الإعلام من سيء الى أسوأ.. من نفّ الإعدامات الجماعية..
لعلّ ما يختصر واقع التضليل الإعلامي اليوم بشأن ما يجري في حلب فيديو قصير انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة كرتونية ساخرة، يظهر فيه المراسل على بعد عشرة أميال من مكان الحدث الذي لم يتمكن من الدخول إليه، لكنه رغم ذلك يتحدث عن مئات ملايين القتلى.
تجلس إيفا بارتليت، الناشطة والصحافية الكندية التي غطت حروب إسرائيل في غزة، لتجيب عن أسئلة صحافي حول الواقع في مدينة حلب، بسؤال آخر. طلبت منه أن يعدد لها المنظمات الإنسانية المتواجدة في أحياء حلب الشرقية والتي يستقي منها ما بدا بالنسبة إليه بمثابة “أخبار موثوقة” عن “عمليات قتل يتعرض لها المدنيون” من قبل الطيران السوري والروسي في تلك المنطقة. لم يعرف الصحفي بما يجيب فالتزم الصمت. لتردّ عليه بمطالعة تنتهي بأن لا مصادر “موثوقة” في شرق حلب.
فيما كان هذا الحوار يدور في القاعة المخصصة للصحفيين في الأمم المتحدة كانت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تعجّ بالصور غير المسندة في حرب كان التضليل الإعلامي حاضراً في كل محطاتها لا سيّما المفصلية منها. فكيف الحال بما يعتبره مراقبون اليوم “المعركة التي قد تحسم الحرب السورية”.
اللافت في الصور ليس افتقارها للدقة فقط بل استخدامها من قبل وجوه إعلامية على أنها حقيقية دون التحري عن مدى مصداقيتها، علماً بأن عملية بحث بسيطة تحيلك بثوان وفي أسوأ الأحوال بدقائق قليلة إلى مصادرها الأصلية. لتجد نفسك في نهاية المطاف أمام صور تمت استعادتها إما من مكان وزمان آخر في سوريا وأخرى استحضرت من وراء الحدود، لتكون جزءاً من هذه الحرب الإعلامية.
من بين هذه الصور، صورتان نشرهما المراسل في قناة الجزيرة أحمد زيدان على صفحته في فايسبوك، لما وصفها بـ”الإعدامات الجماعية” في حلب. ليتبين أن إحدى الصورتين هي لوكالة “رويترز” وتعود لعام 2015 أما مكان الصورة فهو العاصمة السورية دمشق. أما الصورة الثانية التي نشرها زيدان فهي ليس سوى لمجزرة ارتكبها داعش في العراق عام 2014.
إلى مكان أبعد من العراق ذهب الناشط الفلسطيني ياسر علي، في الجغرافيا ذهب إلى باكستان وفي التاريخ عاد إلى ما قبل الأزمة السورية نفسها وتحديداً عام 2007 تاريخ اغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية بنظير بوتو.
فالرجل الذي نشر علي صورته على أنه حلبي يقف منتحباً وسط أشلاء يفترض أنها لمدنيين قتلوا جراء الغارات على الأحياء في حلب، ليس سوى أحد ضحايا التفجير الذي أودى بحياة بوتو وقد وثّقت صورته آنذاك وكالة “أسوشيتد برس”.