعو العروس الموصوفة في السفر والتي تمثل شخص الكنيسة، قائلاً: “قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالي، لأن الشتاء قد مضى، والمطر مرّ وزال؛ الزهور ظهرت في الأرض، بلغ أوان القضب” (نش 2: 10-12). وكما قلت أن نوعًا من هدوء الربيع يحل بالذين يؤمنون به…
تنبأ الأنبياء الطوباويون بطرق كثيرة، كارزين بسرّ المسيح، الأمر الذي لا يمكن لأحد أن يشك فيه…
يقول السيِّد، كان من واجبهم نعم من واجبهم إذ لهم الفهم والقادرون على تمييز وجه السماء والأرض أن يختبروا الأمور المقبلة ولا تفلت العواصف القادمة على هذا العالم من ملاحظتهم، إذ ستهب الريح الجنوبية ويسقط المطر، أي يحل العذاب الناري، لأن الريح الجنوبية حارةٍ، هكذا سيكون العقاب عنيفًا لا يفلت منه أحد كالمطر الذي يسقط حتمًا عليهم. لهذا كان يليق بهم ألا يجتازوا زمان الخلاص دون ملاحظتهم إياه، أي زمان مجيء مخلِّصنا حيث يقدَّم للبشريَّة معرفة كاملة للحق، وتشرق النعمة لتطهر الأشرار. (القدِّيس كيرلس الكبير)
إن كان القدِّيس كيرلس الكبير يرى في هذا تحذير من السيِّد المسيح نحو اليهود الذين كانوا يهتمون بالتنبؤ، عن الأحوال الجويَّة دون الاهتمام بالنبوات الخاصة بمجيئه، فسقطوا تحت مطر الغضب الإلهي ونار العقاب خلال جحودهم، فإنه يمكننا أيضًا أن نتطلع إلى حديث السيِّد المسيح من زاويَّة أخرى. إنه يود في قطيعه أن يحمل روح التمييز، لا لأجل التحفظ من الأحوال الجويَّة، وإنما للتمتع بالجو الروحي السماوي. فالمطر كما سبق في دراستنا لكثير من أسفار الأنبياء كان يرمز لعطيَّة الروح القدس، فالمطر المبكر هو عطيَّة الروح في العهد القديم قبل السيِّد المسيح، أما المطر المتأخر الذي يهب الزرع نضوجًا، فهو عطيَّة الروح في العهد الجديد، عندما أرسله السيِّد على كنيسته في يوم العنصرة رصيدًا لا ينقطع، يتمتع به كل عضو خلال مياه المعموديَّة. هذا المطر الذي يروي النفس ويحولها من قفر إلى جنة أو فردوس مثمر لحساب الرب حلّ علينا خلال السحاب القادم من المغارب، أي خلال السيِّد المسيح الذي جاءنا خلال الطبيعة البشريَّة. أما “الحرّ” فيشير إلى الروح الناري الذي يلهب القلب كما سبق فرأينا في نفس الأصحاح [49]. فنحن نحتاج إلى المطر والنار، أو الماء والنار… والاثنان يشيران إلى عطيَّة الروح خاصة خلال مياه المعموديَّة.
القطيع الجديد والحب الغافر
لعل غاية “روح التمييز” أن يحمل هذا القطيع روح الحب الغافر لأخطاء الآخرين لكي يتأهل لحمل سمة عريسه السماوي محب البشر. لذا يقول:
“ولماذا لا تحكمون بالحق من قبل نفوسكم؟
حينما تذهب مع خصمك إلى الحاكم
ابذل الجهد وأنت في الطريق لتتخلص منه،
لئلاَّ يجرك إلى القاضي،
ويسلمك القاضي إلى الحاكم،
فيلقيك الحاكم في السجن.
أقول لك لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الأخير” [57-59].
لننظر من هو هذا الخصم الذي يجب أن نتفق معه حتى لا يسلمنا للقاضي… أن كنت تخطئ فكلمة الله تكون هي خصمك… إنها خصم لإرادتك حتى تصير مصدرًا لخلاصك. يا له من خصم صالح ومفيد!… إنه خصمنا مادمنا نحن خصمًا لأنفسنا، أي مادمت أنت عدو لنفسك، فستكون كلمة الله عدوًا لك. كن صديقًا لنفسك، فتكون في اتفاق مع كلمة الله … أما الطريق فهو هذه الحياة…
إن صارت لك إرادة صالحة مع خصمك واتفقت معه، فستجد عوض القاضي أبًا، وعوض الشرطي القاسي ملاكًا يحملك إلى حضن إبراهيم، وعوض السجن تجد الفردوس. أنظر كيف تتغير الأمور كلها سريعًا. في الطريق لأنك اتفقت مع الخصم! (القدِّيس أغسطينوس)
📖 كلمات من نور🕯 {النار الإلهيّة}
قال الربّ يسوع: “جئت ألقي على الأرض نارًا، وكم أودّ أن تكون قد اشتعلت”. (لو١٢: ٤٩) 🕯🔥💖🔥🕯
- في العهد القديم، انحصرت شعلة النّار الإلهية في العلّيقة المشتعلة على جبل حوريب.
إنها شعلة الحبّ الإلهي، التي فاضت منها الشريعة، دليل ومنهج الحياة للشعب المشتّت الضائع. - في العهد الجديد جاء يسوع نورًا للعالم، لينير كلّ إنسان، ويجعله إبنًا للنور… جاء إلى البشرية القابعة في الظلام وظلال الموت، ليغمرها بنوره العجيب.
- لم يكن يسوع يريد حصر نار الحبّ الإلهي في شخصه فقط، بل أفاض شعلة نار حبّه بروحه القدوس 🔥 على تلاميذه، وما زال يعرض هذه النعمة على كل إنسان، وكم يودّ ويرغب، أن تشعل ناره القلوب والضمائر، حتى لا يبقى إنسانًا غارقًا في الظلام.
- كما النّار تجعل الطعام ناضجًا وشهي. يريد يسوع أن ننضج على نار روحه 🔥 بالايمان ✨ والرجاء ✨ والمحبة ✨ بالرحمة ✨ والصفح ✨ والتسامح ✨ والمغفرة ✨ بالخدمة ✨ والتضحية ✨ وبذل ألذّات ✨ بالمقاسمة، والمشاركة، والعطاء، بالنعمة والبرّ، والقداسة… فيشتهوا الناس عشرتنا… ويتعرفوا على حضور المسيح فينا.
المجد والحمد والتسبيح والشكران، لك أيها الربّ يسوع المسيح. نور العالم، وكماله، وبهجته. المجد لك، لأنك أتيت إلينا لتنيرنا، وتجعل من كلّ إنسان شعلة مضيئة بنورك، يشع منه الحبّ والحنان، والإيمان والرجاء، الصفح والغفران، التضامن، بالخدمة والبرّ والإحسان. المجد لك، لأنك تريدنا أن نكون على مثالك، ممتلئين من الروح القدس🔥نبعث نوره بالاقوال والافعال، بالكلمة والشهادة والمثال.الحمد والمجد والشكر لك.
👈 صلاة القلب ❤
يا ربّي يسوع، طهّرني بنار حبك الإلهي.
يا ربّي يسوع، أشعل فيّ نار روحك القدوس.🔥
يا ربّي يسوع، أشعلني بنارك، لأحبّ ✨ وأرحم✨ وأخدم ✨ وأبذل ذاتي مثلك…
يا يسوع، أذكر موتانا في ملكوتك. 🕯 وَالمَجْد لِيَسُوعَ الۤمَسِيح… دَائِماً لِيَسُوعَ المَسِيح 🕯