أشار الخبير الإقتصادي شربل قرداحي، إلى أن “لبنان أمام خيارين سيئين فيما يتعلق بإستحقاق سندات اليوروبوند في شهر آذار المقبل”، معتبرًا أن “في حال السداد سنكون قد دفعنا من ودائع اللبنانيين وممّا تبقى من موجودات خارجيّة بالعملات الصعبة، وهذا سيؤثر على عملية إستيراد السلع الأساسية والأدوية والمستلزمات الطبية وإحتياجات المواطنين، بينما اللجوء إلى خيار عدم السداد يعني دخولنا بمشاكل كبيرة مع دائنين دوليين وصناديق استثمارية لديهم قدرات مالية وقانونية كبيرة جدًا وبإستطاعتهم تقديم شكاوى على لبنان، مما قد يؤدي لاحقًا الى وضع اليد على موجودات لبنان الخارجية وعلى أصول الدولة اللبنانيين، بالإضافة الى ملاحقتنا في المحاكم في نيويورك والممكلة المتحدة”.
وفي حديث لـ”النشرة”، كشف قرداحي أنه “قبل أسبوعين كنت أميل إلى خيار السداد لأن جزءا كبيرا من الدولارات كان سيبقى ضمن المنظومة المصرفية في لبنان، ولكن بعد قيام القسم الأكبر من حاملي السندات وهم من المؤسسات المالية اللبنانية بعمليات بيعها إلى مستثمرين خارجيين، بدّلت رأيي وأصبحت أميل الى خيار عدم السداد لأن الأمول ستدفع للخارج”، مؤكدا أنه “قانونيًا لا يوجد أي مشكلة في بيع السندات لأنها متدوالة عالميًا، ولكن الخطأ الذي قام به حملة السندات هو عدم التفاوض مع السلطات المعنيّة، ووجدوا أن حل مشكلة السيولة لديهم يكون عبر بيعها للخارج مع مراهنتهم أن الدولة ستدفع في الوقت المحدد، وأيضا قد يكون هناك فريق آخر اعتبر أن هذه الطريقة الأنسب لاخراج أمواله للخارج فقام بعملية البيع بسعر أقل ولكن ضَمَن في الوقت عينه أنه سيتقاضى ثمنها خارج لبنان وبالدولار”.
وردا على سؤال حول ما يمكن أن يترتب على لبنان نتيجة طلبه مساعدة تقنية من صندوق النقد الدولي، أوضح قرداحي أن “لبنان عضو في الصندوق منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية ويحق له طلب مساعدة تقنية”، مشيرا إلى أنّها “قد تكون واحدة من أمرين: الأول إما مقدمة لطلب مشروع من صندوق النقد في حال تبين للحكومة أن الوضع ميؤوس منه، وإما مساعدة على إعداد خطة للإنقاذ المالي على أن تحسم الدولة أمرها لإنقاذ نفسها من دون مساعدات، معتبرا أن “المساعدة التقنية أمر ايجابي ويبقى الخيار للدولة في أي إتجاه تريد الذهاب”.
من جهة أخرى، لفت قرداحي إلى أن “تعميم مصرف لبنان بخفض الفوائد أتى بعد ضغط ومطالبات من خبراء إقتصاديين ومسؤولين كبار في الدولة، خصوصا أن سياسة الفوائد الخاطئة التي اعتمدت في السنوات الماضية كانت أحد أبرز أسباب مشكلة السيولة التي وصلنا اليها“، مؤكدا أن “خفض الفوائد على الودائع جيد ولكن هو خطوة غير كافية، ويجب أن يتبعها تخفيض الفوائد على ديون الدولة والقروض، كما يجب تخفيض فوائد مصرف لبنان للمصارف”، مشيرا إلى أن “تعميما سيصدر عن مصرف لبنان في وقت قريب لتنظيم عملية السحوبات والتحويلات للخارج، ولكن للأسف هذا الأمر كان يجب أن يحصل في الأيام الأولى للأزمة، لأن غياب هكذا تعميم سمح لكبار المودعين بإخراج ملايين الدولارات مما أدى الى انخفاض حجم الودائع”.
وحول الأموال المنهوبة، رأى قرداحي أن “استعادتها أمر ممكن، وبحسب وجهة نظري فإن اسرع آلية لذلك هو قيام الدولة بفرض ضريبة تصاعدية على الثروة لمرة واحدة، بحيث كل شخص لديه ما يفوق الـ10 ملايين دولار يتم فرض ضريبة على أملاكه وثرواته، شرط أن تُرفع السرية المصرفيّة”، لافتا إلى أن “لبنان لديه إتفاقيات تعاون ضريبي مع معظم دول العالم ولكن لم يطبقها حتى الآن رغم أن بإمكانه الاستفادة منها عبر طلب معلومات عن اللبنانيين في الخارج، وبالتوازي يمكن للقضاء ان يكمل مساره”.
في سياق متصل، شكك قرداحي بوجود إرادة في لبنان لإستعادة الأموال المحوّلة إلى الخارج، ورغم أنها تمت بطريقة شرعية وقانونية ولكنها مدانة أخلاقيا، وبرأيي أن التأخير الذي حصل عند بدء الازمة لتنظيم خروج الاموال للخارج كان بهدف السماح لعدد من الأشخاص بإخراج أموالهم.
وأشار قرداحي إلى أن “لبنان دخل مرحلة الإنهيار المالي، والخروج منها يكون بالذهاب إلى إصلاحات هيكلية وبنيوية، وهذا ما كنا ننادي به قبل 17 تشرين الأول 2019، ولكن القوى السياسية حجبت الإصلاح وتصدت له، فوصلنا إلى اليوم وسقطت الإمتيازات التي كان يتمتع بها القطاع المالي والتجار والمحتكرين وبعض العاملين في القطاع العام”.
وحول إمكانية فرض “هيركات” على الودائع، أوضح قرداحي أن “الهيركات يكون على الديون وليس على الودائع، في البداية يجب فرض ذلك على ديون القطاع العام وخفض الفوائد الى مستويات دنيا، كما يجب خفض ديون القطاع الخاص عبر خفض الفائدة، ومن ثم اذا كان هناك حاجة للمساس بالودائع الكبيرة فذلك يحصل بعد أن يأتي أصحاب البنوك بأموالهم من الخارج، والصدمة يجب أن يتحملها رأس المال وليس المودع”.
من جهة اخرى، أكد قرداحي أنه “لا يمكن ضبط سعر صرف الدولار، وطالما أننا في نظام سعر صرف ثابت فإن الوسيلة الوحيدة لضبطه هي التدخل في السوق وهذا ما كان يقوم به مصرف لبنان في السنوات الماضية، وطالما لا يتدخل المصرف المركزي اليوم فالسعر سيكون خاضعا للعرض والطلب”، مشيرا إلى أن “لبنان دخل نفقا طويلا من الأزمة، وهي على الأقل ستستمر من 3 إلى 5 سنوات في حال تم بناء خطة إنقاذ مالي، اما في حال غياب الخطة فالوضع سيكون أسوأ بكثير”.
المصدر: النشرة