– فرض عقوبات جديدة على مسؤولين داعمين للمقاومة لن يجعل العهد يحيد عن مساره
***
لا حدود للعنجهية الأميركية في العالم، وتذكرنا تصرفات الامبراطورية الأميركية المتداعية، بمسار الامبراطوريات الانحداري الذي ساد في آخر أيامها، والذي يذكره التاريخ، بدءا من الامبراطورية الرومانية، مرورا بامبراطورية بريطانيا العظمى وصولا الى القيصرية الروسية، وانتهاء اليوم بالولايات المتحدة الاميركية، التي وقبل انهيارها الشامل، بدأ العالم يدخل في مسار يؤسس لتعدد الأقطاب، العسكري كما الاقتصادي، لينهي فترة تاريخية سوداء من نظام عالمي تلا الحرب العالمية الثانية، قام على القطب الأوحد تزعمته الولايات المتحدة.
ففي إطار جنون راعي البقر الأميركي، أُثير في الآونة الأخيرة من داخل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، موضوع فرض عقوبات على قيادات وشخصيات لبنانية من غير الطائفة الشيعية، وتصنّف على خانة التحالف الوثيق مع حزب الله والدفاع عن سياسته في المحافل الدولية والإقليمية، وأشارت المعلومات الى أن لدى معظم الفريق الأميركي المكلف بملف الشرق الأوسط في إدارة ترمب ميلا لإدراج هذه الشخصيات على لوائح العقوبات الأميركية أسوة بأسماء قياديين في الحزب، مُدرجين على هذه اللوائح. ولكن “تقرر التريُّث بعد تدخّل مباشر من مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل بذريعة أن مثل هذه العقوبات هي بمثابة “سلاح نووي” بالمعنى السياسي للكلمة، وبالتالي لا بد من التروّي لئلا تسرّع في انهيار الوضع في لبنان”.
ولكن مهما مارس الأميركي من ضغوط اعلامية او سياسية، لن ننخدع بالسياسة الناعمة التي تتبعها واشنطن من خلال استخدام العصا والجزرة بالوقت نفسه، فالتلميح الى ان هذه العقوبات قد تطال داعمي المقاومة وعلى رأسهم الوزير جبران باسيل، لن يغير شيئا، ولن يزحزح قناعاتنا في التيار الوطني الحر بتمكين الوحدة الوطنية لتقوية مناعة لبنان ضد التدخلات الخارجية في سياساتنا الداخلية، والأهم ان هذا الارهاب الفكري الأميركي لن يدفع سيد العهد الرئيس العماد ميشال عون، الى ان يحيد عن مساره في جمع اللبنانيين تحت الراية اللبنانية، ولو كلف ذلك عقوبات أكبر على لبنان، واجراءات أميركية صارمة أكثر على الاقتصاد اللبناني.
ففي النهاية، لو رضخ الرئيس العماد ميشال عون لمطالب الخارج، لكنا دخلنا في حرب أهلية منذ العام ٢٠٠٥، تاريخ انسحاب القوات السورية من لبنان، وهذا ما كان يخطط له الأميركي، من خلال عزل المكون الشيعي المتمثل ب”حزب الله” وإفقاد عنصر قوة المقاومة القائم على الحاضنة الشعبية الموزعة على كل المكونات اللبنانية؛ لكن حسابات الحقل الأميركي وحليفه الإسرائيلي وبعض دول الخليج، لم تتطابق مع حسابات البيدر، فهؤلاء لم يتوقعوا ان العماد عون الآتي حديثآ من المنفى الباريسي الى الوطن في ٧ أيار ٢٠٠٥، على صهوة جواد التحرير، سيرفض السير بهذا المخطط الجهنمي للبنان، لا بل فاجأ العالم الغربي كما الحلفاء في 14 آذار قبل الخصوم، بابرامه تفاهما مع حزب الله، سمي بتفاهم مار مخايل، والذي تطور لاحقا ليصبح تحالفا متينآ، وهو ما زال صامدآ حتى اليوم، ليتبين مدى استراتيجيته الوطنية؛ إذ انه حمى لبنان بالدرجة الأولى، من اعتداءات العدو الاسرائيلي وأطماعه بلبنان، وأهمها الحرب الاسرائيلية على لبنان في تموز ٢٠٠٦، ليؤسس هذا التفاهم، معادلة لبنان الذهبية: جيش، شعب، مقاومة، لم يتمكن أي بيان وزاري منذ إبرام التفاهم، على تخطيها، والتي حصنت لبنان على مستوى الخروقات الأمنية كما أنتجت انتصارا على الإرهاب التكفيري في العام ٢٠١٨، من خلال التعاون الوثيق بين الجيش والمقاومة، في الحرب على الإرهاب، بالاضافة الى ان تفاهم مار مخايل، أعاد تشكيل صورة لبنان المتنوع، الذي تعيش مكوناته بتناغم مع بعضها البعض، فأسس نظاما سياسيا توافقياً ومتينآ، ولكن قابل للتطوير أيضآ من خلال المؤسسات، وفق الظروف والأوضاع المتغيرة دائمآ.