“ثوار” يثورون على أي شيء ولا يمتلكون بدائل لأي شيء
على وقع طبول “صفقة القرن”، لتعويم دونالد ترامب وبنيامين نتانياهو إنتخابياً، يتلهَّى بعض اللبنانيين بالقشور، البيضة قبل الدجاجة أو العكس، دستورية إقرار الموازنة قبل جلسة الثقة بالحكومة أو العكس، وسط شارعٍ خلا من الحراكات المطلبية المنطقية، وباتت تحكمه ثيران تُناطح ظلالها، ولا تفقه نتائج استمرار هذا الهيجان السلبي الذي يُمعن في نحرٍ وطن، من خلال مُبارزاتٍ يومية مع وشاحٍ أحمر، وعنتريات دونكيشوتية مع طواحين الهواء، تدفع ثمنها القوى الأمنية، ويدفع معها الشعب اللبناني من استقراره وإقتصاده.
وقفَ رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب أمام “اللجنة الفاحصة” من تيار المستقبل، لِيُجيب على سؤال: هل تتبنى الموازنة الموضوعة من الحكومة السابقة، فأجاب إيجاباً وبكل هدوء، ونجح حسان دياب في الإمتحان، وسقطت “اللجنة” التي تتناسى تاريخ الحكومات الحريرية التي حَكَمت البلد منذ التسعينات، وضمنها أكثر من عشر سنوات بلا موازنة وعلى القاعدة الإثني عشرية، مع فلتان في الصفقات أورث عهد الرئيس ميشال عون والحكومة الحالية 100 مليار دولار من الديون، لتأتي صفقة القرن الآن وتُخيِّرنا بين التوطين وتسديد ديوننا، أو بين رفض التوطين والتجويع.
حاولت السيدة بهية الحريري إحراج الرئيس دياب، فأحرجها وأخرجها، وانتهت الجلسة، وقامت قيامة جمهور المستقبل على الرئيس سعد الحريري وعلى السيِّدة عَمَّتُه، التي وصلت أعمال الشغب الى منزلها في مجدليون، بين المُندِّدين بحضور كتلتها جلسة الموازنة وإكمال النصاب، وبين “ثوار” يثورون على أي شيء ولا يمتلكون بدائل لأي شيء، بحيث غدت الساحات والشوارع والممتلكات العامة والخاصة في لبنان، مسرح حفلات متواصلة لمصارعة ثيران، و”الماتادور” الأوحد الذي يُحاول ضبطها هو الجيش اللبناني دون سواه، سواء من خلال حماية المتظاهرين وردع قُطَّاع الطُرق، أو تأمين الأمن لجلسة مجلس النواب.
“ثورة” على مَن عمِلوا أربعة أشهر لإصدار موازنة تضبط الإنفاق في لجنة المال والموازنة؟ ويُعارضها نوابٌ ليس من منطلق دستوري لأنها صدرت عن حكومة مستقيلة وبوجود حكومة لم تَنَل الثقة بعد، بل من باب الكيدية السياسية التي يجب على حكومة الرئيس دياب أن تُنسينا إياها، وأن تغرُب من أمام عيوننا أشباح كل الحكومات السياسية السابقة، لأن الحكومة السياسية الحقيقية هي هذه الحكومة، متى اقتنعنا أن السياسة هي حُسن إدارة شؤون الناس بأهل الإختصاص والخبرة والنزاهة.
وهذا الشارع، الذي امتطت حراكه أحزاب عميلة وقِوى رهينة “الأخضر الأميركي”، لتنفيذ الأجندة الأميركية بتدمير مقومات العيش في لبنان وتقويض قوَّة المقاومة، ماذا يُرضيه ما دام رافضاً لكل شيء، ولا يطرح بدائل مؤسساتية للتغيير؟، والى متى يبقى تمزيق البٌنية الوطنية في دواخلنا لتعزيز الداخل الأميركي لترامب والداخل الصهيوني لنتانياهو، وليكون لبنان أول دافعي أثمان صفقة القرن لو تمَّت أو فَشِلَت؟
صفقة القرن هي عبءٌ إضافيٌ ثقيل علينا، ولا بُدَّ لتعزيز الجبهة الداخلية من انتهاء الهدنة القسرية مع الغوغائيين الذين يستبيحون الساحات والشوارع والممتلكات العامة والخاصة، وحكومة دياب مهما كان بيانها الوزاري، ليس فيها مَن جلس على كرسي وزارة ينوي “تطويبها” بإسمه، فليتنا نغتنم الفرصة الأخيرة لعهدِ صادقٍ في الإصلاح والتغيير، وكان يحتاج فعلاً لحكومة خارج التجاذبات الطائفية والسياسية والحزبية، لتبدأ مسيرة محاولة الإنقاذ، ويتوقَّف الجدل البيزنطي حول جنس الملائكة، وما إذا كانت البيضة قبل الدجاجة أو العكس…