د. ايلي حداد-
قامت هذه الانتفاضة الشعبية في شقّها المعلن على مطالب أساسية وحيوية وهي محاربة الفساد والعمل على اعادة تكوين سلطة سياسية نظيفة. فالوضع الاقتصادي والمالي بات ضاغطاً على الجميع فيما يستمر فاسدو الدولة في نهب مقدراتها “على عينك يا تاجر”.
سريعاً بعد انطلاق هذه الانتفاضة، تبين ان هناك فئتان شرعتا في ركوب الموجة واستغلال حيوية الشارع بغية أخذه الى أماكن أخرى.
اما الفئة الأولى فهي مؤلفة من الأحزاب الميليشيوية التي قطعت الطرقات وحوّرت الشعارات من مطلبية الى حزبية وقد صُرف حبر كثير في الكلام عن هذه الفئة وابراز افعالها.
اما الفئة الثانية والتي لم تستحوذ بعد على الاهتمام الكافي، فهي تلك المكونة من بعض “القيادات” الغوغائية والديماغوجية والتي استطاعت أن تستغل هذا الحراك لتستعيد الضوء الإعلامي وميكروفوناته وهي ليست بوارد تركه بسهولة.
من مميزات خطاب هذه القيادات الديماغوجية مثلاً الدعوة العامة “فشلتوا، سلّمونا السلطة”. وكأنهم لا يأبهون بأدنى شروط الديموقراطية وهي الانتخابات النيابية التي لها ان تعيد تكوين هذه السلطة. وهم يتناسون ان هذه الانتخابات قد جرت منذ عام ونصف وقد ترشّحت بعض هذه القيادات عليها وحصدت عدداً هزيلاً من الأصوات يبين حجمها التمثيلي. سيتحججون بالنظام الانتخابي والإعلام وكل الشياطين السود ولكن حقيقة الأرقام هنا لتفضح المستور.
من مميزات هذا الخطاب أيضاً ان ينكروا لك حق التظاهر وان تظاهرت فهو لمواجهتهم “بشارع ضد شارع”. ان حق التظاهر مقدس في النظام الديموقراطي ضمن اطر احترام القوانين وليس لكم ان تمنعوا احداً من التظاهر.
اما اهم البدع في هذا الخطاب فهي رفضهم تكوين قيادة فعلية لهذا الحراك يمكن الحوار معها بشكل بناء بغية الوصول الى الأهداف الأساسية والتي يجمع عليها كل الخيّرين في البلد. ويأتي هذا الرفض نتيجة حتمية لتعارض المصالح والمطالب بين مختلف المكونات ولرغبة ان يبقى كل من هؤلاء ديكاً في حيّه. ولا شك ان هذه الشرذمة في القيادة وضياع المسؤولية المباشرة تخدمان ، من حيث أراد الحراك او لم يرد، مصالح القوى الكبرى في الخارج التي تخطط وتنفذ على الأرض لضزب البلد، وتصريحات بومبيو الأخيرة خير دليل على ذلك.
ان الحراك الحاصل اليوم على الأرض مهم جداً ويجب البناء عليه للمرحلة القادمة من حيث تخطيه الحواجز الطائفية والمناطقية وكسره المحرمات عبر الدعوة العلنية لقلب طاولة الفساد والزبائنية. وان فشل اليوم هذا الحراك فقد يكون الشعب اللبناني قد خسر نهائياً فرصته التاريخية لإثبات حيويته فيعود الى سباته العميق مجددًا . وحتى ينجح هذا الحراك عليه ان ينقّي صفوفه من الاستغلاليين، من سياسيين وديماغوجيين ، ويكوّن له قيادة واضحة غير فضفاضة واهدافاً واضحة وورقة طريق هادفة وعملية وبناءة تحقق المطالب بالفعل وليس ماكينة إطلاق شعارات.