موضوع ولادة جكومة الرئيس حسان دياب بات خلفنا مِن قبل أن تتشكَّل هذه الحكومة، لأن ما رافق المخاض من تحركات في الشارع، خرجت أحياناً عن السيطرة، سوف يحصل ويتكرر بعد التأليف، نتيجة التجاذبات المكشوفة بين فرقاء الصفّ الواحد وعملية “تناتش” الحصص الطائفية والحزبية والمناطقية، وعزوف البعض عن المشاركة، كتيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب الإشتراكي، ضيَّق مساحة الحرية في التشكيل أمام دياب لأن مَن بقي في الميدان شاءها معركة عرض عضلات في فرض حيثيته ضمن طائفته، وكأن المسألة “ورثة مَيِّت”.
عزوف الحريري عن المشاركة واضح، لأن الرجل يعتبر نفسه أكبر من أن يُشارك في حكومة ليست برئاسته، وهو بات يستسهل “الحَرَد والإعتكاف”، رغم أن شارعه الشعبي هو الأكثر نقمةً في ساحات ما تُسمَّى الثورة، من عكار الى طرابلس مروراً ببيروت، ووصولاً الى البقاعين الأوسط والغربي، والرئيس الحريري ما زال يُفاخر بإرث أبيه ولم يبنِ لنفسه حيثية مُستقلَّة، سوى من خلال وعود متراكمة ومُستحقَّة للناس منذ العام 2005، ومع ذلك، هناك حرص في تشكيل الحكومة راعى حجم الحريري على الساحة السُنِّية وعدم إستفزازه بأسماء لا يرضى عنها.
تقاسُم “ورثة المَيِّت” تجلَّت في الشارعين الدرزي والمسيحي:
الأمير طلال إرسلان، اعتبر نفسه بغياب جنبلاط عن البازار الحكومي، أنه مؤتمن على حقوق الطائفة، كي لا يُعيِّره جنبلاط أنه فرَّط بها، خصوصا أن الوزير السابق وئام وهاب أبدى الحرص على عدم التفريط، وبالتالي فإن إرسلان لم ينطلق من حجمه النيابي في المطالبة بحقيبتين، بل من حجم الطائفة، والحزب القومي الذي له حيثيته في الجبل يعتبر أنه أيضاً من “وَرَثة التركة الجنبلاطية”.
أمّ المعارك هي في الشارع المسيحي، ليس فقط على محاصصة تركة “القوات” بل لأن البعض يعتبرها معركة مبكرة لرئاسة الجمهورية، وإذا كان الوزير جبران باسيل قد ابعد نفسه عن مسألة التأليف الى منزله في اللقلوق فلأنه مُتَّهم من جميع الجهات أنه “صانع الحكومات”، فكيف بالحري إذا كانت هذه المعركة محصورة بين التيار الوطني الحر والمردة، وبالأحرى بنظر مَن يعتبر أنها معركة ثنائية للسباق الى بعبدا بين باسيل وفرنجية، وأن مفتاح القصر موجود في حقيبة وزارية!
ولأن حصة التيار في الحكومة يجمعها البعض مع حصَّة فخامة الرئيس، ويستنتجون أن في الأمر خطر تشكيل ثُلث مُعطِّل، فإن النصف الثاني من ولاية فخامته أهم عند اللبنانيين عامةً والعونيين خاصةً من الثلث المُعطِّل داخل حكومة اللون الواحد.
وعليه، فإن الأمر لصاحب الأمر، فخامة الرئيس ميشال عون، و”بيّ الكل” عادل مع الكلّ، ولأن أجواء الثورة المشبوهة موجَّهة تحديداً لمواجهة العهد ومَنعِ ميشال عون أن يحكُم بصفته حليف المقاومة، فإننا من باب الحرص والثقة والإيمان بشخص فخامة الرئيس، نرجوه أن يضرِب يده على الطاولة ويصرخ الأمر لي، ليقطع على الخصوم السياسيين وعلى المدسوسين في الحراك طريق الحرتقة على العهد، كي لا نواجِه ما هو أعظم وأفظع من فصول المؤامرة المُتمادية، وندخل مرحلة اليأس ونترك أمرنا لله…
المصدر: الثبات