الرابح الأكبر كما في كل مرة، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل
***
بعد موجات التسونامي التي اطلقها انفجار 17 تشرين في الشارع وبقبضات عامة الشعب، جاءت لحظات القطاف او بشكلٍ أدق تنظيم المواقع والتوضعات السياسية بعد هذا الزلزال العنيف والجارف. ولا يُخفى على احد كيف تلقفت قوىً عديدة هذه الموجة وحاولت ركوب الموجة بكل الوسائل والطرق، منهم من نجح جزئياً ومنهم من ينتظر. وهكذا خرجت الحكومة الى العلن بعد جولات من الكباش هي أشبه بلا غالب ولا مغلوب بين الطبقة السياسية والحراك.
في هذه العجالة لا يمكننا تلخيص المشهد ونتائجه النهائية ولكننا يمكن قراءة بعضاً من نتائجه:
- منذ الأيام الاولى للحدث الكبير بدا الوزير جبران باسيل والرئيس نبيه بري هما الابرز في عين العاصفة، مواجهة عنيفة في معقل بري وحركته ومس بهالة “الرئيس” وعائلته ودوره في عقر داره. وبتركيز مذهل ومكثف على استهداف الوزير جبران باسيل بكل الطرق من الأغاني الى التهم المباشرة الى محاولة الاغتيال السياسي وانهاء دوره ومستقبله وطموحاته وذلك عبر الاعلام والعمل داخل بيئته وحزبه والتفريق بينه وبين اقرب المقربين.
- طبعاً الاستهداف طال الجميع من رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط والرئيس نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي وسليمان فرنجية وحزب الله وباقي القوى السياسية من قوات وكتائب .
- ومن ثم بدأت تتحول هذه الاستهدافات لتستقر بشكلٍ رئيسي في البيئة السنية ومواجهة حكم المصارف والفساد المالي.
هذه المقدمة السريعة لنستعرض التحول السريع في مسار “الثورة” وتأتي الحكومة لتخدم أطرافاً بدت في لحظات انها انتهت، لتعود وتجدد نفسها بشتى الطرق.
في المشهد الاول من ولادة حكومة الرئيس حسان دياب طغت المشاهد السابقة على كل ما عداها من تقاسم الحصص والنفوذ والوزارات الدسمة، ولكنها توجت بعملية “بلف” قادها الثنائي بري جنبلاط عبر تمرير وزيرة الاعلام الجنبلاطية، وبغض نظر من رئيس الحكومة، وهذه الخديعة ما كانت لتمر طبعاً دون صمت الراعي الرسمي للحكومة أي حزب الله.
لكن السؤال عن موقف التيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار المردة، وما هي النتائج التي حصدوها من العملية؟.
عندما أصر النائب أسعد حردان على اسم النقيبة امل حداد كوزيرة تمثل الحزب بدا الأمر غريباً، وأن يسرب للاعلام ان الحزب يرفض توزير غير اورثوذوكسي ويخالف كل ادبيات المؤسس وحزبه العلماني، ليكتشف الجمهور لاحقاً ان الاصرار كان بإشارة من الرئيس بري لحردان حتى يعطى هذا المقعد لجنبلاط بطريقة التفافية. وبالطبع النتيجة كانت مزيداً من النقمة داخل حزب سعادة على هذه القيادة التي تأتمر بالتفاصيل الصغيرة لخارج قاعدتها الحزبية. وتأكد المؤكد كما في كل مرة أن موقف حزب سعادة مرهونٌ عند بري من اجل 2000 صوت انتخابي.
أما جنبلاط الذي أوهم الناس بهامته الكبيرة دوماً وأنه بيضة القبان فأضحى ينتظر “المنّ عليه” بمقعد وزاري وبطريقة مواربة رغم الجرح الكبير الذي سببه في علاقته مع حلفاءه المفترضين الذين دفع بهم للخوض في المواجهة ومن ثم تركهم على قارعة التخبط وركب موجة الحكومة وأخذ يبرر فعلته كما في كل مرة، وما زال عدد كبير من جمهوره مسرعاً في اتجاه الثورة والتعبئة ضد حزب الله وهو قد ارتمى على اريكة المقاومة منتظراً اعادة فتح كوة ما في العلاقة مع سوريا ولم يمل بعد من ارسال الرسائل والاشارات.
أما تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري فقد بدا كما عادته دوماً غارقاً في التخبط حتى التلاشي والضياع بعد كل استحقاق، وتكاد هذه الأزمة ان تودي بكل المشروع الحريري التاريخي.
في حين ان “زعيم اهدن” وجوارها سليمان فرنجية يبدو مزهواً بكسب مقعد وزاري ثانٍ له ويشن الهجومات العنيفة على جبران باسيل فيتحول من زعيم ومرشح رئاسة الجمهورية الى مجرد “حرتقجي” بسيط ويفقد خطابه البُعد الوطني المطلوب منه في مثل هكذا ازمة كبيرة تعيشها البلاد وفي لحظة انهيار اقتصادي، هو يتحدث عن ثلث ضامن وثلث معطل وباسيل قد حصد ما يقارب ال 10 مقاعد في حكومة عشرينية.
أما التيار الوطني ورئيسه فقد حدد مساحة اللعب منذ بداية الأزمة وتحول من هدف اول للانتفاضة الى لاعب رئيسي في اعادة تركيب بعض السلطة، ومشروعه ما زال يسير بشكلٍ حثيث عبر تحجيم المواقع المعارضة له في السياسة والادارة والجيش وغيرها، وهو يبني منظومته الدفاعية والهجومية بشكلٍ مركز ولم تضعفه الهجمة الشرسة وكانت النتيجة في المحصلة الحكومية اكثر مما كان اي محلل يتوقع.
في محصلة النتائج لا تبدو التغييرات كبيرة حتى الآن في توزع القوى السياسية التقليدية سوى خروج القوات والمستقبل من الحكومة ويبدو أن الرابح الأكبر، كما في كل مرة، كان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
ولكن الامر الجديد في كل ما حصل ان الوزير جبران باسيل قد سبق الرئيس بري في اخراج الارانب من أكمام السياسة اللبنانية ولتصبح المعادلة الجديدة ان كل ارنب من بري يقابله عشرة من باسيل.
خاص “iconnews”