عَ مدار الساعة


الحكمة الإلهية..

🙏☦ ✨🕯️ ✝ ⛪🙏
تفسير مُعمَّق من الآباء والقديسين لِ { الاعظم في الملكوت } (متى ١٨: ١-٥)

الملكوت وتواضع الطفولة

“في تلك الساعة تقدّم التلاميذ إلى يسوع، قائلين:
فمن هو أعظم في ملكوت السماوات؟
فدعا يسوع إليه ولدًا وأقامه في وسطهم، وقال:
الحق أقول لكم، إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد
فلن تدخلوا ملكوت السماوات” [1-4].

أحاديث السيِّد المسيح وتصرُّفاته قد ألهَبت قلوب التلاميذ نحو التمتّع بملكوت السماوات، لكنهم لم يكونوا بعد قادرين على التخلُّص من الفكر المادي الذي تثقَّفوا به وورثوه أبًا عن جِدْ، فظنّوه ملكوتًا زمنيًا وسلطانًا أرضيًا، لذا اشتهى كل منهم أن ينعم بنصيبٍ فيه، وأن يحْتل مركزًا أعظم ممّا لغيره. هذا الاشتياق وإن كان وليد الضعف البشري، أي حب العظمة وشهرة المراكز المرموقة، لكن الكل يودّ أن يملأ هذا الفراغ بفكرٍ بشريٍ باطلٍ! يقول القدّيس كيرلّس الكبير: [ما قام بين التلاميذ وسُجل إنّما هو لنفعنا، حتى أن ما حدث بين التلاميذ القدّيسين يكون علّة تواضعنا، فقد انتهر الرب المرض كطبيبٍ حاذقٍ، قاطعًا الألم الذي ينبع فينا بوصيّته المتّقدة التي تبلغ الأعماق].
كان عجيبًا لديهم أن يروا السيِّد يستدعي ولدًا ليُقيمه في وسطهم كمثَلٍ حيٍّ للتمتّع بدخول الملكوت، فقد احتقر الرومان الطفولة، ولم يكن للطفل أي حق من الحقوق، يستطيع الوالدان أن يفعلا بطفلهما ما يشاءا بلا رقيب! وتعرّضت الطفولة لدى اليونان لمتاعب كثيرة، أمّا اليهود فلم يحصروا الأطفال والنساء عند إحصاء الشعب (عد 1-2). لكن السيِّد وهو يرتفع بالبشريّة إلى الحياة الناضجة يقدّم طفلاً كمثل للحياة الناضجة الروحيّة القادرة أن تقتحم الملكوت، وكأنه ينقلهم من نضوج الجسد المتَّكئ على السنوات التي عاشها الإنسان إلى نضوج النفس الداخليّة التي لا ترتبط بزمنٍ معينٍ.
يؤكّد السيِّد لطالبي الملكوت التزامهم بالرجوع ليصيروا مثل الأولاد، فيدخلوا ملكوت السمَوات. إنه ليس تراجعًا إلى الوراء، لكنّه نمو نحو الطفولة المتواضعة البسيطة. فالإنسان خلال خبراته على الأرض تنتفخ ذاته جدًا، ولا يستطيع الدخول من الباب الضيق. لهذا يليق به أن يتخلّى عن كل كبرياء لكي تصغر ذاته جدًا وتُصلب تمامًا، فيعبر خلال سيّده المصلوب من باب التواضع، الذي هو الباب الملوكي والمدخل الوحيد للملكوت السماوي.
بدون التواضع يبقى الإنسان خارجًا، مهما قدّم من عبادة ونسكيّات لا يمكنه الدخول، فإنه لا يمكن لقلب متكبّر أن ينعم بالاتّحاد مع ابن الله المتواضع ليعبّر به وفيه إلى حضن أبيه، لهذا يكمّل السيِّد: “فمن وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الأعظم في ملكوت السماوات” [4]. إن كان الكبرياء قد طرد الإنسان من الفردوس، فلا دخول إليه بغير طريق التواضع.
يحدّثنا القدّيس يوحنا الذهبي الفم عن دور التواضع في تمتّعنا بالحياة الملكوتيّة في هذا العالم وفي الحياة الأخرى، إذ يقول: [لكي ننعم بالراحة هنا وفي الحياة العتيدة يلزمنا أن نجاهد في غرس أُم كل الصالحات أي التواضع في نفوسنا. بهذا نستطيع أن نعبر بحر هذه الحياة بلا أمواج، وننهي رحلتنا إلى ذلك الميناء الهادئ.] كما يقول: [ليس شيء مقبولاً لدى الله مثل أن يحسب الإنسان نفسه آخر الكل، هذا هو المبدأ الأول للحكمة العمليّة، فإن المتواضع والمجروح في قلبه لا يحب المجد الباطل، ولا هو بغضوب، ولا يحسد قريبه، ولا يلجأ إلى أية شهوة.] ويقول القدّيس باسيليوس الكبير: [إننا نقبل ملكوت الله مثل ولد” (لو 18: 17) إن كنّا نتطلّع إلى تعليم ربّنا كطفل تحت التدريب لا يُعارض معلّميه ولا ينازعهم، وإنما بثقة يتقبّل التعليم في ذهنه وبرغبة في التعلُّم.]
يقول القدّيس أمبروسيوس: [لا يقصد هنا تفضيل سنٍ على آخر، وإلا صار النمو عملاً هدّامًا. وكنت لا اشتهي البلوغ إلى سن النضوج مادام يسلبني تعبي في ملكوت السماوات، ولما سمح الله بالنمو الذي ينمِّي الرذيلة لا الفضيلة، ولما اختار الرب تلاميذه من الرجال الناضجين، إنما كان يختارهم من الأطفال… فالرب لا يُشير بالطفولة إلى سنٍ، بل إلى المحبّة التي تحمل بساطة الطفولة. الفضيلة ليست عجزًا عن إتمام الخطيّة لكنها رفض لها، ومثابرة للعودة إلى طبيعتنا الأولى وطفولتنا.] كما يقول: [إن كان الأطفال سرعان ما يتشاجرون معًا، لكنهم أيضًا سرعان ما يعودون ليجتمعوا معًا بصداقة عظيمة، إذ هم لا يعرفون السلوك بمكر وخداع.]
ويقول القدّيس كيرلّس الكبير: [ليكن سموِّنا في تواضعنا، ومجدنا في عدم محبّتنا للمجد، وليكن اشتياقنا منصبًّا فيما يُسِر الله، واضعين في ذهننا ما يقوله لنا الحكيم: “إذ تصيرون عظماء تتّضعون بالأكثر فتجدون نعمة لدى الرب” (ابن سيراخ 3: 18). فإن الله يحتقر المتعجرفين ويحسب المتكبّرين كأعداء له، لكنّه يكلِّل الودعاء ومتواضعي الذهن بالكرامات.]

الطفولة في المسيح
إن كان السيِّد يشتاق أن ينعم تلاميذه بالرجوع إلى الطفولة، فيحملون روح التواضع بكونه السمة الملوكيّة التي تسند النفس في عبورها إلى الحياة السماويّة، فإن السيِّد وهو يتحدّث عن الأطفال يقدّم الطفولة كحاملة لاسمه، إذ يقول: “ومن قبِلَ ولدًا واحدًا مثل هذا باسمي فقد قبلني” [5].
لئلا يستنكف أحد من أن يرجع إلى تواضع الطفولة، يتجلّى السيِّد في حياة الأطفال، فيحسب من يقبلهم باسمه إنّما يقبله هو. هكذا يرفع السيِّد من الطفولة التي احتقرَتها البشريّة بكل أجناسها وألسنتها. فإن كان السيِّد قد كرّم الإنسان خلال تأنُّسِهِ، وكرَّم الفقراء حاسبًا إيّاهم إخوته الأصاغر، ما يُفعل بهم إنّما يقدَّم لحسابه، هنا يُكرم الطفولة، من يقبلها باسمه إنّما يقبَله هو. تُرى من لا يشتهي أن يحمل طبيعة “الطفولة المتواضعة” الحاملة لاسم المسيّا الملك؟! حقًا لقد قدَّس السيِّد الطفولة إذ صار طفلاً، ولا يزال يقدّسها إذ يجعل اسمه محمولاً على أطفاله الصغار؟!
يقول القدّيس أمبروسيوس: [من هو هذا الطفل الذي يليق بتلاميذ المسيح أن يتمثلوا به إلا الذي قال عنه إشعياء: “يُولد لنا ولد ونعطَى ابنًا…” (إش 9: 6)، هذا الذي قال: “اِحمل صليبك واتبعني” (مت 16: 24). هذا الذي تميّز بأنه “إذ شُتم لم يكن يُشتم عوضًا، وإذ تألّم لم يكن يهدّد” (1 بط 2: 23). هنا الفضيلة الكاملة في الطفولة حيث تحمل الأمور القديمة المكرّمة، كما تحمل الشيخوخة براءة الطفولة”.]

وَالمَجْد لِيَسُوعَ الۤمَسِيح… دَائِماً لِيَسُوعَ المَسِيح

📖 كلمات من نور 🕯 {الاعظم في الملكوت}

في تلك السّاعة، دنا التلاميذ من يسوع وقالوا: “من هو الاعظم في ملكوت السّماوات؟”. (مت ١٨: ١)

الأعظم في ملكوت العالم: الغني مالك الثروات، الذي يغتني على حساب أجر العامل، وحصّة الأرملة واليتيم… والمال العام… والإقطاعي الذي يتأمّر بالناس ويستعبدهم… وصاحب الشهادات المنفوخ بالعلم… وصاحب الوظيفة والمقام الرفيع… والذي يبني مجده على ألقاب يطلقها عليه النّاس: البيك… والشيخ… وصاحب الفخامة… البروفسور… وصاحب السعادة… والمعالي… والغبطة… والسيادة… وقدس المحترم… ووو…

الأعظم في ملكوت المسيح: هو المسيح نفسه، وكل من اقتدى به، وسمع كلمته 📖 وعمل بها، واستلهم روحه 🔥وتصرّف وفق إلهاماته. ☝ وتحلّى بفقره ووداعته وتواضعه 🌾 وتجمّل بفضائله… وكان خادمًا محبًّا حتى بذل الذّات على مثاله…
هو الذي يبني ذاته على الايمان والرجاء والمحبّة ❤ وهو الذي يعمل على الأرض، ويبني للسماء، ويزهد بكل ما يؤدي إلى شهرة اسمه، ويرغب بأن ينتشر إسم المسيح سيّده، ويمجّد الثالوث الاقدس في أقواله وأعماله…

المجد والحمد والتسبيح والشكران، لك أيها الربّ يسوع المسيح. يا من جمعت تلاميذك حولك، لتعلمهم وتكشف لهم إن الأعظم في ملكوت السّماوات، هو أنت وكل من يكون تلميذا حقيقيًّا لك، يتبعك بكل شيء، ويقتدي بك بكل شيء. المجد لك أيها العظيم في ذاتك، وفي بساطتك، وفي لاهوتك، وفي ناسوتك، وفي محبتك، وحنانك، ورحمتك، وفي كل كلمة تخرج من فمك… الحمد والمجد والشكر لك…

👈 بين أن أكون عظيمًا في ملكوت الأرض، وعظيمًا في ملكوت يسوع، أي عظمة أختار ❓❓❓

👈 صلاة القلب ❤

يا ربي وإلهي يسوع المسيح، اجعلني وديعًا ومتواضعًا مثلك. ☝
يا ربي وإلهي يسوع المسيح، هبني روحك 🔥 لأمحور حياتي حولك. ☝
يا ربي وإلهي يسوع المسيح، اذكرني متى أتيت في ملكوتك.

👈 نيّة اليوم: نصلّي، من أجل كل من يتحمل مسؤولية في خدمة الشأن العام، عسكرية، أو قضائية، أو ادارية، أو سياسية، أو كنسيّة، أن لا يبني حياته على لقبه ومركزه، بل على صخرة الحياة ربنا يسوع، وان يسخّر كل ما في يديه لخدمة المحبة الإلهية في إخوته البشر.
أعطنا يا ربنا كهنة قديسين. 🙏