الشارع السُنِّي اللبناني متردِّد ومُنقسِم سياسياً ( الثبات )
كلمة السرّ وصلت، لِتسمية الدكتور حسان دياب رئيساً للحكومة العتيدة. هذا أقصى ما استنتجته ذئاب المزرعة اللبنانية التي تعيش صدمة الرحيل عن احتكار الحياة السياسية والتحكُّم بشؤون البلاد ورِقاب العباد، ولم تعُد هناك ثوابت أقطاب وحيتان مال وسُلطة، عندما يجوز استبدال شخص مثل الرئيس سعد الحريري بمتواضعٍ لا كتلة نيابية خلفه ولا حزب، إسمه حسان دياب.
وداعة الرئيس المُكلَّف في التعاطي مع الظروف التي رافقت تكليفه، تجاوزت سحر الكاريزما الهادئة الى سرٍّ كامنٍ عن عزمِه الواثق بتشكيل حكومة، وإعطاء نفسه مُهلةً مُحددة للتأليف، وأنه مهما حصل فهو لن يعتذر، والأهم من هذا كلَّه، أن حكومته ستكون نسخةً عنه، من الإختصاصيين المُستقلِّين، مما يعني أن عدد أصوات النواب الذين أوصلوه الى التكليف سوف يمنحونه الثقة بعد التأليف، لأن القرار التوافقي الذي تمّ التوصُّل إليه لإنقاذ لبنان، نَسَف كل الكباش الذي كان بين الحريري المُصِرّ على حكومة تكنوقراط تُبعِد حزب الله، وبين القوى السياسية التي تُطالب بحكومة تكنو – سياسية، فانتهى الكباش بهزيمة طاقم المُخضرمين الذين يرفضهم الحراك، ولا يرتاح إليهم الرئيس ميشال عون، وكان الحريري أول الراحلين، ولو أنه ربما يكون نادماً على استقالته وفق قطب سياسي كبير نصحه وقدَّم له لبن العصفور لعدم الإقدام على هكذا خطوة.
سرّ ظهور الدكتور حسان دياب في الحياة السياسية اللبنانية من خارج الطاقم المُخضرم، ظهَّر الوقائع الداخلية والخارجية التالية:
1) داخلياً:
– أثبت الشارع السُنِّي اللبناني أنه متردِّد ومُنقسِم سياسياً، لأن جزءاً من هذا الشارع قد اختطفه الحراك المطلبي لأنه لم يستفد من مكرمات الحريري المُتعثِّر مادياً، وهذا ينطبق على عكار وطرابلس، والجزء الآخر انتفض لما يعتبره كرامة الطائفة التي تقتضي تكليف الأقوى برئاسة الحكومة، وهذا ما يُترجمه حراك كورنيش المزرعة وطريق الجديدة إضافة الى البقاعين الأوسط والغربي.
– المكرمات التي عجِزَ الحريري عن شراء رضا الناس بها، استخدمها أحد الأقطاب التقليديين في محاولة لإستلحاق زعامة متهاوية في منطقته، سواء عبر مساعدات مادية زهيدة لكل عائلة محتاجة أو عبر تموين العائلات بالمازوت، وهنا تبرز الهشاشة في الزعامة، عندما تسقط الهالة السياسية والحزبية المُزيَّفة أمام صرخات الجياع، هذه الصرخات التي لن يرتضي أصحابها بعد اليوم التسكُّع عند أدراج قصر الزعيم، خوصا متى كان هذا الزعيم يَشِدُّ الرحال الى الرحيل عن الحياة السياسية وعن صدور المقهورين.
2) خارجياً، يكمن بيت القصيد، كل بيت القصيد، عند تقاطُع المصالح:
– الإحباط الأميركي، بحيث تيَّقنت إدارة ترامب أن انهيار لبنان إقتصادياً سوف يجعله لُقمةً سائغة لحزب الله وفق المعايير الأميركية، وهذا ما شكَّل هاجساً لإسرائيل أيضاً.
– ذُعر أوروبي من تأثير الوضع الإقتصادي المُنهار في لبنان على النازحين السوريين، ودَفعِهم الى النزوح نحو أوروبا.
– إنكفاء سعودي عن لعِب دور إيجابي، بعد عجزٍ عن لعِب دور سلبي في مماحكة العهد، ما أعطى الفرصة للوسطية الإقليمية التي تُمثِّلها سلطنة عُمان في تقريب وجهات النظر بين الأميركيين والأوروبيين من جهة وإيران من جهة أخرى، وهذا الدور الذي يتفرَّد به السلطان قابوس بن سعيد الذي كان الراعي الهادىء للإتفاق النووي، هو الذي أهَّله دون سواه ليكون المُنقِذ الخارجي للبنان، وسوف نصِل بعد تشكيل الحكومة للمجاهرة بشعار “شكراً عُمَان”…